بقلم عزام التميمي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أخبارٌ سارّة تحمل الجديد جاءت من مصر صباح الخميس، لقد تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال على غزة.
وبرأيي، ما كانت قيادة حماس لتوافق على الاتفاق لولا المكاسب الملموسة التي حققها الشعب الفلسطيني.
فعلى عكس اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة التي لم تدم طويلًا بسبب انتهاكات الاحتلال، أو الاتفاقات التي لم تتحقق أصلاً، فإن هذا الاتفاق هو نتاج جهد دولي قادته الولايات المتحدة وانضمت إليه ما لا يقل عن ثماني دول عربية وإسلامية.
ويبدو أن هذا التحالف الدولي يُشكل ضمانة قوية بأن يتم الالتزام بالاتفاق فور توقيعه، ويبدو أيضاً أن حضور مبعوثي ترامب ومسؤولين قطريين وأتراك رفيعي المستوى يؤكد ذلك.
ومما لا شك فيه أن الاتفاق لم يكن سهل المنال، فقد استغرق الأمر أيامًا وليالٍ من المناقشات المُضنية التي دارت حول خطة ترامب المكونة من عشرين بنداً، والتي يُعتقد أنها نسخة مُعدّلة من الخطة التي قدمها في الأصل إلى القادة العرب والمسلمين الذين التقى بهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ورغم التلاعب والتبديلات التي أدخلها رئيس الوزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لتحويل هذا المقترح إلى استسلام مفروض على حماس، حرصت الحركة الفلسطينية بشدة على عدم إعطاء إجابة بنعم أو لا، وردّت ببيان مُصاغ بذكاء يُعرب عن استعدادها للتحلي بالإيجابية والانخراط في المفاوضات.
ولا تتوفر الكثير من التفاصيل حول حوارات شرم الشيخ، ومع ذلك، يُمكن الافتراض أن معظم جهود فريق حماس التفاوضي ركزت على توجيه الصفقة نحو تحقيق مطالب الحركة الرئيسية وهي انسحاب قوات الاحتلال، وتبادل الأسرى، والسماح بدخول المساعدات، ووضع جدول زمني لإعادة الإعمار.
لم تنتهِ بعد
ستتوقف الحرب، وسينسحب المحتلون تدريجيًا من غزة لتمهيد الطريق لتبادل الأسرى (أسرى الحرب)، ومن المفهوم أن إعادة الإعمار وموضوع حكم غزة سيأتيان في مرحلة لاحقة.
ومع ذلك، فإن أهم ما في هذا الاتفاق هو فشل خطة نتنياهو لسحق المقاومة وإخلاء غزة من سكانها، كما أن الاتفاق أيضا ضربة قوية لما يسمى بالتيار الصهيوني الديني الذي كان يقود الإبادة الجماعية في غزة.
وعلاوة على ذلك، كشف عامان من الإبادة الجماعية دولة الاحتلال أمام أعين العالم أجمع، وأكثر مما كان علبه الحال في أي وقت مضى، بات العالم يرى الصهيونية على حقيقتها، مشروع استعماري استيطاني عنصري.
اليوم يُدان كبار قادة الاحتلال، بمن فيهم نتنياهو، بجرائم حرب أمام أعلى محاكم العالم، وهذا أمر لن يُنسى أو يتم تجاهله أبدًا، ولأجيال قادمة.
إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لا يعني بأي حال من الأحوال أن جرائم حرب الاحتلال ستُنسى أو تُغفر.
يجدر بنا أن نتذكر أن حماس سعت دائمًا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وكان نتنياهو وائتلافه الحاكم المتطرف هم من خرّبوا جميع المحاولات السابقة للتوصل إلى اتفاق، حتى أنهم تراجعوا عن الاتفاقات المبرمة بين الجانبين.
ما تغير هذه المرة هو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتوق بشدة إلى نيل جائزة نوبل للسلام.
