عام الإبادة… عام نتنياهو الذهبي: كيف حوّل 2025 إلى انتصار شخصي؟

بقلم عبد أبو شحادة

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

قد يبدو هذا السؤال للوهلة الأولى مستفزًا، إذ كيف يمكن اعتبار عام 2025 “ناجحًا” لرئيس وزراء قاد بلاده وسط إبادة جماعية في غزة، وخسائر بشرية فادحة، وتآكل داخلي غير مسبوق؟.

لكن عند النظر من زاوية مصالح بنيامين نتنياهو الشخصية والسياسية، يتضح أن هذا العام قد يكون هو الأكثر نجاحًا فعلاً في مسيرته الطويلة.

فمنذ فترة، تتصدر قوائم الموسيقى في دولة الاحتلال أغنية بعنوان “دائمًا أحبني”، وقد حققت نحو 44 مليون مشاهدة على يوتيوب، وهو رقم لافت قياسًا بعدد السكان ومحدودية الجمهور المتحدث بالعبرية عالميًا. 

وليست الأغنية مجرد ظاهرة فنية، بل مرآة تعكس حال دولة الاحتلال في عام 2025، حال يكسوه خطاب ديني مشحون بالرمزية، وتفاؤل مفرط يطالب بأن يكون كل شيء “على ما يرام دائمًا”، وانعدام شبه تام للنقد الذاتي، وانفصال كامل عن الواقع.

وطوال العام، كانت هذه الأغنية تُبث في كل مكان، بينما كان جيش الاحتلال ينفذ إبادة جماعية في غزة، ويخسر نحو 450 جنديًا، ويشهد مقتل عشرات المستوطنين في حوادث أمنية، إلى جانب ارتفاع ملحوظ في حالات الانتحار داخل الجيش واضطرابات ما بعد الصدمة، وتزايد العنف الأسري، واستمرار حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، وبينما يرقص كان مجتمع الاحتلال يتراقص على أنغام هذه الأغنية، سيُسجل عام 2025 بوصفه العام الأكثر نجاحًا في مسيرة بنيامين نتنياهو السياسية.

فقبل خمسة أعوام فقط، وُجهت إلى نتنياهو ثلاث لوائح اتهام جنائية، وفي الأشهر التي تلت ذلك، تمكنت المعارضة من انتزاع أغلبية في الكنيست وتشكيل حكومة، ليجد نتنياهو نفسه، ولو مؤقتًا، في مقاعد المعارضة، غير أن عودته إلى السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 قلبت المعادلة رأسًا على عقب.

ففور عودته، أطلق نتنياهو خطة شاملة لإضعاف السلطة القضائية وتقليص صلاحيات المحكمة العليا، ما فجّر موجة احتجاجات غير مسبوقة شارك فيها مئات الآلاف أسبوعيًا. 

وفي مشهد رمزي لتلك المرحلة، حوصرت زوجته سارة نتنياهو داخل صالون لتصفيف الشعر في تل أبيب أثناء إحدى التظاهرات.

ثم جاءت ضربة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين نفذت حركة حماس هجومها، وهو الأعنف الذي تتعرض له دولة الاحتلال منذ عام 1948.

تزامن ذلك مع استمرار محاكمات نتنياهو، ما جعل مستقبله السياسي يبدو مهددًا، لكن، ومع نهاية عام 2025، فإن صورته بدت مختلفة تمامًا.

إضعاف منظومة القانون

خلال الشهر الماضي، قُدم طلب رسمي للحصول على عفو رئاسي عن نتنياهو إلى الرئيس إسحاق هرتسوغ، وفي السابق، كان طلب مثل هذا العفو مشروطًا بالاعتزال الكامل للحياة السياسية، لكن المعادلة تغيرت اليوم. 

فالرئيس الأميركي دونالد ترامب، أقوى رجل في العالم، يدعم العفو علنًا، ونتنياهو نفسه لا يترك مجالًا للشك بأنه لا ينوي مغادرة المشهد السياسي.

وخلال هذا العام، نجح نتنياهو في إضعاف المؤسسات القانونية في دولة الاحتلال، وشن معركة مفتوحة ضد المستشارة القضائية للحكومة، مستندًا إلى ائتلاف يقوم على اليمين الديني المتطرف، الذي استغل الوضع لتوسيع نفوذه وتعميق حضوره في مفاصل الدولة.

فقد وسع وزير “الأمن القومي” إيتمار بن غفير سيطرته على الشرطة، عبر تعيينات تقوم على الولاء الأيديولوجي. 

أما وزير الاتصالات شلومو كرعي، فقد دفع باتجاه إصلاحات إعلامية تخدم المنصات اليمينية وتُضعف الإعلام العام. 

وفي وزارة المالية، استغل بتسلئيل سموتريتش موقعه المزدوج، كوزير مالية وفاعل داخل وزارة الدفاع، لفرض تغييرات هيكلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال نقل الصلاحيات من الإدارة العسكرية إلى هيئات مدنية، في خطوة تُعد ضمًا فعليًا للأراضي.

في المقابل، عملت وزيرة “المساواة الاجتماعية” ماي غولان بلا هوادة على تقليص الميزانيات المخصصة للفلسطينيين المواطنين داخل دولة الاحتلال.

والأخطر من ذلك، أن نتنياهو أعاد تشكيل قيادة الأجهزة الأمنية، ففي وقت سابق من العام، استقال رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي، بعد ضغوط واتهامات متواصلة من نتنياهو وحلفائه بشأن إخفاقات السابع من أكتوبر، وسارع نتنياهو إلى تعيين إيال زامير، المعروف بنهجه الهجومي، خلفًا له.

كما شهد العام أزمة حادة مع رئيس جهاز الشاباك رونين بار، انتهت باستقالته في يونيو/حزيران، ليحل محله دافيد زيني، أحد أكثر الشخصيات اليمينية تطرفًا في نزعتها الدينية، حيث يُنظر إليه على نطاق واسع كشخصية قد تُسخّر الجهاز الأمني لخدمة أجندة نتنياهو السياسية.

أما المرشح المقبل لرئاسة جهاز الموساد، فهو رومان غوفمان، الذي لا ينتمي إلى المؤسسة الاستخباراتية التقليدية، بل كان السكرتير العسكري لنتنياهو، ما يعزز قبضة الأخير على أهم أذرع الدولة الأمنية.

تحديات عسكرية في الأفق

ورغم التوترات مع الأحزاب الحريدية، خاصة حول مسألة تجنيد طلاب المعاهد الدينية، لا يزال نتنياهو قادرًا على إدارة ائتلافه القائم على المصالح المتبادلة، دون أن تُقدم هذه الأحزاب، حتى الآن، على كسر تحالفها معه.

وسيُذكر عام 2025 باعتباره العام الذي نجح فيه نتنياهو في تفكيك منظومة الضوابط والتوازنات المؤسسية في دولة الاحتلال، بما يخدم بقاءه السياسي. 

ففي الوقت الذي يعيش فيه مجتمع الاحتلال حالة من النشوة والانفصال عن الواقع، يدرك نتنياهو تمامًا حجم التآكل في المكانة الدولية لدولته، وحجم التحديات العسكرية المقبلة.

فعام 2026 يلوح في الأفق كعام حروب محتملة: وقف إطلاق نار هش في لبنان، تعميق الاحتلال في جنوب سوريا، وقلق متزايد من تنامي الشرعية الدولية للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، المدعوم من دول الخليج وتركيا والولايات المتحدة.

ويبقى قطاع غزة في قلب المشهد، فقد كشف هذا العام عن مستوى غير مسبوق من الازدراء الكامل للحياة الإنسانية، وعن غياب أي التزام حقيقي من دولة الاحتلال باتفاقات وقف إطلاق النار. 

ولولا الضربة الاستراتيجية الخاطئة في الدوحة خلال سبتمبر/أيلول، التي دفعت دولًا عربية وإسلامية للضغط على واشنطن من أجل وقف النار، لكانت آلة القتل قد استمرت حتى العام الجديد.

وعلى مدار عامين، لم يشهد مجتمع الاحتلال حراكًا شعبيًا واسعًا ضد سياسة الحكومة في غزة، ومع تراجع وتيرة القتل الجماعي وتلاشي القضية من التغطية الإعلامية الدولية، يبدو أن هذا الواقع مرشح للاستمرار في 2026.

من منظور نتنياهو، لا يوجد سبب يدفعه للتراجع، فإضعاف مؤسسات الدولة، وبث الخوف في نفوس الموظفين العموميين، يقابله عالم عربي وإسلامي تحكمه حسابات ضيقة، وعاجز عن اتخاذ موقف حاسم ضد توسع دولة الاحتلال في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وجنوب سوريا.

إن ترديد الإسرائيليين لأغانٍ تمجد “الاستحقاق” و”العيش الأفضل” يكشف حجم الانفصال بين المجتمع وواقعه الحقيقي، واقع تقوده شخصية مهووسة بالسلطة، وتحالف يميني ديني يدفع المنطقة بأكملها نحو مزيد من الاختلال وعدم الاستقرار.

وفي النهاية، يظل مجتمع الاحتلال غارقًا في ذاته، بلا تعاطف أو اكتراث بمن حوله، بينما تستمر دولة الاحتلال في مسارها التصعيدي، داخليًا وخارجيًا، دون كوابح حقيقية.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة