ناشطون يغلقون السفارات المصرية في الخارج… وعائلاتهم تدفع الثمن في مصر

في يوليو الماضي، أغلق الناشط المصري الهولندي أنس حبيب أبواب السفارة المصرية في لاهاي بالسلاسل، حيث قام اللاجئ السياسي البالغ من العمر 27 عاماً بتصوير هذا الفعل ونشره على الإنترنت، وفي غضون ساعات انتشر الفيديو على نطاق واسع بين المعارضين المصريين في جميع أنحاء العالم.

ربما لم يتوقع حبيب أن ما بدأه سوف يتحول إلى موجة من الاحتجاجات المماثلة من قبل المصريين الغاضبين مما يعتبرونه تواطؤ بلادهم مع الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث امتدت الاحتجاجات إلى بلدان مختلفة ومعها حملة قمع متزايدة العنف لم تقتصر على الناشطين المنفيين في الخارج، بل على عائلاتهم التي لا تزال في مصر.

بإلهام من حبيب، توجه نور حسام، الصحفي البالغ من العمر 25 عاماً واللاجئ السياسي في تركيا والذي يعرف أيضاً باسم أونور آزاد، إلى القنصلية المصرية في إسطنبول في أوائل أغسطس مع اثنين من زملائه الذين كانوا يصورونه، وكان يحمل سلسلة كان ينوي استخدامها لقفل أبواب المبنى رمزياً محاكاة لرسالة حبيب.

وقد أوضح إن إن لميدل إيست آي، وهو لاجئ مصري هولندي آخر يساعد في تنسيق الحملة مع حبيب، وطلب عدم الكشف عن هويته لحماية هويته: “بما أنهم [الحكومة المصرية] يزعمون أن معبر رفح مغلق من الجانب الآخر  أي [إسرائيل]، فقد أغلقنا أبوابهم بدلاً من ذلك لتصبح مغلقة من الداخل”.

لم يكن إن إن وحسام على اتصال ببعضهما البعض، لكن تم جر حسام إلى داخل المبنى حيث تعرض للضرب المبرح لدرجة أن الكدمات استمرت لأسابيع.

وبعد أيام، وصل تكتيك الاحتجاج هذا إلى مدينة نيويورك، حيث وقف حسام خالد، الناشط اليمني الأمريكي البالغ من العمر 24 عاماً، خارج بعثة مصر لدى الأمم المتحدة حاملاً لافتة كتب عليها: “مصر أيضاً تجوع غزة”.

 وفي 20 أغسطس، حاول ربط أبواب البعثة بالسلاسل، ومع اقترابه من المدخل، اندفع رجال الأمن في البعثة واستهدفوا صديقي خالد علي وياسين السماك، اللذين كانا يصوران الحدث، حيث ظهر أحد العملاء في مقطع فيديو يستخدم نفس السلسلة التي استخدمها خالد لخنق ياسين ذو 22 عاماً والذي هرع للدفاع عن شقيقه الأصغر علي البالغ من العمر 15 عاماً بعد أن بدأ الحراس المصريون بضربه. 

تم اقتياد الشقيقين، وهما من أصل مصري، إلى داخل المبنى الدبلوماسي حيث تعرضا لاعتداءات شديدة قبل تسليمهما إلى قسم شرطة نيويورك، ووفقاً لما صرح به والدهما لميدل إيست آي بعد يوم من إطلاق سراح علي من سجن الأحداث: “لقد أصابوا الأصغر بصدمة نفسية فهو لا يريد أن يكون ضحية”.

“لقد أنهكنا الحزن مما نراه يحدث في غزة، وعلمي كمصري أن لبلادي دور فعال في هذا أمر لا يطاق فأنا على يقين تام بأن السيسي ضد مصر” – أدهم حسنين- اللاجئ المصري الهولندي

وأضاف الوالد: “الحمد لله أن الباب كان زجاجياً، ورأوا أنه من الممكن رؤيتهم، فياسين قال لنا يا ماما وبابا كانوا سيقتلوننا لو لم يكن هناك أحد يصور”، وقد تم اتهام كل من علي وياسين بالاعتداء رغم عدم مشاركتهما في تحركات خالد، والآن تحاول الأسرة إسقاط التهم.

إن مثل هذا العنف ليس بالأمر الجديد ولا بالمفاجئ، فقد أظهر مقطع فيديو مسرب لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي وهو يوجه تعليمات لسفير القاهرة في هولندا حول كيفية التصرف إذ قال: “إذا قام شخص ما بوضع طلاء على بواباتنا، أمسك به واربطه وسلمه إلى الشرطة، لنفترض أنهم تحرشوا بالسفارة، فإذا حاول شخص ما وضع قفل أو أي شيء آخر، اسحبه إلى الداخل واجعل حياته جحيماً”.

وفي حديثه لميدل إيست آي، أوضح خبير مصري في مجال حقوق الإنسان مقيم في أوروبا، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: “يعتقد نظام السيسي أنه يستطيع التصرف دون عقاب حتى في بلدان أخرى، لكنهم ينسون أن هناك قوانين خارج مصر”.