لكن يجب أن ندرك أن هذه ليست نهاية المشكلة بأي حال من الأحوال، فالفلسطينيون لم ينالوا حريتهم التي ناضلوا من أجلها لأكثر من 100 عام، ولهذا السبب، سيستمر النضال من أجل الحرية حتمًا.
ليس هذا فحسب، فطالما استمر الاحتلال الإسرائيلي، ستستمر التوترات في المنطقة، ومن المرجح أن تندلع جولات أخرى من الصراع في المستقبل.
ولهذا السبب، سيظل السلام الدائم الذي وعد به ترامب بعيد المنال دون إنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين بشكل نهائي.
كيف يُمكن أن يكون هناك سلامٌ وشعب غزة مُحاصرٌ في سجنٍ مفتوح، وشعب الضفة الغربية المُحتلة فريسةٌ للمستوطنين اليهود، الذين يغتصبون أرضهم، ويحرقون أشجار زيتونهم، ويدمرون سبل عيشهم ليلًا نهارًا؟
تبدأ صيغة حماس للسلام الدائم بهدنةٍ طويلة الأمد، أو ما يُسمى بالهدنة.
والهدنة محل إقرار في الفقه الإسلامي كعقدٍ شرعيٍّ مُلزم، هدفه وقف القتال مع العدو لفترةٍ زمنيةٍ مُتفق عليها، قد تكون قصيرةً أو طويلةً، حسب الاحتياجات والمصالح المُتبادلة.
خطةٌ مُمكنةٌ للسلام
شروط الهدنة، كما أناقشها في كتابي “فصول حماس غير المكتوبة”، بسيطةٌ ومباشرة: انسحابٌ إسرائيليٌّ كاملٌ من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب يونيو/حزيران 1967، إخلاء جميع المستوطنين من تلك الأراضي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
أيُّ شيءٍ أقلُّ من الهدنة يعني أن دولة الاحتلال ليست جادةً في تحقيق سلامٍ دائم.
لقد حان الوقت لقادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يأخذوا حركة المقاومة الفلسطينية على محمل الجد، وأن ينظروا حتى في عرضها بهدنة طويلة الأمد.
فبعد فشل اتفاقيات أوسلو للسلام وإحباط أي فرصة لحل الدولتين، قد تظل الهدنة هي الخطة الوحيدة الممكنة للسلام.
أما حماس، فهي بالنسبة للعديد من الفلسطينيين ليست مجرد جيش، إنها فكرة وثقافة وظاهرة.
عسكريًا، لا شك أن الحركة قد أُضعفت بعد عامين من الحرب، لكن هذا ليس كل شيء، فمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وإجرامه، كفكرة، لا تزال حية كما كانت دائمًا سواءً سُميت حماس أو أي اسم آخر، وهذه الفكرة أقوى من أي وقت مضى
وكما شهدنا خلال العامين الماضيين، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يرى كثير من الفلسطينيين، وخاصة في غزة، أن حماس لا تزال الممثل الحقيقي لنضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية.
ووفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، ورغم كل الألم والمعاناة التي عاناها أهل غزة، لا تزال الحركة الفلسطينية الخيار الأول للشعب.
وهذا ليس مفاجئًا، إذ إن غالبية سكان غزة هم من نسل الفلسطينيين الذين أُجبروا على الهجرة من قراهم ومدنهم عام 1948، عندما ارتكبت العصابات الصهيونية المسلحة مجازر في مواقع مختلفة لتهجير السكان الأصليين.
لقد أثبت شعب غزة، إلى جانب حركات المقاومة، أن أي قوة وحشية، أو مجازر، أو إبادة جماعية، أو تهديد بالتهجير، لن تثني الشعب الفلسطيني عن الإصرار على حقه في مقاومة الاحتلال، والعودة إلى الوطن، إلى ذات الأراضي التي أجبر الصهاينة بمساعدة الدول الغربية الإمبريالية آباءهم وأجدادهم على تركها قبل أكثر من 78 عاماً.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)