ضم الضفة الغربية… قيادة إسرائيلية كاملة للمشهد بمباركة ترامب 

لقد أعطت إدارة ترامب الضوء الأخضر للضم الفعلي للضفة الغربية المحتلة في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل هجومها في ساحات أكثر وضوحاً مثل غزة وسوريا ومؤخراً قطر.

وفي الوقت الذي تستعد فيه دول أوروبية مدعومة من السعودية للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، تواجه الولايات المتحدة اختباراً بسبب دعمها الذي لا مثيل له لإسرائيل في الأراضي المحتلة، والذي يشمل قبولاً غير مسبوق وربما اعترافاً رسمياً وشيكاً بضم كامل للضفة الغربية.

“لا أحد يفعل ما فعله ترامب الذي أعلن عن حرب سياسية واقتصادية على السلطة الفلسطينية، وسلبوها القدرة على حضور جلسات الأمم المتحدة” – ديفيد ميلر- المفاوض الأمريكي السابق في الشرق الأوسط

في حديثه لميدل إيست آي، صرح أحد المسؤولين الأمريكيين الذين اطلعوا على المناقشات الأخيرة بأن إسرائيل قد تقوم رسمياً بضم وادي الأردن، وهو مساحة واسعة من الأراضي المتاخمة للأردن، وذلك رداً على التحركات في الأمم المتحدة.

وأضاف المسؤول الأمريكي بأن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو كان قد ناقش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجود مناطق محددة في الضفة الغربية المحتلة قد تضمها إسرائيل رسمياً هذا الأسبوع، لكنه لم يذكر ما هو الموقف الأمريكي.

من جانب آخر، تحدث مسؤول غربي لموقع ميدل إيست آي فقال: “أود أن أقول إن أي شيء كان مطروحاً على الطاولة في صفقة القرن لضم إسرائيل هو لعبة عادلة، سواء تجاهلت الولايات المتحدة ذلك أو اعترفت بالسيادة الإسرائيلية فهذه مسألة أخرى”.

لقد كانت صفقة القرن عبارة عن خطة فاشلة صاغها صهر الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنر، خلال فترة ولاية ترامب الأولى، ووُصفت بأنها حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث خصصت الخطة مساحات شاسعة من الضفة الغربية المحتلة بما فيها وادي الأردن، كأرض ذات سيادة إسرائيلية بالإضافة إلى تحويل المنطقة إلى دويلة فلسطينية زائفة منزوعة السلاح.

حتى الآن، رفض روبيو علناً التعليق على كيفية رد الولايات المتحدة على الخطوة الإسرائيلية لضم الأراضي المحتلة، حيث يعيش حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني.

في مقابلة له مع ميدل إيست آي، أشار الباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون، خالد الجندي، بأن هذا يتماشى مع الطريقة التي أتاحت فيها الولايات المتحدة لإسرائيل القيادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط مع استثناءات قليلة، حيث قال: “الإجابة على كيفية نظر الإدارة إلى القضية هي دائماً تقريباً كيف تنظر الحكومة الإسرائيلية إلى القضية، فالسياسة المتبعة في الضفة الغربية مطابقة لما تريد الحكومة الإسرائيلية للإدارة الأمريكية أن تتبعه”.

المستوطنات بين السلطة الفلسطينية وترامب

في السبعينيات والثمانينيات، كان هناك قبول لدى الإدارات الأمريكية لضم أجزاء من الأراضي إلى الأردن لتصبح دولة فلسطينية، ولكن تم التخلي عن هذه الخطط في أوائل التسعينيات بعد أن تخلى العاهل الأردني آنذاك، الملك حسين، رسمياً عن أي مطالبة بالأرض بعد أن استولت إسرائيل على الضفة الغربية من الأردن وقطاع غزة من مصر واحتلتها بعد حرب عام 1967.

بعد ذلك، روجت الإدارات الأمريكية اللاحقة لحل الدولتين باعتبار الضفة الغربية المحتلة المهد المستقبلي للدولة الفلسطينية، حيث منحتهم اتفاقيات أوسلو شريكاً للعمل معه، فأنشأوا السلطة الفلسطينية من منظمة التحرير الفلسطينية، التي خاضت صراعاً عنيفاً دام عقوداً ضد إسرائيل.

في مقابل حكم ذاتي محدود في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلتين، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل ونبذت المقاومة المسلحة، ثم تم تقسيم الضفة الغربية المحتلة إلى مناطق تسمى المناطق (أ) و(ب) و(ج)، حيث كان من المفترض أن تمارس السلطة الفلسطينية مستويات مختلفة من الحكم الذاتي إلى أن يتم إنشاء الدولة الفلسطينية.

أما على أرض الواقع، فقد استمرت إسرائيل في الهجوم في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، بحجة القضاء على خلايا المقاومة المسلحة التي تغضب السلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، تتوسع المستوطنات الإسرائيلية، حيث ارتفع بناء إسرائيل للمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية بعد أوسلو، فعندما تم التوقيع على الاتفاقيات، كان يعيش في المنطقة حوالي 250 ألف مستوطن، فيما وصل هذا العدد اليوم إلى 700 ألف تقريباً.

