بعد زيارته مؤخراً إلى واشنطن، أصبح أحمد الشرع، العضو السابق في تنظيم القاعدة، أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض، مما يعكس التحول الكبير في دمشق من دولة تصنفها الولايات المتحدة باعتبارها راعية للإرهاب إلى شريك!
ويعد الشرع، الذي أطاحت قواته بالرئيس بشار الأسد أواخر العام الماضي، أول زعيم سوري يزور البيت الأبيض منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1946، فقد كانت عائلة الأسد تتودد إلى روسيا وإيران كشريكتين.
وقد صرح ترامب بعد لقائه الشرع: “علينا أن نجعل سوريا تعمل، فهي جزء كبير من الشرق الأوسط”، وفي إشارة إلى الشرع قال: “إنه زعيم قوي للغاية، فقد أتى من خلفية صعبة للغاية، وهو رجل قوي، ومعاً سوف نبذل كل ما في وسعنا لإنجاح سوريا الجديدة”.
يذكر أن جماعة الشرع الإسلامية، هيئة تحرير الشام، قد أطاحت بالأسد في ديسمبر عام 2024، ومنذ ذلك الحين، فقد تحرك الشرع لتوطيد الشراكة الأمنية لدمشق مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي يحاول فيه إعادة تأكيد سلطته على شمال شرق سوريا الذي يهيمن عليه الأكراد والتصدي للهجمات الإسرائيلية في الجنوب.
وتتحالف حكومة الشرع بشكل وثيق مع تركيا، حليفة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، ففي وقت سابق من هذا العام، بدأت تركيا تدريب الجنود السوريين، كما أكد ترامب على أن نظيره التركي الرئيس رجب طيب أردوغان “يؤيد بشدة ما يحدث في سوريا”.
وفي الوقت الذي وجد فيه الشرع استقبالاً فاتراً في مصر والإمارات، اللتين تشعران بالقلق من ماضيه، فقد أقام علاقات أوثق مع السعودية وقطر.
من جهة أخرى، فقد صرح مسؤولون أمريكيون قبيل زيارة الشرع بأنهم يتوقعون أن يكون رسمياً جزءاً من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويعد هذا تحولاً مثيراً للدهشة بالنسبة للشرع الذي قضى ما يقرب من 5 سنوات في سجن أمريكي بعد سفره إلى العراق لصد الغزو الأمريكي عام 2003، ثم قام بتأسيس جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، والتي قاتلت فيما بعد ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ولم تدرج هيئة تحرير الشام على قائمة الجماعات الإرهابية من قبل واشنطن إلا في يوليو الماضي، فيما تم رفع الشرع من القائمة يوم الجمعة الماضي.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، قال الخبير في شؤون هيئة تحرير الشام، باتريك هايني، بأن قدرة الشرع على تهدئة مخاوف القوى الأجنبية حول ماضيه وربما نواياه المستقبلية، كانت إنجازه الرئيسي.
وأضاف هايني، الذي شارك في تأليف كتاب “تحول من قبل الشعب”، وهو كتاب عن صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة: “كان النجاح الرئيسي الذي حققه الشرع هو إظهاره بأن سوريا لن تكون أرضاً خصبة لأي حركة من الممكن أن تتحدى دولة أخرى، وهذا يشمل الجميع من المسلحين الفلسطينيين والجماعات الشيعية المسلحة وحزب العمال الكردستاني والإخوان المسلمين”.
كرة سلة وعشاء مع جمهوري مؤيد لإسرائيل
تم تداول مقطع تم تصويره للشرع ووزير خارجيته، أسعد الشيباني، وهما يلعبان كرة السلة مع قائد القيادة المركزية الأمريكية براد كوبر، أكبر جنرال أمريكي في الشرق الأوسط، كما تناول الشرع وجبة طعام مع عضو الكونغرس الجمهوري المؤيد لإسرائيل بريان ماست، الذي كان يعرقل جهود الكونغرس لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا.
