بقلم جيمس سميث
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في أعقاب التحذيرات المتكررة من قبل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة، واليونيسيف وآخرين من خطر المجاعة طوال عام 2024، وصل حرمان إسرائيل الممنهج للفلسطينيين في غزة من الغذاء والماء والدواء إلى المجاعة الجماعية اليوم مع مقتل المئات بالفعل كنتيجة مباشرة للحرمان المتعمد.
من جانب آخر، فقد تزايدت في الأسابيع الأخيرة إدانة إسرائيل لاستخدامها التجويع كسلاح حرب في غزة، ومع ذلك، فإن كل ما كشفته هذه اللحظة هو العتبة الاستثنائية حتى لأبسط مظاهر الاهتمام لدى الليبراليين، فيجب أن يتم تجويع الفلسطينيين حتى الموت أمام الكاميرا على مرأى ومسمع من العالم، قبل أن تظهر الطبقة السياسية الغربية قدراً يسيراً من عدم الارتياح!
في البداية، يقولون أنه لا يوجد مجاعة ثم يصرون على أنها ليست خطيرة كما يقول الفلسطينيون وعدد لا يحصى من خبراء الصحة العامة، وعندما يفشل ذلك، يلقون باللوم على الأمم المتحدة أو المقاومة الفلسطينية المسلحة!
حتى مع ذلك، يبدو أن المعاناة التي يتعرض لها الأطفال الفلسطينيون هي التي تثير الانزعاج فقط، ففي المملكة المتحدة، ركز كل من رئيس الوزراء كير ستارمر ووزير الخارجية ديفيد لامي بشكل خاص على الجوع وسوء التغذية بين الأطفال، فوصف لامي “الأطفال الأبرياء يمدون أيديهم للحصول على الطعام”، بينما أعرب ستارمر عن أن “صور الأطفال الجائعين على وجه الخصوص مثيرة للاشمئزاز”.
عندما أستمع إلى أدائهم الأخير، أتذكر الكاتب الفلسطيني محمد الكرد، الذي قال في كتابه “الضحايا المثاليون”: “إننا نمارس سياسة الجاذبية ونحول أطفالنا إلى نقاط حوار مقنعة على أمل أن نجذب قلوب من لا قلب لهم”.
مع استمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، فإن أكثر الجرائم وحشية هي وحدها التي أثارت إدانة عابرة أو تغطية قصيرة في وسائل الإعلام الرئيسية!
اهتمام الليبراليين
مع حلول ديسمبر عام 2024، كانت إسرائيل قد ارتكبت أكثر من 9900 مجزرة ضد الفلسطينيين في غزة، ولو أن جريمة واحدة من هذه الجرائم المرتكبة ضد البيض في أي مكان في العالم كانت لتكون كافية لرؤية نهاية سريعة لكل الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لمرتكب الجريمة.
لم تكن اللامبالاة العالمية هي التي قادتنا إلى هذه اللحظة فحسب، بل هناك رهان أيضاً على أن الجمهور المتناقض سوف يتعب في نهاية المطاف من العنف الإسرائيلي ويستجيب للمعارضة العامة، فـ 680 يوماً من الإبادة الجماعية المتواصلة هي بمثابة شهادة على تعطش الغرب للدماء من أجل موت الفلسطينيين.
لقد أصبحت القوى الغربية مفتونة بمشهد العنف الإسرائيلي بل وتعتمد عليه، فهناك ربح يمكن تحقيقه من الإبادة الجماعية أيضاً، حتى تحدث البعض بالفعل علناً عن بناء حدائق ترفيهية وكازينوهات فوق المقابر الجماعية للشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، هل يعتبر تجويع إسرائيل للأطفال خطوة أبعد من اللازم؟ للوهلة الأولى، يبدو أن الغرب سوف يسمح لإسرائيل بقتل الفلسطينيين بأي شكل من الأشكال ولكن ليس عن طريق التجويع.
يمكن رفض الغارات الجوية على المنازل والمستشفيات والمدارس أو التقليل من أهميتها أو إلقاء اللوم في نهاية المطاف على الفلسطينيين أنفسهم، ففي نهاية المطاف، يصبح ما يسمى “ضباب الحرب” أكثر كثافة عندما يكون جندي إسرائيلي هو الذي يضع إصبعه على الزناد.
إنكار الجريمة ثم التقليل من شأنها ثم تجاهلها
رداً على الاعتراف المتزايد بالمجاعة، استخدمت إسرائيل وحلفاؤها نفس الاستراتيجية المجربة والمختبرة والمتمثلة في إنكار الجريمة ثم التقليل من شأنها ثم تجاهلها.
في البداية، يقولون أنه لا يوجد مجاعة ثم يصرون على أنها ليست خطيرة كما يقول الفلسطينيون وعدد لا يحصى من خبراء الصحة العامة، وعندما يفشل ذلك، يلقون باللوم على الأمم المتحدة أو المقاومة الفلسطينية المسلحة!
وفي عرض بشع على عدم إنسانيتهم ، فقد حاول المضيف والضيف في برنامج تلفزيوني بريطاني يميني متطرف مؤخراً تبرير استخدام إسرائيل للجوع كسلاح من خلال الادعاء بأن الأطفال يعانون من سوء التغذية بسبب ظروف طبية كامنة وليس بسبب نقص الغذاء!
هل ألحقت اتفاقيات جنيف حواشي جديدة تجعل من المقبول الآن تجويع الأطفال حتى الموت ما داموا يعانون من مشكلة صحية أخرى، مثل الشلل الدماغي؟!
مع تكثيف التدقيق السياسي لفترة وجيزة، فقد أصدرت عدة دول بيانات إدانة أو كررت دعواتها لوصول المساعدات الإنسانية، وكررت نفس المطالب غير الفعالة للامتثال للقانون الدولي وتوصيل المساعدات، ومع ذلك، كان ينبغي للتاريخ أن يعلمنا أنه لا يمكنك اللجوء إلى إحسان مرتكب الإبادة الجماعية.
لا ينبغي أبداً تأطير المجاعة كحالة فسيولوجية يمكن علاجها بالطعام وحده، بل هي المرحلة النهائية لأكثر أشكال العنف السياسي فظاعة، والتدخل الفعال الوحيد هو وقف أولئك الذين يستخدمون المجاعة كسلاح للقتل
إن هذا الخطاب المتعلق بالاهتمام الإنساني المفترض لا يؤدي إلا إلى صرف الانتباه عن غياب التدخل السياسي الهادف، وبالتالي عن تعميق المسؤولية الملقاة على عاتق الدول في الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل.
في حديثه من ملعب الجولف الخاص به على الساحل الغربي لاسكتلندا في 28 يوليو الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أن وزارة الخارجية خصصت 60 مليون دولار كمساعدات غذائية في يونيو لغزة (تم الكشف لاحقاً عن 30 مليون دولار، تم صرف 3 ملايين دولار منها بالفعل حتى أوائل أغسطس).
اشتكى ترامب في الموقف قائلاً: “لم يشكرني أحد”، متجنباً الإشارة إلى المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل خلال الإبادة الجماعية، والتي طغت على المساعدات الإنسانية حيث بلغت قيمتها 17.9 مليار دولار حتى أكتوبر 2024.
إن مجموع ما يعتبره الغرب ممكناً سياسياً هو الطعام المتعفن الذي يتم رميه من الطائرات، وهي حيلة دبلوماسية يتم الترويج لها من قبل الحكومات المتواطئة في الفظائع المستمرة التي ترتكبها إسرائيل.
التجويع كوسيلة عنف سياسي
مع المجاعة، لا يمكن أن يكون هناك غموض في النوايا، فمن المستحيل تجويع شخص ما عن طريق الخطأ، وبالتأكيد ليس إلى حد الموت، فالتجويع هو دائماً شكل من أشكال الحرمان المتعمد، الذي ترتكبه مجموعة ضد أخرى، ونظراً للاتهام الراسخ بالإبادة الجماعية، فإن نية إسرائيل في الإبادة لا يمكن أن تكون أكثر وضوحاً.
خلافاً للاقتراح القائل بأن الحديث عن المجاعة أكثر قبولاً من الناحية السياسية من الحديث عن الإبادة الجماعية، فإن كل هذه الأمور تكون دائماً مقصودة مع سبق الإصرار والترصد، ودائماً عنيفة إلى أقصى الحدود، فلا عجب إذن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أطلق آلة الهسبارا مرة أخرى على قدم وساق.
في الوقت الذي لا يزال فيه الخبراء مترددين للاعتراف بمئات الأمثلة الواضحة على التحريض على الإبادة الجماعية من جانب المسؤولين الإسرائيليين، فإن الأدلة على المجاعة في غزة تكشف عمق منطق الإبادة الصهيوني.
من هذا المنطلق، ليس من المستغرب أن يكون المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، من بين أول من أعلن أن تصرفات إسرائيل في غزة تشكل إبادة جماعية.
تحقيقاً لهذه الغاية، فلا ينبغي أبداً تأطير المجاعة كحالة فسيولوجية يمكن علاجها بالطعام وحده، بل هي المرحلة النهائية لأكثر أشكال العنف السياسي فظاعة، والتدخل الفعال الوحيد هو وقف أولئك الذين يستخدمون المجاعة كسلاح للقتل، فما دون ذلك لا يعدو كونه أحدث عرض في مسرح القسوة الذي طال أمده في إسرائيل.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)