بقلم دانيال هلتون
ترجمة وتحرير مريم الحمد
كان أحمد أبو عزيز الصحفي الذي لم يتوقف أبداً عن التغطية والعمل، حتى تحت وطأة الألم والنزوح والجوع والقصف، ظل الشاب البالغ من العمر 28 عاماً يغطي الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل من جنوب قطاع غزة.
لقد اغتالته إسرائيل مع 4 آخرين من زملائه الصحفيين بالإضافة إلى عامل إنقاذ كان يعمل مع فريقه على إنقاذ ضحايا الهجمة الأولى!
“أنا منهك، فقد مر أكثر من عام ونصف الآن ولم أتخيل قط أن مسيرتي المهنية في الصحافة سوف تكون بهذا الشكل، فأنا أصبحت أتجنب إجراء أحاديث قصيرة مع الصحفيين من حولي لأنني لا أستطيع تحمل فكرة فقدان صديق آخر، فالناس لا يستطيعون تخيل ما نمر به من قصف يومي وخسائر وأنا لست مصنوعاً من الفولاذ، أنا محطم داخلياً” – أحمد أبو عزيز- الصحفي الفلسطيني الشهيد
أثناء تغطيته لواحدة من أكثر الحروب دموية بحق الصحفيين في التاريخ، كان أبو عزيز يعرف جيداً المخاطر التي خاضها لقول الحقيقة حول الهجوم الإسرائيلي، فمنذ أكتوبر عام 2023، قتلت إسرائيل 245 صحفياً فلسطينياً في غزة، العديد منهم من أصدقائه وزملائه، كما قُتل محمد سلامة، زميل مساهم في موقع ميدل إيست آي، في الغارة على مستشفى ناصر في خان يونس.
ذات مرة، سأل أبو عزيز مديرة مكتب ميدل إيست آي في القدس، لبنى مصاروة: “إذا قتلت فماذا سوف تكتبين عني؟”، وتقول مصاروة بأنه كان “استثنائياً”، وتتذكر قائلة: “كان لديه طموح وكان عنيداً للغاية وكانت قصصه استثنائية وحميمية، وكان لديه القدرة على رؤية الأشياء ورؤية التفاصيل ووصفها بطريقة مفصلة وخاصة آلام النساء”.
“أول مراسل في الميدان”
كان أبو عزيز من مدينة خان يونس، ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة باتجاه جنوب القطاع، وقد عاش 4 حروب إسرائيلية على غزة وإبادة جماعية واحدة و17 عاماً من الحصار، وكان قد خطب قبل الحرب وتزوج من خطيبته المحامية لوسي صالح الصيف الماضي خلال الحرب وعلى الأنقاض.
كان أبو عزيز يحلم بالدراسة في الخارج ليضيف إلى درجة الماجستير التي حصل عليها في غزة، حيث تقول مصاروة: “نشأ أحمد في عائلة مع أم قوية كانت تعمل طوال حياتها”.
في أوائل عام 2024، بدأ أبو عزيز بإعداد التقارير لصحيفة ميدل إيست آي، ليصبح مراسلها الرئيسي في جنوب القطاع، وكان يعمل تحت اسم أحمد عزيز لأسباب أمنية، وبحلول مايو من ذلك العام، كان قد نزح مرتين بالفعل ثم نزح عدة مرات بعد ذلك.
كان أبو عزيز يعاني من آلام مزمنة في الظهر نتيجة إصابة في الغضروف كانت تدخله المستشفى في بعض الأحيان، حيث أصبح العلاج شبه مستحيل خلال العامين الماضيين، بعد أن دمرت آلة الحرب الإسرائيلية نظام الرعاية الصحية في غزة.
يتذكر أحد الزملاء أن أبو عزيز كان يشعر بألم شديد أثناء تغطيته للأخبار ويكافح من أجل الاستمرار، حتى عرض عليه أحدهم في مرة إعادته إلى المستشفى، لكنه سأل عما إذا كان بإمكانهم دعمه بدلاً من ذلك حتى يتمكن من إنهاء تقريره.
“أعمل كل يوم فقط لتجنب البقاء في المنزل لأن ذلك سوف يدمرني فأنا أفضل أن أستشهد في الميدان، ورغم أنني جريح، إلا أنني لا أستطيع التوقف عن العمل وذلك من أجل زملائي ومن أجل ذكراهم” – أحمد أبو عزيز- الصحفي الفلسطيني الشهيد
يقول سمير البوجي، صحفي قناة إن بي سي في غزة، بأنه رغم إصابته، إلا أن أبو عزيز “كان دائماً المراسل الأول في الميدان، ولم يتأخر أبداً عن أي قصة وكان لطيفاً، واليوم أنا أبكيه من أعماق قلبي. لقد أرسل لي أحمد رسالة قبل دقائق من قتله يحثني فيها على تركيز التغطية على محنة الأطفال الذين يموتون جوعاً، كان مخلصاً ومليئاً بالأحلام”.
تحمل المجاعة
في الأسبوع الماضي، تم الإعلان رسمياً عن المجاعة في غزة نتيجة للحصار الإسرائيلي واحتكار إسرائيل القسري لتوصيل المساعدات، وهذا التجويع المتعمد هو ما تحمله أبو عزيز مثل كل الفلسطينيين في غزة.
في الشهر الماضي، كان أبو عزيز قد كشف لزملائه في موقع ميدل إيست آي بأنه فقد 14 كيلوغراماً من وزنه خلال 4 أشهر، ولم يتمكن أبو عزيز من تناول سوى وجبة واحدة كل 36 ساعة.
أثناء كتابته عن الجوع في غزة، تحسر أبو عزيز على عدم قدرته على إطعام زوجته بشكل صحيح، فكتب: “منذ أشهر، توقفت عن التفكير في إنجاب طفل، ببساطة لأنني لا أملك القوة لأضمن لهم الحياة، فكل صباح تسألني زوجتي: ماذا سنأكل؟ وأجيب محاولاً إخفاء عجز الرجل أنني صائم ذلك اليوم، فنحن نصوم يأساً ونشرب الماء عندما يتوفر ثم نخدع أنفسنا بالأمل”.
في الأسابيع قبل استشهاده، كتب أبو عزيز: “أنا منهك، فقد مر أكثر من عام ونصف الآن ولم أتخيل قط أن مسيرتي المهنية في الصحافة سوف تكون بهذا الشكل، فأنا أصبحت أتجنب إجراء أحاديث قصيرة مع الصحفيين من حولي لأنني لا أستطيع تحمل فكرة فقدان صديق آخر، فالناس لا يستطيعون تخيل ما نمر به من قصف يومي وخسائر وأنا لست مصنوعاً من الفولاذ، أنا محطم داخلياً”.
مع ذلك، كان أبو عزيز يستيقظ كل صباح ويخرج من خيمته ويروي قصة تلو الأخرى، وكان قد كتب في وصف ذلك: “أعمل كل يوم فقط لتجنب البقاء في المنزل لأن ذلك سوف يدمرني فأنا أفضل أن أستشهد في الميدان، ورغم أنني جريح، إلا أنني لا أستطيع التوقف عن العمل وذلك من أجل زملائي ومن أجل ذكراهم”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)