أفاد موقع “ميدل إيست آي” سمحت دولة الاحتلال لعشرات الفلسطينيين والمواطنين الأتراك بمغادرة قطاع غزة مطلع الشهر الجاري، بينهم 16 من أفراد عائلة رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس الراحل إسماعيل هنية، وذلك بناءً على طلب رسمي من تركيا، في خطوة تهدف إلى تهدئة التوتر القائم بين أنقرة وتل أبيب، وفق ما علمه موقع ميدل إيست آي.
وبحسب مصدرين منفصلين، شمل القرار السماح لـ14 مواطنًا تركيًا و40 من أقاربهم الفلسطينيين — من الأزواج والأبناء والآباء والأمهات — بمغادرة القطاع، في إطار تفاهم ثنائي بين دولة الاحتلال وتركيا.
وتأتي هذه الخطوة بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي أُبرم في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والذي لعبت أنقرة دورًا أساسيًا في إنجاحه من خلال وساطتها مع حركة حماس لإحضارها إلى طاولة المفاوضات.
ووفقًا للمصادر، فإن خمسة من أفراد عائلة هنية الستة عشر الذين غادروا غزة يحملون صلة قرابة بمواطنين أتراك.
صلات تركية طويلة مع قيادة حماس
حافظت تركيا على اتصالات وثيقة مع إسماعيل هنية لسنوات طويلة، إذ ترأس الأخير المكتب السياسي لحركة حماس حتى اغتياله في طهران على يد دولة الاحتلال في يوليو/تموز 2024.
ورغم أن تركيا لا تستضيف مكتبًا رسميًا للحركة، فإن قادتها يتنقلون بين قطر وتركيا ومصر ولبنان، ويقيم بعضهم في تركيا لفترات طويلة. وكانت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية قد ذكرت عام 2020 أن أنقرة منحت الجنسية لعدد من قادة حماس، بينهم هنية نفسه.
ويعد قرار دولة الاحتلال بالسماح لعائلة هنية بمغادرة غزة لافتًا بشكل خاص، إذ إن جيش الاحتلال كان قد اغتال ثلاثة من أبنائه وأربعة من أحفاده في غارة جوية على سيارتهم في غزة في أبريل/نيسان 2024.
وفي الفترة نفسها، اعتقلت سلطات الاحتلال شقيقته صباح السالم هنية التي كانت تعيش في بلدة تل السبع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ووجهت إليها اتهامات بالتحريض على “الإرهاب”.
مساعٍ لتخفيف التوتر مع أنقرة
يرى مراقبون مطلعون على دوائر صنع القرار في دولة الاحتلال أن السماح بخروج أفراد عائلة هنية يأتي في إطار محاولة لتليين الأجواء مع تركيا والاستجابة الإيجابية للمطالب الدبلوماسية القادمة من أنقرة.
فمنذ وقف إطلاق النار في غزة، بدت وسائل الإعلام العبرية، استنادًا إلى مصادر حكومية مجهولة، أكثر اعتدالًا في تناولها للقيادة التركية.
وأشاد موقع واينت اليميني، على سبيل المثال، برئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن واصفًا إياه بأنه “متعاطف مع الأسرى” ويسعى إلى “تجديد العلاقات مع إسرائيل”.
أما الصحفي الإسرائيلي بن كسبيت فكتب في صحيفة معاريف هذا الشهر أن “تركيا ليست عدوًا لإسرائيل”، مضيفًا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان — رغم انتقاداته الشديدة — قد يترك خلفه قيادة أكثر براغماتية، في إشارة إلى وزير الخارجية الحالي هاكان فيدان، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات التركي.
دعوات إسرائيلية لتحسين العلاقات
وفي مقال آخر في معاريف نُشر الأحد، دعا أوريل لين، رئيس اتحاد غرف التجارة في دولة الاحتلال، إلى الانفتاح مجددًا على أنقرة، مؤكدًا أن “تركيا مفتاح أساسي لليوم التالي في غزة”.
وقال لين: “تركيا ليست عدوًا لإسرائيل. لقد ربطتنا سنوات طويلة من التجارة المثمرة والعلاقات الاقتصادية والسياحية الناجحة”.
وأضاف: “قبل ثلاث سنوات، وخلال فترة رئاستي لغرف التجارة، نظمنا وفدًا تجاريًا كبيرًا ضم 65 شركة إسرائيلية زارت تركيا، وكان استقبالنا حارًا، إذ أجرت معنا نحو 20 وسيلة إعلام تركية مقابلات إيجابية، قد لا تكون هذه عينة تمثيلية، لكنها تُظهر أن مثل هذا الترحيب لا يحدث في دولة معادية”.
كما شدد لين على أن السياسة الخارجية يجب أن تُدار بـ”الحكمة”، لا من قبل وزراء يسعون إلى “الظهور الطفولي”، مشيدًا في الوقت ذاته ببنيامين نتنياهو لما وصفه بـ”تحليه بضبط النفس”.
وختم بالقول: “إحدى الاختبارات الحقيقية لسياستنا الخارجية الجديدة ستكون في إعادة بناء العلاقات مع تركيا، فهذا ضروري لاستقرار البيئة الجيوسياسية في المنطقة وتعزيز مصالحنا الاقتصادية.”
تأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه أنقرة إلى ترسيخ دورها كوسيط إقليمي بعد عام من العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ودمر البنية التحتية للقطاع.
كما تحاول دولة الاحتلال، من جهتها، ترميم علاقاتها المتصدعة مع قوى إقليمية عدة، بعد العزلة المتزايدة التي فرضها عليها استمرار الإبادة الجماعية في غزة وموجة الإدانات الدولية المتصاعدة.