لقد فقدت السلطة الفلسطينية مصداقيتها على نطاق واسع بين الفلسطينيين باعتبارها أداة فاسدة للاحتلال الإسرائيلي، فالنهج الذي تتبناه إدارة ترامب اليوم هو استمرار لولايتها الأولى.

رغم عدم أخذ أسلاف ترامب من الجمهوريين والديمقراطيين لإسرائيل على محمل الجد فيما يتعلق ببناء المستوطنات، إلا أن ترامب قدم دعماً غير مسبوق للسياسات الإسرائيلية التوسعية.

في عام 2019، اعترف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان المتنازع عليها، وهي منطقة استراتيجية استخدمتها إسرائيل كقاعدة انطلاق في عام 2024 لغزو جنوب سوريا بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

من جهة أخرى، فقد كان كوشنر يكره السلطة الفلسطينية وقد حاول خنق أي تعاون أمريكي معها، وفقاً لمسؤولين أمريكيين سابقين في الحكومة في ذلك الوقت، حيث وقع ترامب على قانون أدى بشكل غير مباشر إلى قطع المساعدة الأمنية الأمريكية للسلطة الفلسطينية، وتوج ترامب تلك السياسات بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهي خطوة محل نزاع بموجب القانون الدولي.

في حديث له مع ميدل إيست آي، أشار المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط، آرون ديفيد ميلر،إلى تعامل ترامب غير المسبوق مع السلطة الفلسطينية فقال: “لا أحد يفعل ما فعله ترامب الذي أعلن عن حرب سياسية واقتصادية على السلطة الفلسطينية، وسلبوها القدرة على حضور جلسات الأمم المتحدة”، في إشارة إلى فرض إدارة ترامب حظراً كاملاً على منح التأشيرات للمسؤولين في السلطة الفلسطينية، بما في ذلك منع الرئيس محمود عباس من حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر.

من ناحية أخرى، فقد التقى السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هوكابي، هذا الصيف مع نائب عباس وخليفته المحتمل، حسين الشيخ، وقد فاجأت الزيارة البعض، وذلك لأن هوكابي صهيوني مسيحي إنجيلي نفى وجود هوية فلسطينية ودعا إلى الضم في الماضي، حيث قال هوكابي لاحقاً لموقع أكسيوس بأنه يشعر بالقلق إزاء “انهيار الاقتصاد الفلسطيني، فلن تكون هناك صفقة مربحة لأحد، بل ستؤدي إلى التصعيد والمزيد من اليأس”.

ويرى الخبراء أن الاجتماع وتصريحات هوكابي هذه تعكس وجهة نظر أجهزة المخابرات الإسرائيلية منذ فترة طويلة باعتبار السلطة الفلسطينية ضامناً لأمنهم.

وقد أوضحت الخبيرة في شؤون السلطة الفلسطينية والسياسة الفلسطينية، طحيني مصطفى، لموقع ميدل إيست آي بالقول: “هناك اعتراف بأنه حتى لو ضمت إسرائيل الضفة الغربية، فإنك سوف تظل بحاجة إلى السلطة الفلسطينية هناك طالما أن هناك جيوباً من الفلسطينيين، حيث الحاجة لمراقبة الأشخاص في الأماكن التي لا ترغب إسرائيل فعل ذلك بنفسها فيها”.

هذا الوصف يصنف السلطة الفلسطينية باعتبارها جهة فاعلة محلية لفرض ما يرى المزيد من خبراء وباحثي حقوق الإنسان بأنه نظام عدالة ذو مستويين في الضفة الغربية المحتلة، مثل جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري.

وقد أوضح الجندي: “الإدارة تعارض أي شيء سياسي، لكن السلطة الفلسطينية لها دور، وهو إبقاء الفلسطينيين تحت المراقبة وتهدئة السكان في خدمة إسرائيل، فهذه هي قيمتها الوحيدة بالنسبة لإدارة ترامب”.

هجمات المستوطنين في الضفة الغربية 

ارتفعت هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة إلى مستويات قياسية منذ 7 أكتوبر عام 2023، حيث يحظى المستوطنون بحماية الجيش الإسرائيلي خلال مداهماتهم للقرى والمنازل الفلسطينية، وقد قتل منذ بداية هذا العام، ما لا يقل عن 11 فلسطينياً في هجمات للمستوطنين وأصيب أكثر من 696 آخرين.

إن إذعان إدارة ترامب لاستيلاء إسرائيل الفعلي على الضفة الغربية المحتلة يتعارض مع نهجها المعلن “أمريكا أولاً” في السياسة الخارجية، ففي يوليو الماضي، قام المستوطنون بضرب سيف الدين مسلات، وهو رجل فلسطيني أمريكي يبلغ من العمر 20 عاماً، وقتله بالرصاص.

أدان هوكابي جريمة القتل ولكن لم يتم بذل أي جهد لمعاقبة إسرائيل سواء بالعقوبات أو التحقيق أو حجب عمليات نقل الأسلحة!

