تنظر المحكمة العليا في لندن، اليوم الأربعاء، فيما إذا كانت وزيرة الداخلية السابقة يَفيت كوبر قد تصرفت ضمن صلاحياتها القانونية عندما قررت حظر مجموعة “فلسطين آكشن”، وهي حركة احتجاجية معروفة باستهدافها شركات السلاح الداعمة لدولة الاحتلال.
فقبل أربعة أشهر فقط، لم يكن أحد يتصور أن رفع لافتة من الورق المقوّى قد يعرّض حاملها للاتهام بالإرهاب.
لكن منذ إدراج “فلسطين آكشن” على قائمة المنظمات المحظورة، نفذت الشرطة البريطانية مداهمات للمنازل في ساعات الفجر، وصادرت هواتف وأجهزة حواسيب، وفرضت شروط كفالة قاسية على أشخاص ليس لهم أي سجل جنائي.
وقد وجد معلمون ومتقاعدون وطلاب ورجال دين ونشطاء مجتمع أنفسهم محتجزين ومتهمين بموجب المادتين 12 و13 من قانون الإرهاب، فقط لأنهم حملوا لافتة كتب عليها: “أعارض الإبادة.. أدعم فلسطين آكشن”.
ووفق مجموعة “دافعوا عن المحلفين” (DOJ)، التي تقود الاحتجاجات ضد الحظر، فقد تجاوز عدد المعتقلين حتى الآن 2000 شخص.
وتُظهر بيانات حكومية رسمية أن الاعتقالات بموجب المادة 13 منذ صدور الحظر بلغت أربعة أضعاف إجمالي الاعتقالات التي جرت بموجب المادة نفسها طوال فترة “الحرب على الإرهاب” منذ 2001.
وتباين تعامل الشرطة عبر المملكة المتحدة بشكل كبير، ففي اسكتلندا وأيرلندا الشمالية كانت الاعتقالات محدودة، بينما نفذت الشرطة في إنجلترا وويلز حملات واسعة، في ما وصفه DOJ بأنه نتيجة “الفوضى القانونية” التي صاحبت الحظر.
وبموجب القوانين البريطانية، فإن دعم جماعة محظورة حتى لو كان دعمًا رمزيًا قد يعرّض صاحبه لعقوبة تصل إلى 14 عامًا سجنًا.
ورغم الانتقادات الواسعة من منظمات حقوقية ومسؤولين في الأمم المتحدة، تصر الحكومة البريطانية على موقفها، وتستعد للدفاع عن قرار الحظر أمام المحكمة العليا في مراجعة قضائية تُعد الأولى من نوعها في هذا السياق.
فعلى مدى ثلاثة أيام، ستبحث المحكمة فيما إذا كانت كوبر قد تصرفت بشكل قانوني عند اتخاذها قرار الحظر، في حين يجادل محامو هدى العموري، الشريكة المؤسسة لــ فلسطين آكشن بأن القرار غير قانوني من أربعة جوانب.
ووفقاً للمحامين فإن القرار شكل تدخلًا غير متناسب في حرية التعبير والاحتجاج، وقالوا أن الحكومة فشلت في إجراء المشاورات اللازمة قانونيًا، وأن وزارة الداخلية تجاهلت مستوى التأييد الشعبي الواسع للحركة، وأن الحكومة لم تلتزم بسياساتها الداخلية المنظمة لإجراءات الحظر.
وقبل بدء الجلسات، أثار استبدال القاضي المسؤول عن الملف في اللحظات الأخيرة، من دون تفسير، جدلًا واسعًا، إذ تم استبداله بثلاثة قضاة آخرين.
خلفية الحظر… وغياب الأدلة
وفُرض الحظر بعدما اقتحم أعضاء فلسطين آكشن قاعدة RAF Brize Norton الجوية وألحقوا، وفق ادعاءات حكومية، أضرارًا “بملايين الجنيهات” بطائرة عسكرية، وهي مزاعم اعترفت الحكومة لاحقًا بأنها غير قادرة على إثباتها، حسب وثائق “حرية المعلومات”.
وقالت الحركة إنها اقتحمت القاعدة احتجاجًا على تورط الحكومة البريطانية في رحلات تجسس من قبرص فوق غزة.
وقبل الحظر، اكتسبت الحركة شهرة واسعة بسبب استهدافها مصانع شركات السلاح التابعة لشركة Elbit Systems، أبرز مورّدي الأسلحة لجيش الاحتلال.
وكشفت وثائق قُدمت في المحكمة أن أجهزة الأمن البريطانية نصحت الوزراء بأنه “من غير المرجح للغاية” أن تدعو فلسطين آكشن للعنف.
كما خلص مركز تحليل الإرهاب التابع لجهاز MI5 إلى أن معظم أنشطة الحركة “لا تُصنَّف أعمالًا إرهابية، لكنها تنطوي على مخالفات قانونية”.
عواقب سياسية وقانونية واسعة
وكانت وزارة الداخلية قد خسرت الشهر الماضي محاولة لمنع الحركة من اللجوء إلى المراجعة القضائية، إذ جادلت بأن البرلمان قصد أن تتولى “لجنة الطعون الخاصة بالمنظمات المحظورة” (POAC) مثل هذه الطلبات.
لكن محكمة الاستئناف رفضت هذا الموقف، معتبرة أن المراجعة القضائية هي المسار “الأسرع والأكثر ملاءمة”، وهو قرار قد تكون له تداعيات قانونية بعيدة المدى.
وبالنسبة للحقوقيين والمعتقلين والمتظاهرين، فإن نتيجة هذه المراجعة ستحدد مستقبل فلسطين آكشن ومستقبل حرية الرفض السياسي في بريطانيا.
من جهتها، اعتبرت منظمة Cage International، التي تتابع ضحايا “الحرب على الإرهاب” منذ 2001، أن بريطانيا وسّعت سلطاتها القمعية تدريجيًا لإسكات المعارضين وتحصين السلطة من المساءلة.
ويقول المتحدث باسم المنظمة، أنس مصطفى أن “حظر فلسطين آكشن تجاوز حدود ما يمكن للرأي العام تقبله، وقد ارتد على الحكومة لأن الوعي الشعبي تغيّر”.
وأضاف: “الناس يرون ما يحدث في غزة، ويدركون من يحاول وقف المشاركة البريطانية في تلك الجرائم”.
وتابع: “نأمل أن يدرك القضاة خلال المراجعة القضائية أن القرار العقلاني والأخلاقي الوحيد هو رفع الحظر، وإن حدث ذلك، فلن يُحسب للقضاء بقدر ما يُحسب للجماهير التي رفضت تجريم الضمير الحي”.