استهداف العائلات داخل مصر

ولم يتحمل تكاليف النشاط أولئك الذين يقيدون بوابات السفارات فقط، فالقمع طال عائلاتهم داخل مصر، حيث اعتقلت أجهزة الأمن المصرية أقارب المنفيين المشاركين في الاحتجاجات.

أوضح إن إن بأن 5 من أفراد أسرته، بعضهم مقيم دائم في الخارج، قد سُجنوا أثناء زيارتهم لمصر بعد مشاركته في الحملات الناشطة الأخيرة في أوروبا. 

في 19 أغسطس الماضي، سُجن عم حبيب وابن عمه بتهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية، كما أفاد حسام بأن شقيقه الأكبر محتجز، حيث تضغط عليه المخابرات المصرية للامتثال لمطالبه، مثل وقف نشاطه مقابل إطلاق سراح شقيقه. 

حتى الآن، يرفض حسام القيام بذلك لأنه يعتقد أنه قد يكون منحدراً زلقاً، وقال: “ماذا سيطلبون مني أكثر إذا تخليت عن شرط واحد؟”.

بدأ حبيب وشقيقه طارق احتجاجاً سلمياً جديداً أمام السفارة المصرية في لندن، وذلك بالجلوس أمام المبنى وعزف الموسيقى منددين بما وصفوه بعنف الحكومة المصرية وفسادها وتعاونها مع إسرائيل

بالنسبة للأخوين السماك، اللذين تم اعتقالهما أثناء تصوير الحدث في مدينة نيويورك، وهما مواطنان أمريكيان وليسا مصريين، فإن التهديد يمتد إلى عائلتهما الممتدة في مصر. 

يخشى والدهما، أكرم، الذي لم يسافر إلى البلاد منذ عام 2013، من احتمال اعتقال أقاربهم، فقال: “أود العودة، لكني لا أريد أن أعيش حيث الناس يصفقون للشيطان” في إشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ورغم المخاطر، يصر الناشطون على أنهم لن يتوقفوا، فمعظم النشطاء المصريين الذين تمت مقابلتهم في هذا المقال قضوا بعض الوقت في السجون المصرية التي يشبهها النشطاء بسجن صدنايا السوري، قبل أن يفروا من بلادهم.

أوضح حسام أنه وأثناء اقتياده قسراً إلى داخل القنصلية بإسطنبول، استطاع التعرف على الشخص الذي كان يحقق معه بأنه ضابط أمن دولة وذلك بعد أن شم رائحة الكولونيا نفسها التي يستخدمها المسؤولون في السجون المصرية، حيث قال: “بما أنهم أبقونا معصوبي الأعين، كانت هذه طريقتهم في ترويعنا لإقناعنا عندما يقتربون”.

يقول حسام بأن ذلك أعاده إلى السنوات المرعبة التي قضاها في السجن عندما كان قاصراً، وينوي رفع دعوى قضائية ضد القنصلية.

ويقول أدهم حسنين، اللاجئ المصري الهولندي الذي انضم إلى حبيب في المظاهرات الأخيرة: “لقد أنهكنا الحزن مما نراه يحدث في غزة، وعلمي كمصري أن لبلادي دور فعال في هذا أمر لا يطاق فأنا على يقين تام بأن السيسي ضد مصر”، مؤكداً لميدل إيست آي بأن إخوته وعائلاتهم قد تعرضوا بالفعل للتهديد من قبل المخابرات المصرية بعد مشاركته في الاحتجاجات في لاهاي.

حملات قمع واسعة النطاق

في الوقت الذي كانت فيه شرطة نيويورك تمسك بياسين مكبل اليدين، صرخ قائلاً: “لقد ضربتني كلاب السيسي”، في إشارة إلى أفراد الأمن المصريين.

لقد اعتمدت حملة القمع في مصر منذ فترة طويلة على السجن الجماعي، وهذا ما عبر عنه خبير حقوقي تابع لمنظمة HuMENA غير الحكومية ومقرها بلجيكا، والذي طلب أيضاً من ميدل إيست آي عدم الكشف عن هويته: “لا توجد أرقام رسمية، لكن قد يكون هناك ما بين 20 ألف إلى 40 ألف سجين سياسي في مصر، فمنذ عام 2023 وحده، اختفى أكثر من 800 شخص”.

وفي الوقت الذي كانت فيه حملة النشطاء تحشد ضد السفارات، بدأت مجموعة من المصريين المغتربين الموالين للحكومة، والذين يطلق عليهم اسم “اتحاد الشباب المصري في الخارج”، حركة احتجاجية مضادة، زاعمين بأنهم يدافعون عن السفارات من تل أبيب إلى لاهاي!

في أعقاب مشاجرة بين الناشطين المصريين وأعضاء الاتحاد مؤخراً، ألقت الشرطة البريطانية في لندن القبض على أحمد عبد القادر “ميدو”، رئيس الاتحاد، بتهمة مضايقة ضباط وناشطين.

منذ الاثنين الماضي، بدأ حبيب وشقيقه طارق احتجاجاً سلمياً جديداً أمام السفارة المصرية في لندن، وذلك بالجلوس أمام المبنى وعزف الموسيقى منددين بما وصفوه بعنف الحكومة المصرية وفسادها وتعاونها مع إسرائيل.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة