إرث ملطخ بالحروب: ماذا يفعل توني بلير في الشرق الأوسط منذ 2007؟

ابتداءً، سوف يظل إرث رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، مرتبطاً دائماً بغزو العراق وتداعياته التي لا تزال مصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة اليوم.

رغم الاحتجاج على تشجيعه للحرب وحتى الدعوة إلى إدانته من قبل المحكمة الجنائية الدولية، واصل بلير لعب دور رئيسي في المنطقة بعد ترك منصبه في عام 2007، حيث تم تكليفه بمحاولة التوصل إلى حل للمسألة الفلسطينية الإسرائيلية بصفته مبعوثاً رسمياً للجنة الرباعية للشرق الأوسط والتي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهو أمر لم يتمكن من تحقيقه.

وفي الوقت نفسه، فقد أثارت علاقاته مع مجموعة من زعماء الشرق الأوسط، بمن فيهم معمر القذافي وعبد الفتاح السيسي ومحمد بن سلمان، انتقادات من قبل نشطاء حقوق الإنسان ونشطاء الديمقراطية.

فما الذي يفعله توني بلير في المنطقة منذ أن ترك منصبه في عام 2007؟

مبعوث “ضعيف ولا مبالي” للسلام في الشرق الأوسط: 

على مدى 8 سنوات، تولى بلير دور المبعوث الرسمي للجنة الرباعية، وهي هيئة دولية تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وتهدف إلى التوسط في عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين.

كان هذا هو الدور الرئيسي الأول الذي لعبه بلير بعد ترك رئاسة الوزراء في بريطانيا، حيث أعلن أنه تولى هذا المنصب في 27 يونيو عام 2007، وهو نفس اليوم الذي استقال فيه.

كان التعيين بحد ذاته مثيراً للجدل، فأسلوب بلير في التعامل مع حرب العراق كان قد جعله ذو شعبية منخفضة في الداخل والخارج، في حين اعتبره الفلسطينيون مقرباً أكثر مما ينبغي من الولايات المتحدة وإسرائيل.

في يوم الإعلان عن تعيينه، علق مراسل بي بي سي في الشرق الأوسط، جيريمي بوين: “الإسرائيليون يحبون السيد بلير لأنهم يعتقدون أنه يقف إلى جانبهم، والفلسطينيون لا يثقون به لنفس السبب”، ولكن تمت الإشادة في نفس التقرير ببلير لدوره في التوصل إلى اتفاق الجمعة العظيمة في أيرلندا الشمالية عام 1998، كما رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتعيينه.

بعد ذلك، شهدت المنطقة في الفترة التي قضاها في هذا المنصب اضطرابات واسعة النطاق، من الربيع العربي إلى الحرب في سوريا وصعود تنظيم الدولة الإسلامية والهجمات الإسرائيلية المتعددة على قطاع غزة الذي كان تحت الحصار في عام 2007.

شهدت المنطقة أيضاً انهياراً نهائياً لما يسمى بعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية في عام 2014، وعند هذه النقطة تم تهميش بلير إلى حد كبير من أي مشاركة، وتم اتهامه بالتغيب عن منصبه، حيث علق كريس دويل من مجلس التفاهم العربي البريطاني (كابو) وقت استقالته، بأن بلير قام “بوظيفة ينبغي أن تكون بدوام كامل أو بدوام جزئي”.

اتهمه آخرون أيضاً بتضارب المصالح الشخصية لديه مع دوره، مستشهدين بعلاقاته الوثيقة مع الحكام المستبدين والشركات الكبرى والمدفوعات الكبيرة منهم.

قال المحلل الإسرائيلي ميرون رابوبورت في ذلك الوقت: “ما كان بمثابة الصدمة هو أنه لم يغادر منصبه، بل أنه كان لا يزال في منصبه رغم أننا لم نسمع عنه منذ فترة طويلة جداً، وحتى قبل ذلك، كان يُنظر إليه بالكثير من الشك من قبل الفلسطينيين الذين وصفوه بالمتحدث الرسمي الإسرائيلي أو ما هو أسوأ من ذلك، ولكن أيضاً من قبل الإسرائيليين، الذين اعتقدوا أنه ضعيف ورفضوه باعتباره شخصاً لا مبالياً”.