“يجب أن يكون هناك إلغاء واضح حتى تثق دول الخليج والشركات الغربية في الاستثمار، فإذا كان هناك أي إشارة إلى إعادة فرض العقوبات، فلن تنتقل أي شركة إلى سوريا، وهذا ما يريده نتنياهو ويعارضه الرئيس دونالد ترامب” – معاذ مصطفى- رئيس فريق الطوارئ السوري الذي يقود حملة إلغاء قانون قيصر
رغم موجة اللقاءات، فقد كانت هناك مؤشرات على أن البيت الأبيض يتحرك بحذر مع زيارة الشرع، حيث دخل الشرع إلى البيت الأبيض من الباب الخلفي ولم يتم استقباله من قبل حرس الشرف الاحتفالي الذي يتم بالعادة مع معظم الزعماء الأجانب.
من جانب آخر، فقد نشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية صورة لترامب والشرع وهما يبتسمان ويتصافحان في المكتب البيضاوي، كما أظهرت صورة أخرى الشرع والشيباني ونائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس والسفير الأمريكي لدى تركيا توم باراك، وهم جالسون أمام ترامب خلف مكتبه.
ويمارس باراك، وهو أيضاً المبعوث إلى سوريا، ضغوطاً من أجل التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه دمج قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في الجيش السوري، لكن قوات سوريا الديمقراطية كانت مترددة في التنازل عن الحكم الذاتي الذي حصلت عليه أثناء قتال داعش نيابة عن الولايات المتحدة.
ويرى الخبراء أنه كلما اقترب الشرع من الولايات المتحدة، كلما أصبح الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية زائداً عن الحاجة.
“الوقت لصالح الشرع”
في حديثها لميدل إيست آي، أوضحت دارين خليفة، من مجموعة الأزمات الدولية بأن “الوقت لصالح الشرع، فالأمريكان يتحركون تدريجياً نحو دمشق، والموارد العسكرية التي تأتي إلى دمشق سوف تكون كبيرة أيضاً”.
وقد أفادت كل من رويترز ووكالة فرانس برس بأن الولايات المتحدة تتطلع إلى فتح قاعدة جوية جنوب دمشق، حيث وُصفت هذه الخطوة بأنها جزء من جهد أوسع تبذله الولايات المتحدة لمراقبة اتفاق خفض التصعيد الذي تحاول التوسط فيه بين حكومة الشرع وإسرائيل.
على الجانب الآخر، فلم تترجم نجاحات الشرع في دوائر السياسة الخارجية حتى الآن إلى مكاسب اقتصادية للمواطنين العاديين، الذين يؤكد الخبراء بأنهم يواجهون اقتصاداً متعثراً واستمراراً بالفساد.
على صعيد آخر، فقد أبدت شركات غربية رغبة بالاستثمار في سوريا، كما حصل الشرع على تعهدات من دول الخليج الغنية بالمشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا التي تقدر قيمتها بنحو 200 مليار دولار، لكن رجال الأعمال والمسؤولين يقولون بأن التهديد المستمر بالعقوبات يعيق الاستثمار.
وقد أعلن ترامب في مايو الماضي عن أنه سوف يرفع جميع العقوبات الأمريكية عن سوريا، في خطوة نسب إليها الفضل في ضغوط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وبالفعل، تحرك ترامب لإلغاء العقوبات التي يمكنه فرضها كرئيس بسرعة، كما أعلن أيضاً عن إعفاء آخر لمدة 180 يوماً من عقوبات قيصر، وذلك أن قانون عقوبات قيصر لعام 2019 أقره الكونغرس، ولذلك فهو السلطة الوحيدة التي يمكنها إلغاؤه بالكامل.
وتضغط إدارة ترامب على الكونغرس لإلغاء العقوبات، لكن عضو الكونغرس ماست يعرقل هذه الجهود، حسبما يقول دبلوماسيون ومسؤولون أمريكيون وناشطون.
في حديثه لميدل إيست آي، قال رئيس فريق الطوارئ السوري الذي يقود حملة إلغاء قانون قيصر، معاذ مصطفى، بأنه “يجب أن يكون هناك إلغاء واضح حتى تثق دول الخليج والشركات الغربية في الاستثمار، فإذا كان هناك أي إشارة إلى إعادة فرض العقوبات، فلن تنتقل أي شركة إلى سوريا، وهذا ما يريده نتنياهو ويعارضه الرئيس دونالد ترامب”.







