بقلم محمد المصري
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين، وقبل انطلاق أعمال القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، وضحت رأيي على شاشة الجزيرة الإنجليزية حيال التشكيك بالنتائج العملية التي قد تسفر عنها هذه القمة.
سعت القمة الطارئة التي دعت إليها قطر في 15 سبتمبر/أيلول بعد أن تعرضت لهجوم مباشر من دولة الاحتلال، إلى إبراز موقف عربي إسلامي موحد، وإظهار التضامن مع قطر، إضافة إلى بحث رد جماعي يردع اعتداءات الاحتلال ويضع حداً للمجازر المستمرة في غزة.
وشارك ممثلون من جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، حيث ألقى رؤساء دول ومسؤولون رفيعو المستوى كلمات قصيرة حملت رسائل متباينة.
وخلال مداخلتي التلفزيونية، حذّرت من أن الخلافات السياسية العميقة بين الدول العربية والإسلامية، إلى جانب الحسابات الضيقة لكل دولة، قد تحول دون اتخاذ خطوات موحدة وملموسة.
ومع ذلك، تميزت كلمات القادة في القمة بنبرة تحدٍ غير معتادة، فخطاباتهم كانت أكثر حدة من بيانات التنديد البروتوكولية التي اعتاد عليها الشارع العربي والإسلامي، وحملت غضباً واضحاً وشعوراً بالإرهاق بعد عامين من مجازر دولة الاحتلال في غزة وعدوانها الأوسع على المنطقة.
كما ذهب بعض القادة إلى أبعد من ذلك، مطالبين بمقاطعة شاملة ووقف التعاون مع دولة الاحتلال، فيما دعا آخرون إلى اتخاذ إجراءات جماعية أكثر صرامة.
ورغم أن البيانات الختامية حملت إشارات إلى تغييرات سياسية محتملة، فإنها لم تصل إلى مستوى القرارات الحاسمة القادرة على وقف المجازر أو ردع مزيد من التصعيد من جانب جيش الاحتلال.
مخرجات القمة
تضمّن البيان الختامي عدداً من النقاط التي من شأنها لفت انتباه دولة الاحتلال، فعلى سبيل المثال، نصت المادة التاسعة على مقترح لتشكيل تحالف أمني ودفاعي مشترك بين الدول العربية والإسلامية، ورغم أن هذه الفكرة طُرحت سابقاً، إلا أن الإشارة الواضحة إلى “وضع آليات التنفيذ المطلوبة” تعكس اتجاهاً أكثر جدية.
لكن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية قلّل من أهمية هذا الطرح، معتبراً أن إنشاء اتفاقية الدفاع العربي المشترك أمر غير واقعي، لأن الدول العربية لا تتفق حتى على “عدو مشترك”.
من جانب آخر، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع المشترك لبحث “تفعيل آلية الدفاع الجماعي” رداً على الهجوم الذي تعرضت له الدوحة.
وفي كلمته، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدول الإسلامية إلى قطع جميع العلاقات الاقتصادية مع دولة الاحتلال، فيما شدد رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم على ضرورة إنهاء كل العلاقات الدبلوماسية معها.
وقد عزز البيان الختامي هذه المطالب عبر مادته الخامسة عشرة، التي دعت جميع الدول العربية والإسلامية إلى فرض عقوبات على دولة الاحتلال وإعادة النظر في “العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية” معها.
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فاختار خطاباً مغايراً للعادة حين وصف دولة الاحتلال بـ “العدو”، محذراً مواطنيها من أن سياسات حكومتهم تعرض اتفاقية كامب ديفيد مع مصر للخطر.
لكن محللين أشاروا سريعاً إلى أن الانقسامات بين الدول العربية ستقف عقبة أمام أي تحرك عملي، إذ إن الخلافات السياسية العميقة تجعل من غير المحتمل تفعيل أي قوة دفاعية مشتركة.
وفي مقابلة إعلامية، أكد حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة العربية، أن فكرة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك “غير واقعية”، لأن الدول العربية لا ترى التهديدات من زاوية واحدة، وإذا كان ذلك صعباً على جامعة الدول العربية التي تضم 22 دولة، فهو أكثر تعقيداً على منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة.
عقبات مجلس التعاون الخليجي
لا يبدو أن مجلس التعاون الخليجي، وهو تكتل أصغر يضم ست دول فقط، سيُفعّل آلية الدفاع المشترك، نظراً لتباين العلاقات مع دولة الاحتلال، واعتماد بعض أعضائه على المظلة الأمنية الأمريكية، واختلاف التصورات بشأن التهديدات.
فعلى سبيل المثال، فإن الإمارات والبحرين وقعتا اتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال عام 2020، وتربطهما بها علاقات اقتصادية ودبلوماسية قوية، ما يجعل من شبه المؤكد أنهما سيتجنبان أي خطوات جادة ضدها.