علاقاته مع الحكام المستبدين:

رغم عدم الترحيب به من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أن علاقاته مع حكام المنطقة الآخرين نمت وتطورت، فقام بالعديد من الرحلات لزيارة الحاكم الليبي معمر القذافي أثناء عمله كمبعوث للسلام، حيث سافر إلى ليبيا على متن إحدى طائرات الدكتاتور الخاصة، ورغم ادعائه بأن الاجتماعات لم تكن ذات صلة بالعمل، إلا أن صحيفة الإندبندنت ذكرت أنه “أحضر مليارديراً أمريكياً إلى أحد الاجتماعات”.

قبل وقت قصير من الإطاحة بالقذافي في عام 2011، حاول بلير، على حد تعبيره، “استخدام علاقتهما” لتشجيع الزعيم الليبي على الفرار من البلاد قبل الإطاحة به.

لقد كان بلير مقرباً أيضاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث رحب بلير بقرار السيسي الإطاحة بالحكومة المصرية المنتخبة ديمقراطياً في عام 2013، وبحلول عام 2014 قدم المشورة للحاكم الجديد حول “الإصلاحات الاقتصادية”، ورغم حملة القمع الدموية التي انتهجتها السلطات المصرية ضد المعارضة والتي أودت بالفعل بحياة الآلاف، إلا أن بلير روج لقيمة “الفرص التجارية” في مصر في عهد السيسي.

وتظل علاقة بلير الأهم مع الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد محمد بن سلمان، ففي عام 2017، شارك معهد توني بلير (TBI) في صياغة رؤية ولي العهد 2030، وهي خطة لإصلاحات اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق، حيث تلقى المعهد الملايين من السعودية، واستمر حتى بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018.

قال بلير في ذلك الوقت بأنه “لا يزال متمسكاً بشدة بوجهة النظر القائلة بأن الاستمرار في المشاركة هناك له ما يبرره” رغم “الجريمة الفظيعة” التي وقعت.

قدم بلير كذلك مشورة مدفوعة الأجر إلى البحرين والإمارات، وهما دولتان أخريان لهما سجل حافل في قمع المعارضة.

موقفه من حماس:

لقد عقد بلير كمبعوث اجتماعات عديدة مع قادة حماس، حيث أفاد موقع ميدل إيست آي في عام 2015 بأن بلير التقى بزعيم حماس آنذاك خالد مشعل في الدوحة قبل استقالته من منصبه كمبعوث للشرق الأوسط، وواصل الحوار معه حتى بعد مغادرته.

وقد ناقش بلير، برفقة مسؤولين بريطانيين سابقين آخرين، كيفية إنهاء الحصار على غزة وكيفية تحقيق المزيد من الرخاء الاقتصادي للقطاع، وفي وقت لاحق، قام بدعوة مشعل إلى لندن لإجراء محادثات رغم عدم حدوثها بالنهاية.

وفقاً لمسؤولين كبار في حماس، فقد تعامل بلير مع مشعل على عدة جبهات، حيث كانت حماس تستعد آنذاك لنشر إعلان مبادئ يعدل ميثاقها لعام 1988 لإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، وقد عرض بلير أن يأخذ مسودة الوثيقة إلى واشنطن ولكن مشعل رفض العرض.

وقد كشف موقع “ميدل إيست آي” بأن بلير التقى بقادة حماس 7 مرات على الأقل، وكانت المحادثات غالباً ما تستمر حتى وقت متأخر من الليل، كما ذكرت صحيفة الغارديان بأن بلير أجرى أيضاً محادثات مع إسماعيل هنية، خليفة مشعل كرئيس للمكتب السياسي لحماس، والذي اغتالته إسرائيل في طهران في يوليو عام 2024.

قال بلير في عام 2017: “إذا نظرنا إلى الماضي، أعتقد أنه كان ينبغي علينا، منذ البداية، أن نحاول جذب حماس إلى الحوار وتغيير مواقفها، وأعتقد أن هذا هو المكان الذي سأكون فيه عند النظر إلى الماضي، ولكن من الواضح أن الأمر كان صعباً للغاية، وكان الإسرائيليون يعارضون ذلك بشدة، لكن كما تعلمون، ربما كان بإمكاننا التوصل إلى طريقة للقيام بذلك وهو ما انتهى بنا الأمر في الواقع إلى القيام به على أي حال بشكل غير رسمي”.

وفي عام 2024، قال بلير بأنه لا يمكن السماح للحركة بالاستمرار في حكم غزة في أعقاب الهجمات التي قادتها حماس في 7 أكتوبر عام 2023.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة