كشفت مصادر ليبية وعربية وأوروبية مطلعة، أنّ إبراهيم الدبيبة، مستشار الأمن القومي وأحد أقارب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، أجرى محادثات مع مسؤولين من دولة الاحتلال حول خطة مثيرة للجدل تهدف إلى إعادة توطين مئات الآلاف من الفلسطينيين المطرودين من غزة داخل ليبيا، مقابل الإفراج عن نحو 30 مليار دولار من الأصول الليبية المجمّدة لدى الولايات المتحدة.
المصادر التي تحدّثت لموقع ميدل إيست آي البريطاني، اشترطت عدم الكشف عن هويتها نظراً لحساسية الموضوع، وأكدت أن هذه المحادثات تأتي رغم الرفض الفلسطيني القاطع لما يُعرف بـ”خطة ما بعد الحرب” التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن غزة.
وقال أحد المصادر الليبية إنّ “محادثات عملية” جرت بالفعل، لكنها لا تزال غامضة من حيث التفاصيل وآليات التنفيذ، وأضاف مصدر آخر أن هذه النقاشات لا تزال مستمرة، وأن البرلمان المتمركز في طرابلس جرى إبعاده عمداً عن مجريات الأمور بسبب الشعبية الجارفة للقضية الفلسطينية في الشارع الليبي.
وبحسب تلك المصادر، عرضت واشنطن على بعض القيادات الليبية حوافز اقتصادية ودعماً مباشراً مقابل القبول باستقبال الفلسطينيين، حيث حصل إبراهيم الدبيبة على ضمانات بالإفراج عن 30 مليار دولار من الأموال الليبية المجمّدة منذ عام 2011، وكانت هذه الأصول قد جُمّدت بقرار من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، قبل أشهر من الإطاحة بنظام معمر القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي وقت سابق من هذا العام، تحدثت تقارير عن اجتماعات بين إبراهيم الدبيبة ومسؤولين أميركيين من بينهم مسعد بُولُص، المستشار المقرب من ترامب وحمو ابنته تيفاني، الذي نفى بشدة أي علاقة له بخطة ترحيل الفلسطينيين، واصفاً تلك التقارير بأنها “ملفقة وخطيرة”.
لكن في المقابل، أكدت نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض آنا كيلي أن ترامب “لطالما دعا إلى حلول مبتكرة لتحسين حياة الفلسطينيين، من بينها السماح لهم بالاستقرار في مكان جديد وجميل بينما يُعاد إعمار غزة”.
أطماع نفطية ومكاسب سياسية
وتحدثت التسريبات أيضاً عن عرض قدّم للمشير خليفة حفتر، قائد القوات المسيطرة على شرق ليبيا، يمنحه صلاحيات أوسع للتحكم بالثروات النفطية مقابل استيعاب الفلسطينيين، إلا أن حفتر، المتهم بلعب دور مركزي في تدمير ليبيا وتأجيج النزاعات في السودان المجاور، نفى تلك التقارير.
وفي المقابل، سارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بعد ساعات من استفسارات الصحفيين، إلى إعلان رفض حكومته “التورط في جريمة إعادة توطين الفلسطينيين”، مستشهداً ببيان سابق للسفارة الأميركية في طرابلس نفى وجود مثل هذه الخطة.
تصريحات استفزازية من دولة الاحتلال
وكان رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد صرّح الأسبوع الماضي بأن حكومته على تواصل مع “عدة دول” بشأن استقبال الفلسطينيين المهجّرين من غزة، وقال: “أعتقد أن هذا هو الأمر الطبيعي، من يريد مساعدة الفلسطينيين عليه أن يفتح أبوابه لهم، نحن لا نطردهم بل نتيح لهم فرصة المغادرة… سواء من مناطق القتال أو من القطاع نفسه إذا أرادوا.”
كما ذهب وزير الزراعة في دولة الاحتلال، آفي ديختر، إلى حد اعتبار ليبيا “الوجهة المثالية” للفلسطينيين، قائلاً: “ليبيا بلد واسع وله ساحل مشابه لغزة، وإذا استثمر العالم المليارات في إعادة تأهيل الفلسطينيين هناك فستستفيد الدولة المستضيفة اقتصادياً.”
يُذكر أن وزيرة الاستخبارات السابقة في دولة الاحتلال، جيلا غامليئيل، طرحت عقب أحداث 7 أكتوبر خطتها لـ”الهجرة الطوعية”، بهدف دفع 1.7 مليون فلسطيني إلى مغادرة غزة. وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، لاسيما المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري للسكان تحت الاحتلال.
تحذيرات من “كارثة مضاعفة”
وكان مصدر أوروبي مطلع قد حذر من أن فرض خطة الترحيل على ليبيا سيعني “انتقال الفلسطينيين من كارثة إلى أخرى”، موضحاً أنّ نقلهم إلى بلد غارق في الانقسام السياسي والحرب الأهلية سيقود إلى موجات جديدة من الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، حيث “الكثيرون سيغرقون في البحر المتوسط، ومن ينجو منهم سيواجه رفضاً أوروبياً مماثلاً لما واجهه السوريون قبل سنوات قليلة.”
وأشار المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ إلى أن “قبول الفلسطينيين قد يكون ثمنه باهظاً بالنسبة لأي طرف يتورط مع الولايات المتحدة في هذا الملف”، موضحاً أن واشنطن تدرك تماماً خطورة هذا الأمر على استقرار السلطات الليبية.
أبعاد إفريقية واتصالات سرية
لم تتوقف مساعي دولة الاحتلال عند ليبيا، فقد تحدثت تقارير عن محاولات مشابهة في السودان وجنوب السودان ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، رغم أنّ هذه المناطق تعيش اضطرابات وحروباً دامية.
وفي ليبيا، لا تُعد هذه أول محاولة للتواصل مع دولة الاحتلال، ففي عام 2023، كشفت تسريبات عن لقاء جمع وزيرة الخارجية الليبية السابقة نجلاء المنقوش بوزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين في إيطاليا، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً وأدى إلى إقالتها، المنقوش صرحت لاحقاً للجزيرة أن اللقاء تم بتعليمات مباشرة من عبد الحميد الدبيبة.
تؤكد هذه التطورات أنّ الملف الفلسطيني بات ورقة مساومة في صراع المصالح بين أطراف ليبية متنافسة، تسعى كل منها إلى تعزيز موقعها عبر كسب رضا واشنطن ودولة الاحتلال، في وقت يواجه فيه الفلسطينيون أخطر موجة تهجير قسري منذ النكبة.