صادقت الحكومة الألمانية، أمس الخميس، على صفقة تسليح مثيرة للجدل بقيمة 3.1 مليار دولار مع دولة الاحتلال، تقضي بتزويد برلين لتل أبيب بمنظومات الدفاع الصاروخي “آرو–3″، بحسب إعلان وزارة الحرب في دولة الاحتلال.
وتأتي الصفقة بعد اتفاق مماثل بقيمة 3.5 مليارات دولار وُقّع بين الجانبين قبل عامين، ما يجعل العقدين الأكبر في تاريخ صادرات السلاح لدولة الاحتلال، بإجمالي يتجاوز 6.6 مليارات دولار.
وتمنح الصفقة دفعة كبيرة لصناعة الدفاع لدى دولة الاحتلال، في وقت تواجه فيه ضغوطاً متصاعدة بسبب حربها على قطاع غزة، التي وُصفت على نطاق واسع بأنها ترقى إلى إبادة جماعية.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرتي توقيف بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
يذكر أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس كان قد أعلن، خلال الصيف، فرض حظر جزئي على تصدير السلاح إلى دولة الاحتلال، رداً على خططها لاحتلال قطاع غزة المحاصر بالكامل، قبل أن تتراجع برلين عن القرار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتوفر ألمانيا نحو 30% من الأسلحة التي تستوردها دولة الاحتلال، لتحل بذلك في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة التي تقدم نحو 60% من واردات الاحتلال الحربية.
مخاطر قانونية متصاعدة
بالتوازي، لا تزال قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية قائمة منذ ديسمبر/كانون الأول 2023.
وكانت المحكمة قد أقرت في يناير/كانون الثاني 2024 بوجود “خطر معقول” بوقوع إبادة جماعية في غزة، ما يفرض التزامات قانونية على الدول بعدم تقديم الدعم أو التواطؤ مع الأفعال المرتكبة بحق الفلسطينيين.
وقال أندرياس كريغ، الأستاذ المشارك في دراسات الأمن بكلية كينغز في لندن، لموقع ميدل إيست آي، إن “حجم الأضرار المبلغ عنها في غزة، إلى جانب التحذيرات القانونية والقضية القائمة أمام محكمة العدل الدولية، يرفع مستوى المخاطر إلى حد يصبح فيه من الصعب التوفيق بين استمرار نقل السلاح وإبرام صفقات كبرى مع المعايير التي تعلنها ألمانيا نفسها”.
وأضاف: “لا يمكن لبرلين أن تقدم حزمة تسليح موسعة بوصفها عملاً اعتيادياً، وفي الوقت ذاته تزعم أنها تطبق اختبارات صارمة لمنع توريد السلاح في حال وجود خطر واضح بوقوع انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني”.
من جهته، قال وزير دفاع دولة الاحتلال، إسرائيل كاتس، إن موافقة ألمانيا على الصفقة تعد تعبيراً واضحاً عن “الثقة العميقة” التي تضعها ألمانيا في دولة الاحتلال.
من جانبه، أوضح المدير العام لوزارة حرب الاحتلال اللواء أمير بارام، أن الاتفاق سيسمح بزيادة الإنتاج العسكري داخل الدولة العبرية، واصفاً الصفقة بأنها جزء من تعميق العلاقات الاستراتيجية بين برلين وتل أبيب.
وأضاف بارام أن الصفقة ستعزز مكانة دولة الاحتلال كقوة دفاعية عالمية، و “ستوسع وتسرّع إنتاج منظومات آرو” لجيش الاحتلال أيضاً، وستضخ مليارات الدولارات في الصناعات الدفاعية، ما يعني، عملياً، تعزيز القدرة على تصنيع واستخدام الأسلحة في غزة والضفة الغربية المحتلة.
صفقات إضافية وتسليح غير مسبوق
وشهدت مشتريات ألمانيا العسكرية من دولة الاحتلال توسعاً غير مسبوق خلال العام الماضي، ففي أكتوبر/تشرين الأول، اتفقت برلين مع شركة “يورو سبايك”، التابعة لشركة “رافائيل” الإسرائيلية العاملة في أوروبا، على تزويد الجيش الألماني بصواريخ “سبايك” المضادة للدبابات، في صفقة تقدر بنحو ملياري دولار.
وفي أغسطس/آب، اختارت ألمانيا منظومة “لايتننغ–5” للتوجيه والاستهداف، التي تنتجها “رافائيل” على مقاتلات “تايفون”، في صفقة تتجاوز قيمتها 400 مليون دولار.
وحذّرت الكاتبة والصحفية الفلسطينية المقيمة في ألمانيا، هبة جمال، من أن “ألمانيا أوضحت للمجتمع الدولي أنها لا تولي القانون الدولي وزناً يُذكر عندما يتعلق الأمر بدولة الاحتلال”.
وأضافت أن برلين تلجأ، في مواجهة أي انتقاد، إلى مفهوم “شتاتسراسون” (شتم الدولة)، الذي يعتبر أمن دولة الاحتلال جزءاً من أسس الدولة الألمانية، ويبرر دعماً غير مشروط لها على خلفية الجرائم التاريخية التي ارتكبها النازيون بحق اليهود.
وقالت جمال إن “إعادة التأكيد على مبدأ شتاتسراسون تعني أن حماية دولة أجنبية باتت أهم لدى النخبة السياسية الألمانية من مسؤوليتها أمام الرأي العام والمحكمة الجنائية الدولية”.
سياق سياسي داخلي
وتعكس وتيرة الصفقات العسكرية بين ألمانيا ودولة الاحتلال أوسع خطة لإعادة التسلح تشهدها ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
فبعد أقل من سبعة أشهر على توليه المنصب، يواجه المستشار ميرتس ضغوطاً سياسية داخلية متزايدة، في ظل تسارع الإنفاق العسكري.
ويوم الأربعاء، وافقت ألمانيا على إنفاق عسكري يقارب 60 مليار دولار، مع توقع أن يتجاوز إجمالي إنفاقها الدفاعي 580 مليار دولار بين عامي 2025 و2029.
وقال المحلل المستقل أوري غولبرغ، في حديث لموقع ميدل إيست آي من دولة الاحتلال، إن “ألمانيا، في عهد ميرتس، تبني آلة حرب، ودولة الاحتلال مستعدة لتزويد هذه الآلات”،.
وأضاف أن “الأمر صفقة تجارية ذكية”، لأن دولة الاحتلال متعطشة للمال، والدولة الألمانية “ظلت تاريخياً منحازة لها بشكل غير متوازن”.
وأشار غولبرغ إلى أن ميرتس “يرى أن مستقبله السياسي مرتبط بهذا الملف”، معتبراً أن هذا الدعم مفيد للاحتلال “بشكل محدود جداً”.
ورجح أن برلين لن تواصل هذا الموقف إذا استمرت دولة الاحتلال في سياساتها الحالية، لافتاً إلى أن غياب الحديث عن زيارة مرتقبة لنتنياهو إلى برلين “ليس أمراً عرضياً”.







