ارتكب جيش الاحتلال، الاثنين، جريمة جديدة بحق الصحافة الفلسطينية والدولية، بعدما استهدف بشكل مباشر مستشفى ناصر في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد صحفيي ميدل إيست آي محمد سلامة وأحمد أبو عزيز، إلى جانب 17 فلسطينيًا آخرين بينهم صحفيون ومسعفون ومدنيون.
ووقع القصف قرابة الساعة الحادية عشرة صباحًا بالتوقيت المحلي، حيث قصفت طائرات الاحتلال الطابق الرابع من المستشفى، قبل أن تعود وتطلق صاروخًا ثانيًا بعد لحظات قليلة على نفس الموقع، مستهدفة الصحفيين والمواطنين الذين تجمعوا لإنقاذ الضحايا.
وأظهرت مقاطع مصوّرة اطلع عليها موقع ميدل إيست آي الدخان يتصاعد من الطابق العلوي للمستشفى، فيما كان المسعفون يستغيثون طلبًا للعون من الطابق السفلي، قبل أن يضرب الصاروخ الثاني المكان ذاته حيث تواجدوا، وخلال بث مباشر لقناة “الغد” الأردنية، صرخ مراسلها مؤكّدًا استشهاد مدنيين أبرياء.
ومن بين الشهداء أيضًا الصحفية المستقلة مريم أبو دقّة التي عملت مع عدة مؤسسات إعلامية بينها وكالة أسوشيتد برس، والصحفي معاذ أبو طه من شبكة NBC، والمصور الصحفي حسام المصري من وكالة رويترز.
محمد سلامة.. عين على الحقيقة حتى اللحظة الأخيرة
بدأ محمد سلامة عمله مع ميدل إيست آي عقب اندلاع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على غزة، إلى جانب عمله المستقل مع منصات إعلامية أخرى أبرزها الجزيرة مباشر والعربية.
قدّم سلامة تغطيات يومية حول حصار مستشفى الشفاء، والجدل الذي أثاره الفيلم الوثائقي “غزة: كيف تعيش في منطقة حرب” الذي سحبته هيئة الإذاعة البريطانية، كما وثّق استشهاد الطفل عبد الرحيم “أمير” الجرابعة (10 أعوام) في مايو/أيار الماضي داخل أحد مواقع الإغاثة.
وفي آخر مكالمة هاتفية له الأحد مع خالد شلبي، مدير الإنتاج المرئي لدى موقع ميدل إيست آي، تحدّث سلامة عن سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال على القطاع، وعن خططه للتغطية القادمة مع زوجته الصحفية هالة عصفور وأعرب وقتها عن مخاوفه من أن يكون الهدف التالي بعد اغتيال مراسل الجزيرة أنس الشريف وأفراد طاقمه.
أبو عزيز.. مراسل من قلب خان يونس
وكان الصحفي المستقل أحمد أبو عزيز، ابن مدينة خان يونس، قد أعد عشرات التقارير لصالح ميدل إيست آي منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مسلّطًا الضوء على المأساة اليومية للمدنيين تحت القصف.
“إسرائيل تقتل من يوثّق جرائمها”
وصف رئيس التحرير في ميدل إيست آي ديفيد هيرست سلامة وأبو عزيز بأنهما “صحفيان استثنائيان”، مؤكّدًا أنهما عملا في “ظروف تكاد تكون مستحيلة” قبل أن يتم “اغتيالهما عمدًا” من قبل الاحتلال.
وأضاف: “إسرائيل لا تستطيع إخفاء حقيقة الإبادة الجماعية التي تنفذها في غزة، لذلك تسعى إلى قتل أكبر عدد ممكن من الذين يوثّقون كل قصف وكل جريمة.”
وتابع: “ما تقوم به إسرائيل في غزة هو إرهاب تمارسه دولة، باستهدافها المدنيين والمستشفيات والمسعفين والصحفيين، فهي تريد بث الرعب في نفوس الفلسطينيين ودفعهم إلى النزوح القسري، لقد أسقطت إسرائيل عن نفسها كل ادعاء بالانتماء إلى العالم المتحضر، ويجب أن تُعامل كما يُعامل الحيوان المفترس من قبل كل دولة تزعم التحضر.”
دعوات لعقوبات دولية
وفي أعقاب الجريمة، طالبت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي المجتمع الدولي بفرض عقوبات عاجلة على الاحتلال، وكتبت على منصة “إكس”: “المسعفون يُقتلون أثناء أداء واجبهم، مشاهد كهذه تتكرر كل لحظة في غزة، وغالبًا تبقى بلا توثيق كاف، أرجوكم يا دول العالم: كم يلزم أن نشاهد بعد من المجازر قبل أن تتحركوا؟ اكسروا الحصار، افرضوا حظر السلاح، افرضوا العقوبات.”
حرب إبادة تستهدف الصحافة
منذ اندلاع العدوان في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجاوز عدد الشهداء والمصابين من الفلسطينيين 200 ألفًا، في حين كشفت تقارير تستند إلى بيانات استخبارات الاحتلال أن أكثر من 80% من الضحايا حتى مايو/ أيار الماضي كانوا من المدنيين.
ووفق تقرير صادر عن “معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة” في أبريل/ نيسان الماضي بعنوان “مقابر الأخبار: كيف تهدد المخاطر على الصحفيين العالم بأسره”، فإن الحرب التي يشنها الاحتلال على غزة مثّلت “أخطر صراع على الصحفيين في التاريخ الحديث”، إذ قتلت من الصحفيين أكثر مما قُتلوا في الحرب الأهلية الأميركية، والحربين العالميتين الأولى والثانية، وحرب كوريا، وحرب فيتنام، وحروب يوغسلافيا، وأفغانستان بعد 11 سبتمبر/ أيلول – مجتمعة.