في الوقت الذي تعيش فيه مدينة الفاشر غربي السودان واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخها الحديث، بعد استيلاء قوات الدعم السريع على المدينة وارتكابها مجازر مروّعة بحق المدنيين، أطلقت شخصيات إماراتية مؤثرة وحسابات إسرائيلية رسمية على وسائل التواصل الاجتماعي حملة منسقة ضد الجيش السوداني (القوات المسلحة السودانية – SAF)، في محاولة لتغيير الرواية حول ما يجري على الأرض.
سقوط الفاشر ومجزرة جديدة في دارفور
يوم الأحد الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع (RSF)، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، آخر المدن الكبرى في إقليم دارفور التي كانت لا تزال تحت سيطرة الجيش النظامي.
 وتُعد الفاشر العاصمة الإدارية لولاية شمال دارفور، وكان يسكنها أكثر من 260 ألف شخص، ظلوا تحت حصار خانق لأكثر من 500 يوم، أدى إلى شحّ المواد الغذائية وانعدام الأدوية والمياه النظيفة.
وبحسب تقارير ميدانية وصور أقمار صناعية حديثة، فإن قوات الدعم السريع نفذت عمليات قتل جماعي ونهب واعتداءات بحق المدنيين أثناء اقتحامها المدينة. بعض هذه الجرائم تم توثيقها بالفيديو من قبل مقاتلي الميليشيا أنفسهم، وتُظهر المقاطع جثثاً ملقاة في الشوارع وأحياء مدمرة بالكامل.
منظمات الإغاثة الدولية وصفت ما حدث بأنه مجزرة حقيقية بحق المدنيين العزّل، في حين قالت الأمم المتحدة إن “الوضع في الفاشر يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية”.
حملة إماراتية – إسرائيلية على الإنترنت
وبينما كانت صور الضحايا تنتشر حول العالم، شهدت منصات التواصل الاجتماعي حملة إعلامية مفاجئة تقودها شخصيات إماراتية مؤثرة إلى جانب حسابات إسرائيلية رسمية.
 ووفقاً لتقرير نشره موقع Middle East Eye، فإن المؤثرين الإماراتيين حاولوا صرف الأنظار عن اتهامات الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، عبر مهاجمة الجيش السوداني واتهامه بالفساد والفشل العسكري.
ولم تقتصر الحملة على الأصوات الفردية، بل انضمت إليها الحساب الرسمي لدولة إسرائيل باللغة العربية، الذي بدأ بنشر منشورات تنتقد الجيش السوداني وتبرّئ قوات الدعم السريع بشكل غير مباشر، في تكرار لتكتيكات دعائية استخدمت سابقاً في صراعات إقليمية أخرى.
وكتب الحساب الإسرائيلي الرسمي منشوراً قال فيه إن “الجيش السوداني يتحمل مسؤولية تدهور الوضع الإنساني في دارفور”، وهي رواية تتجاهل الأدلة الدامغة على تورط قوات الدعم السريع في القتل والاغتصاب والحرق الجماعي.
اتهامات موثقة ضد الإمارات
وتُظهر أدلة متعددة، بما في ذلك وثائق استخباراتية وتقارير أممية، أن الإمارات لعبت دوراً محورياً في تمويل وتسليح قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب الأهلية السودانية في أبريل 2023.
ففي يونيو الماضي، كشف تقرير سري لمجلس الأمن الدولي أن أسلحة ومركبات عسكرية إماراتية وصلت إلى قوات الدعم السريع عبر قاعدة بوصاصو الجوية في الصومال، ثم نُقلت إلى السودان.
 كما تحدثت مصادر محلية عن علاج مقاتلين من الدعم السريع في مستشفيات إماراتية وسومالية، ما عزز الشبهات حول دعم مباشر ومستمر للميليشيا المتهمة بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
ورغم هذه الاتهامات، تواصل شخصيات بارزة في الإمارات – من بينهم مؤثرون على منصة “إكس” – الدفاع عن الدور الإماراتي، واتهام الإعلام الغربي بـ“تشويه صورة أبوظبي”.
تواطؤ إسرائيلي إعلامي متصاعد
من جانبها، يبدو أن إسرائيل تستخدم الملف السوداني كورقة سياسية في سياق صراع النفوذ الإقليمي. فالعلاقات غير المعلنة بين تل أبيب والميليشيات السودانية تعود إلى سنوات، حين جرت اتصالات بين مسؤولين إسرائيليين وقادة في الدعم السريع ضمن محاولات سابقة لتسريع التطبيع مع الخرطوم.
اليوم، ومع انكشاف الدور الإسرائيلي على الإنترنت، يُلاحظ أن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي الرسمي بات يهاجم الجيش السوداني بوصفه “عقبة أمام الاستقرار والسلام”، في انسجام لافت مع الخطاب الإماراتي.
تحليل محتوى عشرات المنشورات التي بثها الحساب الرسمي لإسرائيل بالعربية إلى جانب حسابات صحفيين إسرائيليين يُظهر تطابقًا في الرسائل، إذ تم التركيز على “أخطاء الجيش السوداني” وتجاهل تام لجرائم الدعم السريع، بما في ذلك قتل مئات المدنيين في الفاشر خلال أقل من 48 ساعة.
انتقادات دولية وغضب شعبي
أثار هذا التنسيق الإعلامي بين الإمارات وإسرائيل موجة من الانتقادات داخل السودان وخارجه، حيث اتهم ناشطون ومحللون سياسيون البلدين بمحاولة تلميع صورة الميليشيات المتورطة في الإبادة الجماعية وتشويه سمعة الجيش الوطني.
وقال عبد الله حرمة الله، المحلل السوداني المقيم في لندن، إن ما يجري “هو حملة تضليل متكاملة تستهدف إضعاف الجيش السوداني لصالح قوات الدعم السريع التي تعمل كوكلاء لمصالح إقليمية معروفة”.
 وأضاف أن “دخول الحساب الرسمي الإسرائيلي على الخط يؤكد أن المعركة الإعلامية تُدار بتنسيق استخباراتي وليس عفوياً”.
من جهتها، طالبت منظمات حقوقية دولية، منها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، بفتح تحقيق عاجل في الانتهاكات المروعة التي وقعت في الفاشر، مؤكدة أن “كل الأدلة تشير إلى ارتكاب جرائم حرب ممنهجة من قبل قوات الدعم السريع”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)