وفي هذا السياق، كان لافتاً غياب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد والملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة عن قمة الدوحة، واكتفاؤهما بإرسال ممثلين من الصف الثاني، وهو ما يعكس رفضهما للهجوم على قطر، لكنه في الوقت ذاته يكشف عزوفهما عن اتخاذ خطوات عملية جادة ضد دولة الاحتلال.
أما في الشارع العربي والإسلامي، فقد كانت التوقعات الشعبية عالية تجاه ما قد تخرج به قمة الدوحة، فقد عبّر وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار بوضوح في مقابلة يوم الأحد عن شعور الأمة الإسلامية قائلاً: “إن الأمة الإسلامية بأسرها تنتظر بفارغ الصبر أن يُتخذ شيء يواجه دولة الاحتلال فعلياً”.
لكن غياب القرارات الملزمة سيخلف على الأرجح شعوراً بالإحباط على المدى القصير، ومع ذلك، لا يخلو المشهد من بعض التفاؤل الحذر، إذ قد تتحرك بعض الدول بشكل فردي لاتخاذ خطوات ملموسة.
فتركيا، مثلاً، قطعت جميع علاقاتها الاقتصادية مع دولة الاحتلال قبل أيام قليلة من الهجوم على قطر، وهذه الخطوة، مقترنة بروح القمة، قد تشجع دولاً أخرى على السير في هذا الاتجاه.
وبرغم أن الدول الموقعة على اتفاقيات أبراهام من غير المرجح أن تنسحب منها قريباً، فمن المؤكد تقريباً عدم التفكير في الانضمام إلى اتفاق جديد مع دولة الاحتلال من قبل أي دولة أخرى في المستقبل المنظور، بل إن أي هجوم عسكري جديد على قطر أو أي دولة خليجية أخرى قد يطيح بهذه الاتفاقيات كلياً، ويدفع إلى إعادة التفكير جذرياً في العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة.
حسابات استراتيجية
ويكمن السؤال الأبرز الآن فيما ستدفع القمة دولة الاحتلال إلى التردد قبل تنفيذ أي هجمات جديدة ضد دول عربية وإسلامية، أم ستجبرها على التفكير بإنهاء حربها على غزة؟
خلال العامين الماضيين، نفذت دولة الاحتلال هجمات مباشرة على سبعة كيانات: الضفة الغربية وغزة، وقطر، واليمن، وسوريا، ولبنان، وإيران وتونس.
ومع استعداد القادة العرب والمسلمين للاجتماع في الدوحة، أرسلت دولة الاحتلال رسالة تحدٍ فاضحة، حيث استقبل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في القدس، وزار الاثنان معاً حائط البراق وأدّيا الصلاة هناك، ثم عقدا مؤتمراً صحفياً في توقيت متزامن مع القمة، جدّد فيه نتنياهو تعهده بملاحقة قادة حركة حماس أينما وجدوا، مقدّماً مبرراته لذلك.
أما روبيو، فقد وُجّهت له أسئلة مرتين عن هجوم 9 سبتمبر/ أيلول على قطر، لكنه رفض إدانته في المرتين، مكتفياً بترديد رواية الاحتلال الدعائية تقريباً كلمةً بكلمة حيث الحديث عن عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واتهامات معاداة السامية، والدعوة إلى استسلام حماس ونزع سلاحها، والحديث عن الأسرى، وذريعة “الدروع البشرية” في غزة.
رسائل واضحة
كانت الرسائل التي خرجت من هذا اللقاء الأمريكي-الإسرائيلي جلية: دولة الاحتلال والولايات المتحدة تتحركان كفريق واحد، الأولى لا تنوي تغيير مسارها، والثانية لا تعتزم كبحها، وبالنسبة للعواصم العربية والإسلامية، فإن الخلاصة صارخة: واشنطن لن تردع ولن تعاقب دولة الاحتلال على اعتداءاتها ضد الأراضي العربية.
ويكشف هذا الواقع عن تحذير أعم، فمن منظور دولة الاحتلال والولايات المتحدة، فإن مشروع “إسرائيل الكبرى” ما زال قائماً وبكامل زخمه، وأن هجوماً آخر في سبيل هذا المشروع يبدو وشيكاً.
الحاجة إلى مراجعة جذرية
يفرض هذا المشهد على الخليج والمنطقة العربية الأوسع ومنظمة التعاون الإسلامي مراجعة استراتيجية عاجلة، فإذا كانت الولايات المتحدة لن تحمي شركاءها بشكل موثوق، فعلى الدول العربية والإسلامية أن تعيد حساباتها.
والإجراءات الممكنة واضحة وتشمل فرض العقوبات الاقتصادية، إغلاق الأجواء أمام جيش الاحتلال، وبناء تحالفات دفاعية ذات مصداقية.
لكن إن بقيت الكلمات مجرد شعارات لا تعقبها أفعال، فليس سوى مسألة وقت حتى نجد أنفسنا أمام قمة طارئة جديدة، تعيد إنتاج نفس الخطاب دون نتائج.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)