في حدث تاريخي غير مسبوق، فاز النائب في مجلس ولاية نيويورك وعضو الحزب الديمقراطي الاشتراكي زهران كوامي ممداني، البالغ من العمر 34 عامًا، بمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح أول مسلم يتولى هذا المنصب في تاريخ المدينة.
ممداني، الذي يمثل منطقة كوينز في مجلس الولاية، خاض حملته الانتخابية بشعار تقدمي جريء ركّز على تجميد الإيجارات وتوفير المواصلات العامة مجانًا، بتمويل من زيادة الضرائب على الأثرياء في المدينة.
ورغم أنه كان يُنظر إليه في البداية كمرشح هامشي، إلا أن فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في يونيو جعله في صدارة السباق.
مواقف مؤيدة لفلسطين في قلب العاصفة
تميّز ممداني بموقفه الواضح المؤيد لحقوق الفلسطينيين، في وقت شهدت فيه نيويورك احتجاجات واسعة ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، قمعتها الشرطة الأميركية بشدة. ورغم حملات الاتهام بـ”معاداة السامية” التي طالته بسبب مواقفه، أظهرت البيانات أن موقفه من فلسطين ساعده على الفوز في الانتخابات التمهيدية، إذ وجد صدى لدى الناخبين الشباب والغاضبين من السياسات التقليدية.
فوز تاريخي
في نتائج الثلاثاء، تفوق ممداني بوضوح على منافسه أندرو كومو، الحاكم السابق لولاية نيويورك وأحد أبرز رموز المؤسسة السياسية الأميركية، محققًا أكثر من 50٪ من الأصوات. وقال ممداني في كلمته عقب إعلان النتائج من مسرح بروكلين باراماونت: “الليلة، رغم كل الصعاب، انتصرنا. لقد أسقطنا سلالة سياسية قديمة. هذه المدينة اختارت التغيير، والسياسة الجديدة، والحياة الكريمة التي نستحقها جميعًا.”
ابن المهاجرين وصوت المهمّشين
ولد زهران ممداني في أوغندا لعائلة من أصول هندية. والده أكاديمي بارز من أصل هندي نشأ في أوغندا، ووالدته هندية أيضًا. سيُؤدي اليمين في الأول من يناير ليتولى إدارة أكبر مدينة أميركية، يسكنها 8.5 ملايين نسمة وتُعد من أكثر المدن تنوعًا وتأثيرًا في العالم.
لقد فاز ابن المهاجرين الذي دافع عن فلسطين، وطرق أبواب البسطاء، وتحدث لغتهم. وهذه المرة، استجابوا له
مشاركة قياسية في الانتخابات
أعلنت لجنة الانتخابات في المدينة أن أكثر من مليوني ناخب أدلوا بأصواتهم – وهي أعلى نسبة مشاركة منذ عام 1969، وأكثر بكثير من انتخابات 2001 التي جرت بعد أحداث 11 سبتمبر. كما شهدت الانتخابات إقبالًا قياسيًا على التصويت المبكر، حيث أدلى أكثر من 735 ألف ناخب بأصواتهم قبل يوم الاقتراع.
دعم وتقدير من المؤسسات الديمقراطية والمنظمات الإسلامية
أشاد اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي بفوز ممداني، واصفة حملته بأنها “منظمة بإتقان ومتمحورة حول قضايا الناس العاملين”. وقالت في بيان: “لقد جسدت حملته روح الحزب الواسع الذي يسعى لرفع شأن جميع فئات المجتمع.”
من جانبها، وصفت مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) فوز ممداني بأنه “نقطة تحول تاريخية في المشاركة السياسية للمسلمين الأميركيين”، مضيفة أن فوزه رغم موجة الكراهية “يشكل صفعة قوية للإسلاموفوبيا والعنصرية ضد الفلسطينيين”.
أما أحمد أبو زنايد، المدير التنفيذي لحملة الحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة، فقال: “فوزه التاريخي في أكبر مدينة أميركية يؤكد أن الناس يقفون مع حقوق الفلسطينيين، وسئموا من الساسة التقليديين الذين يمولون إسرائيل بالمليارات بينما الأميركيون لا يستطيعون شراء طعامهم.”
