بقلم ديفيد هيرست
ترجمة وتحرير مريم الحمد
إن كلمات نيلسون مانديلا المخطوطة على اللوحة الموجودة عند مدخل جزيرة روبن كأشهر سجناء الجزيرة، السجين 46664 تدق مثل ناقوس الموت على دولة إسرائيل اليوم.
جاء فيها: “يقال أن لا أحد يعرف أمة ما حق المعرفة إلا بعد أن يدخل سجونها، ولا ينبغي الحكم على الأمة من خلال الطريقة التي تعامل بها مواطنيها الرفيعين بل من خلال معاملتها لأدنى مواطنيها”.
لقد أعادت إسرائيل حتى الآن جثث 345 فلسطينياً كانوا قد “اختفوا” عندما غزت إسرائيل قطاع غزة قبل عامين إلى مستشفى ناصر في خان يونس، عادوا مشوهين للغاية لدرجة أنه تم التعرف على 99 منهم فقط حتى الآن.
عندما تعرف محمد عايش رمضان على بقايا شقيقه أحمد الذي فُقد في اليوم الأول للحرب، وجد الجثة محترقة وبها ثقوب رصاص وشق رأسي يمتد من صدره إلى الأسفل، كما تم قطع أحد أصابع قدم أخيه، حيث يقوم الأطباء الإسرائيليون ببتر أصابع اليدين والقدمين بشكل روتيني لتحديد الحمض النووي، بحسب الأطباء الفلسطينيين.
ورغم افتقارهم إلى الأدوات اللازمة للتأكد من فقدان أي من أعضاء أحمد، إلا أن العلامات الموجودة على جسده كانت تشير بقوة إلى أنه تم استخدام أعضائه الداخلية للبيع.
علاوة على ذلك، فقد بدت على الجثث الأخرى علامات تعذيب واضحة، حيث اكتشفت زينب إسماعيل شبات، من بيت حانون شمال قطاع غزة، بأن إصبع السبابة لدى شقيقها المفقود محمود البالغ من العمر 34 عاماً، مقطوع ويداه مقيدتان خلف ظهره، كما خلفت آثار القيود المعدنية خدوشاً في قدميه، ويبدو أن وجهه قد ضُرب بعنف لدرجة أن جمجمته كُسرت وظهرت على رقبته علامات الشنق.
قالت زينب: “كان من الواضح أنه استشهد وهو مقيد، وكان مجرداً من ملابسه بالكامل، وكان هناك طلق ناري في فخذه، وكانت هناك قطع صغيرة من الخشب على صدره”.
الاغتصاب والتعذيب
تختلف التقديرات حول عدد الفلسطينيين الذين ارتقوا في السجون الإسرائيلية خلال العامين الماضيين، حيث تشير البيانات التي حصلت عليها منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل من الجيش الإسرائيلي وإدارة السجون إلى أن العدد هو 98، لكن المجموعة أوضحت بأن هذا ربما يكون أقل من العدد بشكل كبير، حيث لا يزال مئات المعتقلين الآخرين من غزة في عداد المفقودين.
“إسرائيل تنتهج سياسة دولة بحكم الأمر الواقع تتمثل في التعذيب المنظم والواسع النطاق ويشمل الضرب المبرح ومهاجمة الكلاب والصعق بالكهرباء والإيهام بالغرق واستخدام أوضاع الإجهاد لفترات طويلة والعنف الجنسي” – لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتعذيب
ويصف الأسرى الذين نجوا من الاعتقال أقسى أشكال التعذيب، فوفقاً لشهادات المعتقلين التي تلقتها منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم”، فقد اقتحمت القوات الخاصة زنزانة في سجن كتسيعوت في نوفمبر عام 2023 وضربت النزلاء بالهراوات حتى نزفوا من رؤوسهم، فانهار الأسير ثائر أبو عصب ذو 38 عاماً وبقي جسده على الأرض لمدة ساعة وهو ينزف ولا يستجيب، حتى تم إخراجه من الزنزانة وإعلان وفاته.
أما معسكر سدي تيمان، فقد اكتسب سمعة خاصة فيما يتعلق بالاغتصاب والتعذيب والقتل، حيث أشار أحد الأسرى السابقين، في مقابلة مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بأنه تعرض للاغتصاب من قبل كلب مدرب بشكل خاص.
قال: “جردنا من ملابسنا بالكامل وأحضر الجنود كلاباً صعدت علينا وبالت علي، ثم اغتصبني أحد الكلاب وهو يعلم بالضبط ما يفعله، وأدخل قضيبه في فتحة الشرج، بينما استمر الجنود في ضربنا وتعذيبنا ورش رذاذ الفلفل على وجوهنا، واستمر اعتداء الكلب حوالي ثلاث دقائق واستمر القمع الشامل حوالي ثلاث ساعات”.
ووصف إبراهيم سالم، الذي أطلق سراحه في أغسطس بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من الاعتقال، أيامه الـ52 التي قضاها في سدي تيمان بأنها أسوأ كابوس بالنسبة له.
قال: “تقف على ساق واحدة لمدة ساعتين، ثم يقولون لك: ’هل تريد مني أن أساعدك؟‘ وعندما تقول نعم، يقولون لك أن تقول، ’أنا ابن عاهرة، أنا شقيق عاهرة‘، لتقول ’نتنياهو ضاجع أختي، أنا يسرائيل شاي [شعب إسرائيل حي]. والآن كرروا بعدي، أنا إسرائيل شاي! أنا إسرائيل شاي! مائة مرة”، كما تعرض لصعقة كهربائية في أعضائه التناسلية.
وقد كشف سالم عن تعرض أسرى آخرين للاغتصاب على يد مجندات، حيث ينحني الأسير على المكتب ويضع يديه أمامه وهو مقيد اليدين، وتقوم المجندة التي تقف خلفه بإدخال أصابعها وأشياء أخرى في شرجه، وعندما يتفاعل أو يتراجع، كان الجندي الذي يقف أمامه يضربه على رأسه ويجبره على الانحناء مرة أخرى.
كارثة عميقة
وفقاً لتقرير صدر في نوفمبر الماضي عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتعذيب، فإن إسرائيل تنتهج “سياسة دولة بحكم الأمر الواقع تتمثل في التعذيب المنظم والواسع النطاق”، والذي وصفوه بأنه يشمل “الضرب المبرح ومهاجمة الكلاب والصعق بالكهرباء والإيهام بالغرق واستخدام أوضاع الإجهاد لفترات طويلة والعنف الجنسي”.
من جهة اخرى، فقد وجد مكتب النائب العام الإسرائيلي، وهو جزء من وزارة العدل، اكتظاظاً شديداً وجوعاً وضرباً شبه يومي للأسرى الفلسطينيين، مشيراً إلى أن الظروف ترقى إلى “واحدة من أشد أزمات الاعتقال التي عرفتها الدولة”.
ورغم هذا السيل من الأدلة، فقد تمت محاكمة جندي إسرائيلي واحد فقط، حيث حكم عليه بالسجن لمدة 7 أشهر، فيما اتهم 5 جنود آخرين بارتكاب انتهاكات جسيمة والتسبب في أذى جسدي خطير لأسير فلسطيني في سدي تيمان، بعد تسرب اللقطات.
لقد كان هذا التسريب الذي نشرته محامية الجيش الإسرائيلي، يفعات تومر يروشالمي، سبباً في إثارة الغضب ليس بسبب الجرائم في حد ذاتها، بل بسبب الضرر الذي لحق بالصورة العامة للجيش الإسرائيلي، فأُجبرت المحامية على التنحي وعقد الجنود المتهمون بالاغتصاب مؤخراً مؤتمراً صحفياً يطالبون فيه بالتعويض عن “الضرر الذي لحق بصورتهم”.
في المؤتمر الصحفي خارج المحكمة العليا في إسرائيل، تفاخر الجنود المتهمون، الذين كانوا يرتدون أقنعة، في محاولة واضحة لتجنب الملاحقة القضائية في المحكمة الجنائية الدولية، بأنهم ما زالوا أحراراً وقالوا: “سوف ننتصر، فقد حاولت كسرنا، لكنها نسيت شيئاً مهماً وهو أننا من القوة 100″، في إشارة إلى وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لهم.
من جانبه، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إدانة الهجوم، وبدلاً من ذلك، وصف التسريب بأنه “ربما يكون الهجوم الدعائي الأشد خطورة الذي شهدته دولة إسرائيل منذ تأسيسها، فقد كان اهتمامه منصباً على صورة إسرائيل، وليس على الرجل الذي تعرض للوحشية على الشاشة”.
ووفقاً لصحيفة هآرتس، فقد تجنب كبير المسؤولين القانونيين في الجيش الإسرائيلي عمداً إجراء تحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية، خوفاً من رد فعل عنيف من قبل اليمين.
يذكر أن القوات الإسرائيلية اعتقلت حوالي مليون فلسطيني منذ عام 1967، “من بينهم 17 ألف امرأة وفتاة و50 ألف طفل”، حسبما ذكرت لجنة شؤون الأسرى والمحررين في عام 2021، أي 1 من كل 7 من السكان الفلسطينيين.
عقوبة إعدام الفلسطينيين
قدرت المؤسسات ومنظمات الأسرى وجود 9,250 أسير فلسطيني خلف القضبان الإسرائيلية حتى نوفمبر الماضي، من بينهم أكثر من 3300 معتقل إداري، محتجزين دون تهمة أو أي شكل من أشكال الإجراءات القانونية.
إن تسمية هؤلاء المعتقلين بالسجناء أو الأسرى ليس دقيقاً، فهم رهائن تحتجزهم إسرائيل كل ليلة في غارات، لكن لا أحد في المجتمع الدولي يكترث لذلك.
لقد ركز وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، فترة ولايته على تحويل حياة السجناء الفلسطينيين إلى جحيم، فخفض حصص الطعام إلى مستويات المجاعة وندد بحكم المحكمة العليا ضد ذلك من خلال التساؤل عما إذا كان هؤلاء هم بالفعل قضاة “إسرائيل”.
لم يكتف بن غفير بذلك، بل بدفع الآن بمشروع قانون في الكنيست لفرض عقوبة الإعدام على “الإرهابيين الذين يعملون ضد الدولة”، وهذا شكل من أشكال الكلمات التي تم اختيارها لاستبعاد اليهود، لأن الإرهاب في نظر اليمين المتطرف لا يمارسه إلا العرب، وهو ما عبرت عنه إحدى رعاة مشروع القانون، عضو الكنيست ليمور سون هار-ملك: “لا يوجد شيء اسمه إرهابي يهودي”.
يذكر أن إسرائيل كانت قد ألغت عقوبة الإعدام في جرائم القتل عام 1954، لكن عقوبة الإعدام ظلت موجودة في دفاتر الجرائم المتعلقة بالمحرقة والإبادة الجماعية، حيث أعدمت إسرائيل شخصاً واحداً فقط في تاريخها وهو أدولف أيخمان، مهندس المحرقة، في عام 1962.
الحقيقة هي أن الرجال والنساء الذين يديرون ويبتهجون بالضرب والاغتصاب والصعق بالكهرباء والتعذيب، لابد وأن يحصلوا على نفس المحاكمة ونفس الجزاء الذي طال أيخمان، فقد ثبت أنهم أبناؤه حقاً!
تم الإبقاء على عقوبة الإعدام في المحاكم العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، لكنها لم تستخدم قط، وقد تم مناقشة هذا الأمر في كثير من الأحيان، وكان رؤساء الشاباك والجيش يرفضونه، والآن أصبح على رأس جهاز الشاباك صهيوني متدين، هو اللواء ديفيد زيني، الذي يدعم مشروع القانون، كما أدى صعود بن غفير إلى السلطة التنفيذية إلى تغيير المشهد.
ما كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه استفزاز يميني أصبح الآن سياسة الدولة، فقد قام بن غفير بتوزيع الحلوى بعد إقرار مشروع القانون في القراءة الأولى، وهناك توقعات بأن يصبح قانوناً الآن.
إرث مانديلا
كما كان الحال في جنوب إفريقيا، فإن السجون الإسرائيلية تضم أيضاً الزعماء الفلسطينيين الرئيسيين الذين يمكنهم التفاوض على إنهاء الصراع.
هناك مروان البرغوثي، أحد كبار قادة فتح الذي يقضي 5 أحكام بالسجن المؤبد، ويتمتع بشعبية كافية ليحل محل محمود عباس كرئيس، وهناك عبد الله البرغوثي، القائد العسكري لحماس الذي يقضي 67 حكماً بالسجن المؤبد.
ويقضي القيادي في حماس إبراهيم حامد 54 حكماً بالسجن المؤبد، بينما يقضي أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حكماً بالسجن 30 عاماً، بالإضافة إلى الأسير حسن سلامة، الذي يقضي 48 حكماً مؤبداً، وعباس السيد، الذي يقضي 35 حكماً مؤبداً.
مؤخراً، انطلقت حملة دولية لإطلاق سراح البرغوثي على نفس المبدأ الذي أدى إلى إطلاق سراح مانديلا، وهو المطلب الأساسي للحركة المناهضة للفصل العنصري، فكما قال مانديلا نفسه: “فقط الرجال الأحرار هم الذين يمكنهم التفاوض، ولا يمكن للسجناء إبرام العقود”.
لقد اعتبر إطلاق سراح مانديلا في ذلك الوقت خطوة رئيسية نحو السلام، حيث مضى في قيادة المفاوضات التي مهدت الطريق لأول انتخابات ديمقراطية متعددة الأعراق في البلاد في عام 1994، والتي فاز بها المؤتمر الوطني الأفريقي بأغلبية ساحقة.
هناك عدد من رؤساء الشاباك السابقين، والذين خرجوا الآن عن السلطة منذ فترة طويلة وليس لديهم أي تأثير تقريباً، يرون ذلك، إلا أن الاتجاه الذي تسلكه إسرائيل تحت القيادة الفعلية لبن غفير يغرق الدولة في حرب دائمة مع الفلسطينيين وجيرانها الإقليميين.
في الوقت نفسه، فإن طبيعة هذه الحرب تتغير من حرب تعتمد أساساً على الأرض إلى حرب صليبية دينية، وسوف تكون لهذه النهاية نفس نهاية كل الحملات الصليبية الأخرى التي حاولت استعمار فلسطين.
إذا كان المجتمع الدولي يريد حقاً إنهاء هذا الصراع الآن، قبل أن يتصاعد إلى مستويات أبعد، فإن إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين يجب أن يصبح المطلب الرئيسي لحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات العالمية.
لقد انطلقت حملة الشريط الأحمر للمطالبة بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين، ولابد من تحدي كل حزب سياسي في بريطانيا لدعم هذه الفكرة وخاصة حزب العمال.
الحقيقة هي أن الرجال والنساء الذين يديرون ويبتهجون بالضرب والاغتصاب والصعق بالكهرباء والتعذيب، لابد وأن يحصلوا على نفس المحاكمة ونفس الجزاء الذي طال أيخمان، فقد ثبت أنهم أبناؤه حقاً!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)







