ابتسامات حذرة في حضرة ترامب: كيف حاول ابن سلمان إعادة تشكيل صورته داخل البيت الأبيض؟

في مشهد نادر داخل المكتب البيضاوي، ظهر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي مطوّل امتد لنحو 40 دقيقة، اتسم بالارتجال والحدة والأسئلة المحرجة. 

وقد جاءت الزيارة في إطار محاولة واضحة لإعادة تقديم ولي العهد بصورة جديدة في واشنطن، وسط رقابة إعلامية واسعة وتوقعات مسبقة بشأن مدى استعداده لمواجهة أسئلة الصحفيين.

ورغم الرهانات التي سبقت الزيارة حول ما إذا كان ولي العهد سيغامر بالظهور في مؤتمر صحفي غير مُقيّد مع ترامب، فإن اللقاء عُقد بالفعل وبسقف عالٍ من المكاشفة، وإن بقيت على وجه محمد بن سلمان ابتسامات توحي بالحذر والتوتر.

بين جريمة اغتيال خاشقجي وملفات الاقتصاد والتسليح

توالت الأسئلة على الطرفين بشأن قضايا حساسة، أبرزها اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، إلا أن ترامب نفى بشدة الاتهامات الموجهة لولي العهد، ووصف التقارير التي تشير إلى مسؤوليته بأنها “أخبار مزيفة”. 

كما عبّر عن انزعاجه من سؤال صحفي حول تقييم وكالة الاستخبارات المركزية الذي حمّل ولي العهد مسؤولية إصدار الأمر بالاغتيال، إضافة إلى أسئلة تتعلق بالهجمات التي ارتُكب بعض منفذيها خلال أحداث 11 سبتمبر.

دافع ترامب عن ضيفه قائلاً إن ولي العهد “قام بعمل رائع”، وإنه “لا يعرف شيئاً” عن الجريمة، داعياً الصحفي إلى “عدم إحراج” الضيف السعودي.

أما ولي العهد فاختار لغة دبلوماسية، مؤكداً أنّ أسامة بن لادن “استغل سعوديين” بهدف “الإضرار بالعلاقات السعودية–الأمريكية”. ووصف جريمة اغتيال خاشقجي بأنها “مؤلمة وخطأ كبير”، مشيراً إلى أن المملكة اتخذت “كل الخطوات اللازمة” لضمان عدم تكرارها.

استثمارات ضخمة وحضور اقتصادي لافت

قدم ولي العهد خلال الزيارة تعهداً باستثمارات ضخمة في الولايات المتحدة تقارب تريليون دولار، تشمل مشاريع في الذكاء الاصطناعي والمعادن النادرة والطاقة، وقد رحّب ترامب بهذه التعهدات، مشدداً على أنها تعكس “شفافية غير مسبوقة”.

كما استعرضت شركات أمريكية، بينها شركات طاقة وتقنية، حجم الوظائف التي ستوفرها الاستثمارات السعودية داخل الولايات المتحدة، بالتزامن مع دفع إدارة ترامب نحو تعزيز التعاون الاقتصادي خارج إطار صفقات السلاح التقليدية.

صفقات سلاح حساسة.. رغم ضغوط دولة الاحتلال

أكد ترامب خلال اللقاء أن بلاده ستبيع مقاتلات شبح متطورة من طراز “إف-35” إلى السعودية، وهو ملف يواجه ضغوطاً من لوبيات مؤيدة لدولة الاحتلال، التي طالبت بأن تكون المقاتلات المخصصة للسعودية أقل تطوراً من تلك التي يمتلكها جيش الاحتلال.

لكن ترامب قال بوضوح إن الرياض “يجب أن تحصل على أفضل طراز”، في إشارة إلى تجاوز تلك الضغوط.

لحظة ارتباك: حديث ترامب عن قصف إيران

عندما بدأ ترامب بالحديث عن الهجوم الأمريكي على إيران خلال الصيف، وتباهى بأنه استضاف الطيارين الذين نفذوا الضربة داخل المكتب البيضاوي، بدا الارتباك واضحاً على ولي العهد، وقد عبس وجهه ثم ابتسم بتوتر، فيما يشير إلى حساسية الملف بالنسبة للرياض.

تسعى السعودية منذ سنوات إلى تخفيف التوتر مع طهران، ونأت بنفسها عن الهجمات التي نفذتها دولة الاحتلال أو الولايات المتحدة ضد إيران، وقد كشفت تقارير سابقة أن الرياض رفضت تزويد واشنطن بمنظومات اعتراض صواريخ خلال المواجهة الأخيرة بين طهران ودولة الاحتلال.

الذكاء الاصطناعي.. جوهر الزيارة

كان ملف أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي في صدارة أجندة ولي العهد، إذ أكد أن السعودية تحتاج إلى قدرات حوسبة ضخمة بقيمة تتجاوز 50 مليار دولار، وشدد على أن شراء هذه القدرات يأتي لتلبية “احتياجات حقيقية” داخل المملكة، وليس بهدف “إرضاء الولايات المتحدة”.

وتنظر السعودية إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره محور ثقل جديد في الاقتصاد العالمي، بينما تتردد واشنطن في السماح بتصدير شرائح حوسبة متقدمة قد تمنح الرياض تفوقاً كبيراً في هذا المجال.

“أنا لا أكتفي بسلام القبضة”

في مقارنة مع زيارة الرئيس السابق جو بايدن للرياض عام 2022، حين اكتفى بمصافحة ولي العهد بقبضة اليد، قال ترامب ساخراً: “أنا لا أستخدم سلام القبضة… أنا أصافحه بيدي وأياً يكن أين كانت تلك اليد”.

وجاءت هذه التعليقات ضمن سياق استعراض ترامب لطبيعة العلاقة الشخصية التي تربطه بولي العهد، قائلاً إنه يتحدث معه مباشرة دون المرور بطاقم الأمن القومي، وإن التواصل بينهما “مباشر وسهل في أي وقت”.

معادلة جديدة في العلاقات السعودية–الأمريكية

أظهرت الزيارة تحولاً واضحاً في ديناميكيات العلاقة بين الطرفين، إذ لم يكن ترامب هو صاحب اليد العليا وحده في المشهد، فالمملكة باتت تمتلك أوراق نفوذ اقتصادية وتقنية تمنحها قدرة أكبر على صياغة العلاقة مع واشنطن، بعيداً عن الصورة التقليدية القائمة على صفقات السلاح فقط.

كما أظهرت الزيارة أن ولي العهد بات لاعباً مركزياً في السياسات الأمريكية المتعلقة بالطاقة والذكاء الاصطناعي والاستثمار، بينما تسعى واشنطن إلى الحفاظ على موقعها في منطقة تشهد تحولات في موازين القوى.

مقالات ذات صلة