حملة شعبية ضخمة
اعتمد ممداني على حملة ميدانية هائلة، حيث أكد فريقه أن المتطوعين طرقوا أكثر من 3 ملايين باب في مختلف أحياء المدينة. وحققت مقاطع الفيديو القصيرة التي نشرها على مواقع التواصل انتشارًا واسعًا عالميًا، إذ خاطب الناس بلغات متعددة، منها الإسبانية والعربية والأوردية، وظهر فيها من قلب أحياء نيويورك الشعبية، بابتسامة هادئة ولغة بسيطة وجذابة.
مواجهة شرسة مع كومو ودعم من ترامب
عاد أندرو كومو إلى السباق كمستقل بعد خسارته في الانتخابات التمهيدية، مدعومًا من لجان ضغط ثرية موالية لإسرائيل جمعت له أكثر من 40 مليون دولار، في حين اعتمد ممداني على تمويل شعبي بلغ 16 مليون دولار فقط.
ونشرت حملة كومو إعلانات مسيئة استهدفت هوية ممداني الدينية والعرقية، بل تضمنت مقطعًا يصور لصًا يضع الكوفية ويدعم ممداني، مما أثار موجة إدانات واسعة باعتبارها عنصرية ومعادية للإسلام.
وقبل يومين من التصويت، زاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حدة الجدل عندما أعلن دعمه لكومو، واصفًا ممداني بـ”الشيوعي”، ومهددًا بقطع التمويل الفدرالي عن المدينة في حال فوزه – وهو ما رجح مراقبون أنه أضر بحملة كومو في مدينة ليبرالية كبرى مثل نيويورك.
إسرائيل في قلب الجدل السياسي
واجه ممداني خلال حملته هجمات متكررة من جماعات الضغط الموالية لإسرائيل بسبب تصريحاته التي اتهم فيها تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وتصريحه السابق بأنه سيعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا زار نيويورك بموجب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية.
ورغم أن نيويورك تضم واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في العالم، استطاع ممداني كسب دعم قطاع من الشباب اليهود الغاضبين من سياسات الاحتلال وارتفاع تكاليف المعيشة. كما أعلن حاخام موشيه إينديغ، أحد قادة الطائفة اليهودية الحريدية المناهضة للصهيونية، تأييده العلني لممداني في تجمع بويليامزبرغ قبل الانتخابات بيومين.
حملات تشويه وتهديدات بالقتل
واجه ممداني خلال العام حملة تشويه ضخمة اتهمته بـ”معاداة السامية”، مولتها جماعة ضغط تحت اسم “Fix the City” بميزانية بلغت 25 مليون دولار. كما تلقى تهديدات بالقتل عبر الهاتف، بينها رسالة تقول: “المسلم الجيد الوحيد هو المسلم الميت.”
وفي فيديو مؤثر الشهر الماضي، قال ممداني: “أن تكون مسلمًا في نيويورك يعني أن تتوقع الإهانة. لكن ما يميزنا ليس الإهانة نفسها، بل مدى قبولنا لها.”
صعود جيل جديد يعيد رسم السياسة
يرى المحللون أن فوز ممداني يعكس تحولًا ديمغرافيًا وسياسيًا عميقًا في المدينة، التي باتت أكثر تنوعًا من أي وقت مضى، بزيادة واضحة في أعداد المسلمين والآسيويين والأفارقة. ويقول المحلل السياسي هانك شاينكوف: “هو شاب، متجدد، لديه قصة ملهمة، ويجسد التغيير الحقيقي في تركيبة المدينة.”
و بفوزه، يدخل زهران ممداني التاريخ الأميركي من أوسع أبوابه، لا بوصفه أول مسلم يقود مدينة نيويورك فحسب، بل كرمز لحقبة جديدة في السياسة الأميركية، عنوانها التنوع والمساواة والعدالة الاجتماعية.







