هل تعيد خطة ترامب رسم خريطة الوسطاء في القضية الفلسطينية وتدويل ملف غزة؟

حين يصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، سيؤدي دورًا غير مسبوق: رئيس مجلس إدارة “السلام” في غزة، حيث نصّب ترامب نفسه رئيساً للجنة جديدة يُتوقّع أن تُشرف على إدارة القطاع بعد وقف إطلاق النار، في خطوة يرى فيها محللون تدويلاً عمليًا لغزة بعد حرب مدمرة استمرت عامين.

وقال ديفيد شينكر، وهو مسؤول أمريكي سابق في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، لموقع ميدل إيست آي: “هذه الخطة تحمل ختم ترامب نفسه، هو من صاغها، ولن يقبل بفشلها.”

ترامب رئيسًا لـ”مجلس غزة”

تصف مصادر أمريكية المشهد الجديد بأنه مجلس ضخم من الأطراف المتنافسة لكل منها أجندته الخاصة، من ضمنهم دولة الاحتلال نفسها، التي أجبرها ترامب – بحسب مراقبين – على القبول بوقف إطلاق النار.

ورغم أن دولة الاحتلال لا تزال تسيطر على أكثر من نصف مساحة القطاع، وتحتفظ بحرية واسعة في ما يتعلق بانسحاباتها المقبلة، إلا أن خطة ترامب وجّهت ضربة مزدوجة لحكومة بنيامين نتنياهو عبر رفضها مبدأي الضم أو الاحتلال المباشر لغزة، وكذلك التهجير القسري للفلسطينيين.

ويرى خبراء أن هذين البندين في الخطة الأمريكية المكونة من 20 نقطة، يعبّران عن مراعاة لمطالب دول عربية وإسلامية يتوقع أن ترسل قوات حفظ سلام إلى غزة، وتموّل عملية إعادة الإعمار والتعافي بعد حرب اعترفت الأمم المتحدة بأنها إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.

خطة غير مسبوقة

يرى المراقبون أن ما يميز خطة ترامب هو محاولتها تدويل الصراع، إذ قال مايكل وحيد حنا، مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، لـ ميدل إيست آي:”لم ترغب دولة الاحتلال يومًا في تدويل هذا الصراع، فلطالما كانت الولايات المتحدة دومًا اللاعب الخارجي الأوحد، لكنها لم تكن وسيطًا، بل شريكًا للاحتلال.”

وأضاف: “الفرق الآن أننا قد نرى ملامح توازن مضاد.”

وتُظهر لقطات من مفاوضات شرم الشيخ بوضوح حجم هذا الانخراط الإقليمي، إذ شارك في المفاوضات رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن محمود رشاد، ونظيره التركي إبراهيم كالين، إلى جانب رئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذين ظهروا وهم يتبادلون النقاش مع الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي.

وقال مسؤول أمريكي سابق شارك في مفاوضات غزة السابقة إن الدور التركي كان حاسمًا في إقناع حماس بإطلاق سراح الأسرى دفعة واحدة، خصوصًا بعد أن خرقت دولة الاحتلال الهدنة السابقة بشكل أحادي في يناير/كانون الثاني الماضي.

وأضاف المسؤول الأمريكي: “كان لأردوغان دور جوهري في إقناع حماس بالثقة في الضمان الأمريكي بأن دولة الاحتلال ستلتزم بالاتفاق، ربما أكثر من قطر ومصر، ولم ترغب حماس في تحدي أردوغان.”

نحو تدويل غزة

من المقرر أن يصل ترامب إلى دولة الاحتلال يوم الاثنين لإطلاع الكنيست على تفاصيل الخطة، على أن يتوجه بعدها إلى مصر لحضور قمة عربية–أوروبية تبحث مستقبل غزة بعد الحرب.

وبحسب الاتفاق، أمام حماس والفصائل الأخرى 72 ساعة لتسليم 20 أسيرًا على قيد الحياة وجثامين 28 آخرين، مقابل انسحاب جيش الاحتلال من بعض مناطق القطاع ووقف عدوانه، إضافة إلى إطلاق سراح نحو 2000 أسير فلسطيني وجثامين 360 شهيدًا، دون أن يشمل ذلك الرموز البارزة مثل مروان البرغوثي.

لكن المراحل المقبلة تبدو أكثر تعقيدًا، إذ لا تزال دولة الاحتلال تسيطر على 58% من أراضي القطاع، ولا يتضمن الاتفاق أي جدول زمني واضح للانسحاب الكامل، ولا يوضح طبيعة “المنطقة الأمنية” التي قد تُبقيها.

وتدعو الخطة إلى تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية لإدارة غزة من دون مشاركة حماس، وتدريب قوة شرطة فلسطينية بإشراف مصر، على أن يُنشأ “مجلس سلام” برئاسة ترامب للإشراف على هذه الترتيبات.

كما تنص الخطة على نزع سلاح حماس، إلا أن الحركة تصر على الاحتفاظ بأسلحة دفاعية خفيفة مثل البنادق الآلية، ويُفترض أن تنتشر في القطاع قوة دولية للاستقرار مؤلفة من قوات عربية وإسلامية.

تناقض المصالح الإقليمية

لكن هذه النقاط تضع ترامب في مواجهة أجندات متضاربة بين تركيا ودول الخليج ومصر ودولة الاحتلال.

و يقول حنا: “لكل من هذه الدول رؤية مختلفة تجاه الفلسطينيين”، فبينما قد تطمئن حماس لوجود قوات تركية، يعارض الاحتلال ذلك بشدة، وفي المقابل، تسعى مصر إلى تمكين السلطة الفلسطينية من لعب دور أكبر في غزة، وهو ما يرفضه نتنياهو رفضًا قاطعًا.

وقال شينكر: “هذه إدارة يسهل تشتيت انتباهها، لكن الخطة تحتاج التزامًا طويل الأمد من كبار المسؤولين، بدون ذلك، سنحصل على خطة سلام لا تتجاوز صفقة تبادل أسرى.”

من يدير المرحلة المقبلة؟

تشير تسريبات إلى أن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، سينضم إلى “مجلس السلام” الذي يرأسه ترامب،  لكن إرث بلير ما زال مثقلاً بـغزو العراق عام 2003، فضلًا عن تورط معهد بلير في دعم مشروع “مؤسسة غزة الإنسانية” الذي أُدين دوليًا لفشله وتسييسه للمساعدات.

وتنهي خطة ترامب فعليًا تفويض المؤسسة المذكورة، وتعيد ملف توزيع المساعدات إلى الأمم المتحدة.

ويرى كريستيان كوتس أولريكسن، الباحث في معهد بيكر الأمريكي، أن ترامب سيعتمد بشكل كبير على بلير وصهره جاريد كوشنر لإدارة ملفات نزع سلاح حماس، والحكم المحلي، وإعادة الإعمار.

وقال أولريكسن:”كلاهما يمتلك شبكة علاقات واسعة في الخليج: بلير مرتبط بالإمارات، فيما يُموّل صندوق كوشنر الاستثماري من قطر والإمارات والسعودية،  وكوشنر كان على علاقة وثيقة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال ولاية ترامب الأولى.”

ويضيف: “من المرجح أن يستخدم كوشنر وبلير النفوذ الأمريكي على حكومة الاحتلال، فيما تستخدم دول الخليج نفوذها على الفصائل الفلسطينية للحفاظ على الهدنة.”

مقالات ذات صلة