بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا أعتقد أن هناك شيئاً ما يمكن أن يوضح التناقض الساخر في حياة كير ستارمر من محامٍ لحقوق الإنسان إلى مدافع عن جرائم الحرب، أكثر من قراره التصدر لقضية العنصريين العنيفين مشجعي نادي مكابي الإسرائيلي لكرة القدم!
لنعد 10 سنوات للوراء، حين تحدث رئيس الوزراء المستقبلي آنذاك في اجتماع لحملة كامدن للتضامن مع الفلسطينيين خلال حملة الانتخابات العامة لعام 2015، وخلفه لافتة كتب عليها: “اطردوا العنصرية الإسرائيلية من الفيفا”.
تجدر الإشارة إلى أن نادي مكابي تل أبيب هو أقدم وأشهر نادٍ في إسرائيل، ويعود تاريخه إلى عام 1909، ولسوء الحظ، ليس هناك مفر من حقيقة أن قسماً من قاعدة أنصار مكابي لديهم سجل لا يغتفر من العنصرية والعنف، فقد تم تصويرهم وهم يهاجمون متظاهرين مناهضين لنتنياهو
في نهاية الأسبوع الماضي، وفي تراجع صارخ، أطلق ستارمر حملة لجلب العنصرية الإسرائيلية إلى بريطانيا، حيث جاء تدخله بعد أن منعت شرطة ويست ميدلاندز مشجعي مكابي تل أبيب من حضور مباراة الدوري الأوروبي الشهر المقبل في أستون فيلا.
جاء قرار الشرطة بالحظر بعد أن صنفت المباراة بأنها “عالية الخطورة” بعد ما أسمته “التقييم الشامل”، مشيرة إلى أنه قد تم التوصل إلى القرار بناء على “معلومات استخباراتية حالية”، لكنهم سلطوا الضوء أيضاً على “الاشتباكات العنيفة وجرائم الكراهية” التي وقعت خلال مباراة أياكس ومكابي تل أبيب في أمستردام في نوفمبر الماضي.
يعتقد ستارمر، وهو من مشجعي كرة القدم، أنه يعرف أفضل من شرطة وست ميدلاندز، ولكن ذلك ليس صحيحاً!
تاريخ عنصري
في تدخل غير عادي في داونينج ستريت أعلن ستارمر: “هذا قرار خاطئ”، آمراً وزراءه ببذل كل ما في وسعهم لضمان قدرة مشجعي مكابي على القدوم إلى بريطانيا.
بناء على ذلك، أوضحت وزيرة الثقافة ليزا ناندي لأعضاء البرلمان بأن حكومة ستارمر سوف توفر الموارد لتمكين مشجعي مكابي من حضور المباراة، معتبرة أن الحظر ضد أنصار مكابي موجه ضد الشعب اليهودي.
تجدر الإشارة إلى أن نادي مكابي تل أبيب هو أقدم وأشهر نادٍ في إسرائيل، ويعود تاريخه إلى عام 1909، ولسوء الحظ، ليس هناك مفر من حقيقة أن قسماً من قاعدة أنصار مكابي لديهم سجل لا يغتفر من العنصرية والعنف، فقد تم تصويرهم وهم يهاجمون متظاهرين مناهضين لنتنياهو.
وفي عام 2014، عندما تعاقد النادي مع لاعب عربي، تعرض لصيحات الاستهجان والإساءة من قبل مشجعيه، وفي مارس عام 2024، تم تصوير الأنصار وهم يضربون رجلاً عربياً فاقداً للوعي في أحد شوارع أثينا.
وفي أمستردام، سيطر مشجعو الفريق على الشوارع وهم يرددون هتافات الإبادة الجماعية بما فيها “الموت للعرب”، كما هتفوا “لماذا توقفت المدارس في غزة؟ لم يبق أطفال هناك”، في إشارة ساخرة إلى أنه في نوفمبر عام 2024، كان قد قُتل أكثر من 17,000 طفل فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي والرقم أعلى بكثير اليوم، وهو أمر مثير للاشمئزاز بلا شك.
تأجيج التوتر
تم حشد الكثير من التعليقات الإعلامية والسياسية باعتبار الحظر المفروض على مشجعي كرة القدم في مكابي قضية “طائفية” ومسألة تهم مسلمي برمنغهام فقط، فقد أصبح مصطلح “طائفي” هو المصطلح الذي يستخدمه السياسيون وكتاب الأعمدة في الصحف للإشارة إلى أن المسلمين ليسوا بريطانيين!
أنا أعترض على ذلك، فخروج أنصار مكابي في شوارع برمنغهام ليس مجرد قضية إسلامية، فأي شخص يتمتع بأضعف إحساس باللياقة أو حتى الوطنية، لابد أن ينزعج من احتمال قيام مثيري الشغب العنيفين بمسيرات في الشوارع البريطانية وهم يرددون أغانيهم التي تدعو إلى القتل والإبادة الجماعية.
مع ذلك، يظل ستارمر مصمماً على إلغاء الحظر الذي فرضته الشرطة والترحيب بالعنصريين الذين يشكلون نسبة كبيرة من أنصار تل أبيب مكابي المسافرين!
إن مهمة رئيس الوزراء هي تهدئة الانقسام والكراهية، ولكن ستارمر يصر على تأجيج التوتر، وأرى أنه من المهم التحقيق في الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك المتهور وغير المسؤول.
منذ انتخابه رئيساً للوزراء في العام الماضي، أدار ستارمر ظهره لقاعدة حزب العمال اليسارية التقدمية، واختار بدلاً من ذلك استقطاب دعم الناخبين اليمينيين المتطرفين والمحافظين، وخاصة أولئك المتعاطفين مع حزب الإصلاح الذي يتزعمه نايجل فاراج.
هناك منطق وراء هذه الاستراتيجية غير الأخلاقية، حيث جاءت بعد انشقاق بعض ناخبي حزب العمال وانضمامهم إلى حزب الإصلاح الذي يتزعمه فاراج، وستارمر يريد استعادتهم، ولذلك عاد إلى السياسات العنصرية التي انتهجها إينوك باول، وانقلب على الأقليات بالحديث عن “جزيرة الغرباء”.
هذا يفسر أيضاً اللغة البشعة المتعلقة بالمسلمين، بما في ذلك عبارة “التخلص من الفارين”، وهي عبارة استخدمها أحد المطلعين على حزب العمال واصفاً عدداً كبيراً من أعضاء المجلس الذين تركوا الحزب بسبب سياسة الحزب حول غزة في ديسمبر عام 2023.
تفسر هذه السياسة أيضاً رعاية حزب العمال للصحافة اليمينية المتطرفة والمعادية للإسلام في بريطانيا، وتعيين ديفيد دينسمور، المحرر السابق لصحيفة صن المملوكة لروبرت مردوخ، في مهمة القيام باتصالات رفيعة في الحكومة للمساعدة في استعادة الناخبين اليمينيين.
انهيار أخلاقي
هذه هي الهاوية الأخلاقية التي اختار ستارمر أن يغرق فيها، ففرش السجادة الحمراء للبلطجية الإسرائيليين العنيفين يتناسب تماماً مع هذه الاستراتيجية.
لقد أكسب ذلك رئيس الوزراء ـ الذي تعرض لانتقادات لاذعة في وسائل الإعلام ـ فترة راحة بعد فترة طويلة من فقدان الشعبية، فبفضل تدخله في قضية مشجعي مكابي، أصبح الآن يحظى بدعم الصحافة اليمينية.
كتبت ميلاني فيليبس، كاتبة العمود في صحيفة التايمز اليوم: “لمرة واحدة، فهم السير كير ستارمر ما هو على المحك هنا”، فيما أعرب مايك جراهام، مقدم برنامج Talk Radio، عن دعمه لتدخل رئيس الوزراء قائلاً: “أشعر بالخجل من الشرطة في برمنغهام، فهؤلاء الناس ليس لديهم عمل في بلادنا، وهذا الرجل، أيوب خان، أياً كان، يجب أن يعود إلى باكستان”، في إشارة إلى أيوب خان النائب المحلي عن برمنغهام والذي قدم التماساً في الأصل لحظر مشجعي مكابي تل أبيب.
تظهر تصريحات جراهام المثيرة للاشمئزاز، تعرض خان خلال الأيام الأخيرة لحملة من التشهير والتشويه، ويجب أن نذكر هنا أن السيد خان هو واحد من القلائل الذين خرجوا دون أن تشوبهم شائبة من وراء حملة التشهير هذه.
إن ستارمر هو من أطلق العنان لكل هذا، حين مارس سياسة الكراهية، ولا أعتقد أن هذا التكتيك البغيض سوف يساعده على كسب الأصوات، بل أنا على يقين من أن الشعب البريطاني أذكى من أن يقع فريسة للتدخلات التحريضية من قِبَل رئيس الوزراء.
وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة يوغوف، فإن أغلبية كبيرة منا 42% مقابل 28% تعتقد بأن ستارمر مخطئ
وبين عشية وضحاها تبين أن مكابي تل أبيب نفسها رفضت تكتيكات ستارمر البشعة، ففي ضربة قوية لرئيس الوزراء البريطاني، أعلن النادي أنه لن يبيع تذاكر أستون فيلا لمشجعيه، معلناً بأن “كرة القدم يجب أن تهدف إلى جمع الناس معاً وليس تفريقهم” وأنها “تعمل بلا كلل للقضاء على العنصرية داخل العناصر الأكثر تطرفاً في قاعدتنا الجماهيرية”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)







