وقّع عمدة نيويورك المنتهية ولايته، إريك أدامز، مساء الأربعاء، مرسومين تنفيذيين يقيّدان مقاطعة دولة الاحتلال داخل مرافق المدينة العامة، ويمهّدان كذلك لفرض قيود على الاحتجاجات قرب دور العبادة.
ووُصفت إجراءات أدامز بأنها تُحاصر العمدة المنتخب، زهران ممداني، وتجبره على الاختيار بين تبنّي هذه السياسات أو إلغائها، مع ما يحمله الخياران من ردود فعل قوية.
يأتي ذلك قبل ثلاثة أسابيع فقط من مغادرة أدامز منصبه، وبعد سنوات من تبنّيه خطاباً وسياسات داعمة بقوة لدولة الاحتلال، وسط تصاعد الانتقادات لطريقة تعامله مع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في المدينة.
وتواجه حركة قطع العلاقات وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، تصعيداً لافتاً داخل الولايات المتحدة، إذ اعتمدت 38 ولاية حتى الآن قوانين مناهضة للحركة.
وتمارس حركة المقاطعة أنشطتها منذ عقدين وتدعو لاستخدام الضغط المدني السلمي لمحاسبة دولة الاحتلال على احتلالها العسكري وممارسات الفصل العنصري والحصار والإبادة الجارية في غزة.
وبموجب المرسوم الجديد الذي وقعه أدامز، فإن نيويورك سيتي تصبح واحدة من الجهات التي تمنع التعامل التجاري مع أي طرف يرفض الانخراط مع شركات مرتبطة بدولة الاحتلال أو يدعو لمقاطعتها، رغم أن ولاية نيويورك كانت قد سنّت بالفعل قانوناً مشابهاً.
وبذلك، يضع أدامز خلفه، العمدة المنتخب زهران ممداني المدافع الصريح عن حركة المقاطعة في زاوية حرجة، فإما تثبيت القرار، أو نقضه، وكلا الخيارين يفتح الباب لسجال سياسي محتدم في مدينة تضم أكبر تجمع لليهود خارج دولة الاحتلال، والذين يقدر عددهم بنحو مليون شخص، إلى جانب جالية مسلمة تقارب ذلك في حجمها.
ودافع أدامز عن قراره عبر منصة X قائلاً: “المرسوم التنفيذي 60 يوضح أنه لا مكان لحركة المقاطعة في مدينتنا، الحركة معادية للسامية وتمييزية بطبيعتها، ويجب أن تخدم عقود ومعاشات المدينة الصالح العام”.
وبحسب مكتب العمدة، فإنه يتم استثمار 300 مليون دولار من أصل 300 مليار دولار من أموال تقاعد موظفي المدينة في سندات وأصول مرتبطة بدولة الاحتلال.
ويشدّد المرسوم على أن قرارات الاستثمار يجب أن تُتخذ بناءً على “المصلحة المالية” حصراً، لا على أساس “التمييز ضد مواطني دولة الاحتلال”.
ولا تشمل هذه الحماية القانونية أي دولة أجنبية أخرى، ما يعكس خصوصية العلاقة السياسية والاقتصادية التي تربط المؤسسات الأمريكية بدولة الاحتلال.
نحو منع الاحتجاجات قرب دور العبادة
أما المرسوم التنفيذي الثاني الذي وقعه أدامز فقد كلّف شرطة نيويورك بدراسة تعديلات على دليل العمل الأمني لتقييد التظاهرات التي قد تُفسَّر بأنها “ترهيب للمصلين”، بما في ذلك إقامة مناطق احتجاج بديلة بعيدة عن دور العبادة.
وجاءت هذه الخطوة بعد احتجاج أمام كنيس “بارك إيست” في مانهاتن الشهر الماضي، خلال فعالية داخلية هدفت للترويج لانتقال اليهود من نيويورك إلى المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وهي مستوطنات تُعدّ غير قانونية وفق القانون الدولي.
وهتف المحتجون خارج الكنيس بشعارات بينها “الموت لجيش الاحتلال” و”عمّموا الانتفاضة”.
ورغم أن ممداني دان بعض العبارات المستخدمة، إلا أنه شدّد على أن “الأماكن الدينية لا ينبغي أن تُستغل للترويج لأنشطة تنتهك القانون الدولي”.
أما رابطة “مناهضة التشهير” (ADL)، المعروفة بمواقفها الداعمة لرواية دولة الاحتلال، فاعتبرت أن الفعالية تشجّع اليهود على العودة إلى “وطنهم الأسطوري”.
وبعد فوز ممداني في انتخابات 4 نوفمبر/تشرين الثاني، قام أدامز بزيارة رسمية ممولة من أموال دافعي الضرائب إلى دولة الاحتلال، وأثار جدلاً واسعاً عندما قال في القدس المحتلة إنه “خدم الإسرائيليين” خلال توليه منصب العمدة.
وكان أدامز قد قال أمام الحضور في ذات المناسبة: “أردت العودة إلى هنا لأقول لكم إنني خدمتكم كعمدة، وأريد الاستمرار بحمل اللقب الأكثر أهمية بالنسبة لي، أنا أخوكم”.
وكانت زيارة أدامز قد تزامنت مع انتشار تساؤلات حول النفوذ السياسي لدولة الاحتلال داخل الولايات المتحدة، في ظل مواقف أدامز التي تميل بوضوح إلى تبنّي الرواية الرسمية لتل أبيب.
ولم يختفِ هذا التباين الحاد بين الرجلين خلال الحملة الانتخابية، إذ سُئل المرشحون جميعاً عن “أول دولة سيزورونها” إذا فازوا، أجابوا جميعاً أنها ستكون الدولة العبرية، باستثناء ممداني، الذي قال: “سأبقى في نيويورك سيتي”.
شهدت فترة أدامز تزايداً في قمع التظاهرات المؤيدة لفلسطين، من قمع تظاهرة يوم النكبة في بروكلين، إلى اقتحام مخيمات الطلبة بجامعة كولومبيا.
وتقول منظمات حقوقية إن ذلك يعكس نمطاً أوسع لتجريم العمل السياسي المؤيد لفلسطين، في وقت دافع فيه أدامز مراراً عن سلوك الشرطة واتهم الطلبة بأنهم “ألعاب في يد محرضين خارجيين”.
ويُذكر أن أدامز واجه لائحة اتهام فدرالية تتعلق بتلقي “تبرعات غير قانونية” و”منافع قيّمة” من رجال أعمال أتراك منذ عام 2014، قبل أن تُسقط التهم بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري، فيما يواصل أدامز نفيه أي تورط.







