اتفاق نووي بين أنقرة وواشنطن يعيد رسم ملامح الشراكة التركية–الأمريكية

عقب مغادرته البيت الأبيض يوم الخميس، أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار أن الولايات المتحدة وتركيا وقّعتا اتفاقية لبدء التعاون في تطوير الطاقة النووية المدنية الاستراتيجية.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أشار في وقت سابق إلى “إعلان هام” بعد اجتماعه مع نظيره التركي.

وتُعدّ هذه الخطوة انتصارًا لأنقرة، بالنظر إلى أن الإدارة الأمريكية الديموقراطية السابقة لم تكن تعتبر  الرئيس رجب طيب أردوغان شخصية محبذة.

وكان مسؤولان أمريكيان سابقان قد قالا لموقع ميدل إيست آي في وقت سابق من هذا الأسبوع أن ترامب يعتزم مناقشة صفقات الطاقة النووية والمعادن مع أردوغان.

وكتب بيرقدار على منصة “X”: “لقد بدأنا عمليةً جديدةً من شأنها تعميق الشراكة الراسخة ومتعددة الأبعاد بين تركيا والولايات المتحدة في مجال الطاقة النووية”.

وأضاف أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو وقّع مذكرة تفاهم بشأن التعاون النووي المدني الاستراتيجي مع تركيا.

وأضاف: “أتمنى أن يُثمر العمل المُنفذ في إطار هذه الاتفاقية عن فوائد متبادلة لكلا البلدين في الفترة المقبلة”.

من جهته، أكد السفير الأمريكي لدى تركيا، توم باراك، للصحفيين خارج البيت الأبيض أن “الاتفاقية قد أُبرمت”.

وبعد مغادرة أردوغان المكتب البيضاوي بوقت قصير، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها سهّلت إعادة فتح خط الأنابيب العراقي التركي لاستئناف صادرات النفط الكردي إلى تركيا.

وقالت الخارجية: “نرحب بالإعلان عن توصل حكومة العراق إلى اتفاق مع حكومة إقليم كردستان وشركات دولية”.

وكان هذا التدفق للنفط العراقي قد توقف منذ مارس/آذار 2023 بسبب خلاف حول من يحق له تحصيل الإيرادات، سواءً كان العراق أم حكومة إقليم كردستان.

وذكر البيان: “نرحب بالإعلان عن توصل حكومة العراق إلى اتفاق مع حكومة إقليم كردستان وشركات دولية”.

وأضاف: “ستعزز هذه الاتفاقية الشراكة الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة بين الولايات المتحدة والعراق، وستشجع على إيجاد بيئة استثمارية أكثر استقرارًا في جميع أنحاء العراق للشركات الأمريكية، وستعزز أمن الطاقة الإقليمي، وستعزز سيادة العراق”.

الصداقة التركية الأمريكية 

يذكر أن أردوغان عاد يوم الخميس إلى البيت الأبيض في زيارة هي الأولى منذ عام 2019، حيث سارع ترامب إلى الإشادة به، ونسب إليه الفضل في إدارة من يقودون الآن سوريا ما بعد الأسد.

وقال ترامب للصحفيين: “أُكنّ احترامًا كبيرًا لهذا الرجل”.

واستذكر ترامب خسارته في انتخابات 2020 قائلاً: “عندما كنتُ منفيًا بسبب انتخابات مزورة، كان أردوغان يعرف الانتخابات المزورة أكثر من أي شخص آخر، وعندما كنتُ في المنفى، كنا لا نزال أصدقاء، إنها دائمًا طريقة جيدة لاختبار الصداقة”.

قضايا عالمية

وتلعب تركيا دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، نظرًا لموقعها الاستراتيجي على البحر الأسود، وقد نجحت في تأمين تبادل أسرى بينهما في الماضي.

ويعتبر أردوغان والرئيس فلاديمير بوتين نفسيهما شريكين إقليميين، وقد عزز ترامب مؤخرًا علاقته بالزعيم الروسي، على الرغم من أن هذه العلاقة خضعت لاختبارات في الأسابيع الأخيرة.

أما داخل حلف شمال الأطلسي، فيحتل الجيش التركي المرتبة الثانية من حيث الحجم بعد الجيش الأمريكي، لكنه مضطر للضغط بقوة للحصول على طائرات إف-35، إحدى أرقى الطائرات المقاتلة في العالم. 

كما أنه يجري محادثات بشأن طائرات إف-16، أو على الأقل محركاتها، والتي لا يمكن أن تأتي إلا من الولايات المتحدة.

وفي شأن آخر، صرح أردوغان لقناة فوكس نيوز هذا الأسبوع بأنه لا يعتبر حماس منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة، كما قال إن دولة الاحتلال ترتكب إبادة جماعية في غزة، وهما قضيتين تختلف إدارة ترامب تمامًا فيهما مع الموقف التركي.

وفي سوريا، حيث لا تزال القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال تُشكّل شوكة في خاصرة تركيا، غيّر دعم أردوغان للثوار بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع شكل البلاد ومسارها، مما دفع المنتقدين إلى تحذير أنقرة من أنها قد تُسيطر على دمشق أكثر من اللازم.

وقال ترامب لأردوغان عن القادة السوريين الجدد بحضور عشرات الصحفيين المُجتمعين حوله في المكتب البيضاوي يوم الخميس: “إنهم أتباعك، أعتقد أن الفضل في ذلك يعود إليك”.

وبأسلوبه الدبلوماسي العلني الجريء الذي اعتاد عليه العالم قال ترامب لفريق أردوغان في القاعة: “انسبوا لأنفسكم الفضل، لقد كنتم تحاولون الاستيلاء على سوريا منذ ألفي عام”.

“لقد استولى أردوغان على سوريا، ولا يريد أن يُنسب إليه الفضل، لقد كان انتصارًا لتركيا” – الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

وقال ترامب إن أردوغان إلى جانب قادة قطر والمملكة العربية السعودية هم من طلبوا منه رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا منذ عقود للسماح لهذه الدولة المنهارة بالانطلاق من جديد.

وأضاف ترامب: “لا أعتقد أنهم كانوا ليتحملوا تلك العقوبات، لقد رفعتها لأمنحهم فرصة لالتقاط الأنفاس، لكن الرئيس أردوغان كان أحد المسؤولين عن ذلك وهو من طلب مني القيام بذلك”.

وصرّح ويل تودمان، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، بأنّ إدارة ترامب “خصصت رصيدًا دبلوماسيًا وسياسيًا كبيرًا للقضية السورية، لكنها لا تزال تُشير إلى أنها لن تُموّل استقرار سوريا ولا ترغب في لعب دور كبير فيها على المدى الطويل”.

وأضاف لموقع ميدل إيست آي أنّ ترامب “يريد من الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك تركيا ودول الخليج العربي، تمويل تعافي سوريا”.

وأضاف تودمان أنّ أردوغان لا يزال قلقًا من الصدام مع دولة الاحتلال في سوريا، و”يفتقر إلى الموارد اللازمة لتخصيص أموال كبيرة لإعادة إعمار سوريا واستقرارها”.

وعندما سأله أحد المراسلين عن رأي ترامب في موقف أردوغان المعارض للولايات المتحدة بشأن أفعال الاحتلال في غزة، أجاب ترامب: “حسنًا، لا أعرف موقفه، لا أستطيع إخبارك بذلك”.

وأضاف: “سأقول فقط إننا نريد إنهاء أزمة غزة، وأعتقد أننا على وشك التوصل إلى اتفاق ما، نريد استعادة الرهائن”.

وكان أردوغان قد وصف ترامب قبل زيارته إلى الولايات المتحدة بأنه “صديق عزيز”.

ويوم الخميس، وفي تصريحات موجزة للصحفيين في المكتب البيضاوي، قال إنهما “نجحا في الارتقاء بعلاقتنا إلى آفاق جديدة”.

وقال أردوغان: “ناقشنا العديد من المواضيع، لا سيما طائرات إف-16 وقضايا أخرى، سنتعامل معها، نحن دائمًا على استعداد لفعل كل ما يلزم، وأن نكون على قدر مسؤولياتنا”.

وليس سرًا أن إدارة بايدن السابقة والحزب الديمقراطي ككل لم تكن معجبة بسجل تركيا فيما وصفته بالممارسات غير الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان.

من ناحية أخرى، لطالما رأى ترامب في أردوغان شريكًا تعاقديًا صريحًا مثله، وكثيرًا ما أعرب عن إعجابه بالقادة الذين يجسدون ما وصفه إيان بريمر من مجموعة أوراسيا بـ”شخصية الرجل القوي”.

وقال ترامب عن أردوغان: “عادةً لا أحب الأشخاص المتعنتين، لكنني دائمًا ما أحب هذا الرجل، إنه رجل حازم، ويقوم بعمل رائع في بلاده”.

مُغازلة طائرات إف-35

وكانت تركيا أحد الشركاء الرئيسيين في مشروع انتاج طائرات إف-35، وكانت مسؤولة عن إنتاج بعض مكوناتها. 

وتحتفظ الولايات المتحدة حاليًا بست طائرات إف-35 مخزنة، صُممت خصيصًا لتركيا وسُددت تكلفتها بالكامل، لكنها عالقة منذ عام 2019، بسبب استبعاد أنقرة من برنامج الإنتاج المشترك بعد شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي إس-400.

وأضاف ترامب عن أردوغان: “لقد بنى جيشًا هائلاً، جيشًا قويًا يستخدم الكثير من معداتنا، يريدون شراء طائرات إف-16 وإف-35 وبعض المعدات الأخرى، سنتحدث معهم بشأن ذلك”.

وقبل اجتماع البيت الأبيض، أعلنت تركيا أنها ستلغي بعض الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية، وسربت أنها تخطط لشراء مئات طائرات بوينغ ولوكهيد مارتن.

وقال ترامب، في إشارة إلى إعلان محتمل: “أعتقد أنه سينجح في شراء ما يرغب بشرائه، سنناقش نظام صواريخ باتريوت، وهو أفضل نظام، وسنناقش طائرة إف-35”.

وتابع: “لدينا الكثير من الأعمال التجارية مع تركيا، إنهم يصنعون منتجات جميلة ورائعة، ومصنّعون رائعون حقًا، ونحن نشتري الكثير منهم، وهم يشترون الكثير منا”.

يذكر أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قد مارس ضغطاً شخصيًا على وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لمنع بيع طائرات إف-35 لتركيا في وقت سابق من هذا العام.

كما عبّر عشرات المشرعين الأمريكيين عن معارضتهم للصفقة، ويعود ذلك جزئيًا إلى المنافسة بين تركيا واليونان. 

وقد وقّعت اليونان بالفعل صفقة لشراء 20 طائرة إف-35، ولديها خيار شراء 20 طائرة أخرى، وتتطلع تركيا أيضًا إلى شراء 40 طائرة.

مقالات ذات صلة