خلال الأيام المقبلة، ستخضع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لخطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المكونة من 20 بنداً بشأن غزة، وهي الخطة التي حظيت بالفعل بموافقة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
تقضي الخطة بتجريد المقاومة من سلاحها وإنهاء وجودها في القطاع، بل وبإخراج غزة بالكامل من أيدي الفلسطينيين.
ورغم ذلك، تتضمن الخطة نقاطاً قد يرحب بها جزء من المجتمع الفلسطيني، مثل الإفراج عن 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد، إضافة إلى 1700 معتقل من أبناء غزة محتجزين في ظروف وصفت بـ”المروعة” منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتشير الوثيقة أيضاً إلى الإفراج عن جميع النساء والأطفال المعتقلين “في ذلك السياق”، في إقرار ضمني باستخدامهم كورقة مساومة.
كما تنص الخطة على إدخال المساعدات الإنسانية فوراً عبر الأمم المتحدة ووكالاتها والهلال الأحمر ومؤسسات أخرى “غير مرتبطة بأي من الطرفين”.
ويعني هذا عملياً إنهاء “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة أميركياً وإسرائيلياً، والتي وُجهت لها اتهامات واسعة باستخدام المساعدات كورقة ضغط.
لكن، وكما حذّر خبراء، فإن نص المقترح مليء بالثغرات والمصطلحات الفضفاضة التي تمنح دولة الاحتلال مساحة واسعة للمماطلة.
إذ ينص على نشر “قوة استقرار دولية” في غزة، في حين ينسحب جيش الاحتلال “وفق معايير وجداول زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح”، وهي تفاصيل تركت غامضة تماماً.
ويقول دانييل ليفي، المحلل البريطاني الإسرائيلي والمفاوض السابق: “لا توجد خطة بالمعنى الفعلي، لا خرائط ولا جداول زمنية واضحة، وهذا مقصود بذاته حتى تلقي دولة الاحتلال باللوم على الطرف الآخر، أو لتجد ذريعة لاستئناف العدوان والإبادة”.
أما أنيل شايلين، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية التي استقالت احتجاجاً على حرب غزة، فرأت أن الخطة “تفتقر لأي آلية محاسبة لدولة الاحتلال، وبالتالي لا يوجد ما يلزمها بالتنفيذ، وهو نمط متكرر في المقترحات الأميركية”.
التهجير بين السطور
اللافت أن خطاب ترامب تغيّر مقارنة بتصريحاته السابقة في فبراير/شباط 2025 حين تحدث عن “امتلاك غزة” وإفراغها من سكانها لإقامة “ريفييرا الشرق الأوسط”.
إذ تؤكد الخطة الجديدة أن “لا أحد سيُجبر على مغادرة غزة، ومن يرغب في المغادرة سيكون حراً في العودة”.
لكن محللين فلسطينيين يرون أن هذا التحول في اللغة لا يعكس بالضرورة تغييراً في الواقع.
وفي هذا الصدد يقول عبد أبو شحادة، المحلل السياسي المقيم في يافا: “السبب في ذلك هو أن دولة الاحتلال لم تجد دولة ثالثة تستوعب المهجرين، وفي حال وجدت، فستواصل الدفع باتجاه إخراج مزيد من الفلسطينيين، سواء عبر صفقات أو بدافع الظروف الإنسانية”.
ويشير أبو شحادة إلى أن دولة الاحتلال أنشأت وكالة حكومية متخصصة بخطة “الرحيل الطوعي”، مؤكداً: “الغرب يستهين بجدية نوايا دولة الاحتلال لطرد الفلسطينيين، حتى تدمير أنفاق غزة، الذي ألمحت إليه الخطة، قد يجعل القطاع غير صالح للحياة”.
ويوافقه الرأي قصي حمد، الأكاديمي المتخصص في شؤون حماس والذي يشير إلى أن “الخطة لا تنص على تهجير مباشر، لكن الظروف اللاإنسانية قد تجبر الناس على الرحيل، والأميركيون ودولة الاحتلال يدركون أن غزة لم تعد صالحة للحياة البشرية”.
“مجلس السلام”: استعمار اقتصادي بغطاء إنساني
أكثر بنود الخطة إثارة للجدل يتمثل في إنشاء “مجلس السلام” لإدارة غزة خلال مرحلة انتقالية، برئاسة ترامب وبدعم من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، إلى جانب شخصيات ورؤساء دول آخرين.
وكشفت صحيفة هآرتس أن المجلس سيتألف من مليارديرات ورجال أعمال في رأس هرمه، بينما توكل للموظفين الفلسطينيين “المحايدين” مهام ثانوية بعد خضوعهم لتدقيق مشدد.
المفاوض السابق دانييل ليفي وصف هذه الصيغة بأنها “أشبه بميثاق لشركة الهند الشرقية الهولندية في ثوب معاصر، لا بخطة سياسية للقرن الحادي والعشرين”.
وأضاف: “تخيلوا ترامب رئيساً لمجلس السلام وبلير نائبه، سيكون الأمر مادة للسخرية لولا أنه يرهن حياة ملايين البشر”.
وبحسب محللين فإن اللغة المستخدمة في صياغة الوثيقة تكشف عن منطق تجاري بحت، يتحدث عن “مجالس” و”رؤساء” و”مديرين تنفيذيين”، متجاهلاً أي بعد وطني أو تاريخي للقضية الفلسطينية.
وهنا يقول أبو شحادة: “بالنسبة لبلير كل شيء يدور حول الاقتصاد والناتج المحلي، وكأن التاريخ الوطني والهوية الفلسطينية غير موجودة أصلاً”.
ويرى أن الهدف ليس إقصاء حماس فقط، بل حتى السلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية: “هم لا يريدون أي كيان سياسي، بل شركات فقط”.
ويضيف: “هذا نموذج أميركي متكرر، استغلال معاناة الشعوب لفرض شروط ما كانت هذه الشعوب لتقبل بها لولا ظروفها القاسية”.
الاحتلال لا يجلب سلاماً
وتستحضر أنيل شايلين تجربة العراق بعد الغزو الأميركي قائلةً: “سلطة الائتلاف المؤقتة التي أنشأتها واشنطن لإدارة العراق لم تُعتبر يوماً شرعية من قبل العراقيين، بل عُدّت حكومة دمية، وهو ما ينطبق على أي سلطة مماثلة في غزة”.
وحذّرت من أن “الاحتلال الأجنبي سيستفز دائماً المقاومة، ومع استمرار غياب العدالة عن عقود من الجرائم والدمار، وإبادة العامين الماضيين، من الخيال تصور أن المقاومة ستتوقف”.
وفي نهاية الخطة، يُطرح تنظيم “حوار ديني مشترك” لتغيير “عقليات وسرديات” الفلسطينيين والإسرائيليين.
لكن المراقبين أشاروا إلى غياب أي التزام على دولة الاحتلال تجاه قيام دولة فلسطينية مستقلة، بل على العكس من ذلك أكد نتنياهو مراراً أنه سيجهض أي محاولة لإقامة هذه الدولة.
وتشير شايلين إلى أنه “لم يُطرح على المجتمع الإسرائيلي أي مشروع لإعادة التأهيل من نزعة التطرف، رغم أن غالبيته تؤيد سياسات الإبادة الجماعية من قتل وتجويع بحق الفلسطينيين في غزة”.