وفق الخبراء، فحتى لو التفتت إدارة ترامب للضفة الغربية، فإن ذلك لن يكون بسبب المواطنين الأمريكيين الذين يتعرضون للهجوم هناك أو الفلسطينيين، بل بسبب دول الخليج الغنية بالنفط.

يؤكد محللون ومسؤولون أمريكيون بأن إدارة ترامب لا تزال ملتزمة بشدة بتوسيع اتفاقيات أبراهام، وهي اتفاقيات 2020 التي توسط فيها ترامب والتي من خلالها قامت الإمارات والمغرب والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

لقد طلب ترامب من السعودية علناً الانضمام إلى الاتفاقيات، لكن الرياض قامت بجهد دبلوماسي مكثف لمنع أي مناقشات جدية حول الاتفاق، حيث أكد ولي العهد محمد بن سلمان بأنه لن يقوم بالتطبيع حتى تنهي إسرائيل الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة ويكون هناك طريق قابل للحياة لإقامة دولة فلسطينية.

“الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لشن هجوم إسرائيلي على أحد أقرب حلفائها العرب (قطر)، فتقييم إدارة ترامب للعلاقات الأمريكية الضارة مع العالم العربي يختلف عن تقييم معظم الناس، فهم يمنحون إسرائيل مجالاً واسعاً جداً” – خالد الجندي- مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون

وفي حديثه لميدل إيست آي، يرى دينيس روس، الذي شغل منصب مسؤول كبير في الشرق الأوسط للإدارات الديمقراطية والجمهورية: “إذا كان الهدف هو رؤية توسيع اتفاقيات أبراهام في مرحلة ما، فإن الضم سوف يعطل ذلك”.

وقد حذرت الإمارات، الشريك العربي الأقرب لإسرائيل، في وقت سابق من هذا الشهر من أن ضم الضفة الغربية سوف يكون “خطاً أحمر” فيما يتعلق باتفاقيات التطبيع، لكن من الناحية العملية، يقول الخبراء الذين أطلعهم المسؤولون الإماراتيون على أن أبو ظبي تركت لنفسها مجالاً واسعاً للحفاظ على العلاقات مع إسرائيل.

أكد ميلر، وهو الآن خبير في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بأن كلاً من صهر ترامب، جاريد كوشنر والإمارات، قد استخدما “ذريعة الضم” لإبرام اتفاقيات أبراهام، فقد قالت الإمارات في ذلك الوقت بأنها قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل لمنع الضم، لكن سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، تراجع عن هذا الالتزام قبل 7 أكتوبر عام 2023.

“مجالاً واسعاً جداً”

في تعليقه على ما يحصل في غزة، حيث تمضي إسرائيل قدماً في هجوم مدمر على مدينة غزة والضفة الغربية المحتلة، أكد ميلر بأن ترامب “أعطى الإسرائيليين الوقت والمساحة للسيطرة على التكتيكات والاستراتيجية”، حيث أشار مسؤولون عرب وأمريكيون يتابعون تهديد إسرائيل بضم الضفة الغربية المحتلة، إلى أنه برفع ترامب جميع الحواجز، فقد يكون من مصلحة إسرائيل الاستمرار في التوسع السريع للمستوطنات وعدم إثارة المزيد من الجدل من خلال ضم الأراضي رسمياً، وذلك يناسب ترامب جيداً، فهو يتطلع إلى إنقاذ العلاقات مع الخليج في أعقاب الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على حماس في قطر الأسبوع الماضي.

صرح مسؤول عربي لموقع ميدل إيست آي: “لو كنا على أعتاب عملية ضم إسرائيلية كبيرة بدعم أمريكي، لسمعنا المزيد من الأردنيين، فسوف يبدأون في طرح جوازات السفر”، حيث تخشى الملكية الهاشمية منذ فترة طويلة من أن تقوم إسرائيل بطرد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة إلى مملكتهم الفقيرة، حيث يشكل الفلسطينيون بالفعل أغلبية.

الحقيقة هي أن الضم الفعلي يمضي قدماً بموافقة ترامب، ففي الأسبوع الماضي، وافق نتنياهو على خطة E1 الشاملة، والتي ستسمح بتوسيع هائل للمستوطنات في قلب الضفة الغربية المحتلة، حيث يؤدي التوسع إلى عزل القدس الشرقية المحتلة وعزل بيت لحم ورام الله في الضفة الغربية عن بعضهما البعض، مما سيؤدي إلى تفتيت المدن الفلسطينية وفصلها إلى ما يمكن مقارنته بـ “البانتوستانات”، أي الغيتوات التي كانت مخصصة للسود فقط إبان نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

من جانبه، يرى الجندي أنه في الواقع الحالي، فحتى دول الخليج الغنية بالنفط لن تدفع الإدارة الأمريكية إلى التحرك، وأضاف: “الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لشن هجوم إسرائيلي على أحد أقرب حلفائها العرب (قطر)، فتقييم إدارة ترامب للعلاقات الأمريكية الضارة مع العالم العربي يختلف عن تقييم معظم الناس، فهم يمنحون إسرائيل مجالاً واسعاً جداً”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة