البحر أخطر من الحرب: كيف تحوّل صيد السمك في غزة إلى طريق نحو السجن أو الموت

ترجمة وتحرير موقع بالعربية

رغم تدمير القصف الإسرائيلي لقارب الصيد الخاص به ولمعداته، إلا أن إسماعيل فرحات قرر العودة إلى البحر، فالصيد لم يكن خياراً بالنسبة له، ولكنها الطريقة التي يستطيع من خلالها إطعام عائلته.

في صباح يوم 8 أكتوبر الماضي، انطلق اسماعيل من شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة على منحدر صغير بناه بنفسه، وبعد فترة وجيزة، اقتربت منه سفينة تابعة للبحرية الإسرائيلية وأمرته بـ “الاستسلام”.

تعرض فرحات للاعتقال والتعذيب والتهديد بالاعتقال إذا عاد إلى الصيد، قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد أكثر من شهرين مؤخراً، حيث قال في حديث مع ميدل إيست آي: “كنت أصطاد مع صياد آخر عندما اقتربت منا سفينة تابعة للبحرية الإسرائيلية فجأة، وأمرونا بخلع ملابسنا والقفز في البحر والسباحة باتجاه سفينتهم”.

منذ بداية الإبادة الجماعية في غزة في 7 أكتوبر عام 2023، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 230 صياداً فلسطينياً

نقابة الصيادين الفلسطينيين

وأضاف: “بمجرد أن صعدنا على متن السفينة، بدأوا في استجوابنا وسألونا أين نعيش وأين كنا قبل نزوحنا، وطلبوا تفاصيل شخصية مثل أرقام هوياتنا وأعمارنا وأرقام هواتفنا المحمولة، كما قام أحد الجنود بتصويري بهاتفه”.

بعد ذلك، اقتربت سفينة أخرى وتم نقل فرحات إليها، حيث تم إخضاعه لاستجواب ثانٍ، وبعد انتهاء الاستجواب، أُطلق سراح فرحات والصياد الآخر وأُمروا بالعودة نحو الشاطئ.

بعد دقيقتين تقريباً من عودتهم، عادت السفينة البحرية وأوقفتهم مرة أخرى، ويقول فرحات: “ناداني أحد الجنود باسمي وأمرني بالقفز في الماء والسباحة نحوه، بينما طلب من الصياد الذي كان معي العودة إلى الشاطئ، ثم اعتقلوني وعصبوا عيني وقيدوا يدي”.

وأضاف: “بدأوا بإهانتي وضربي، كالعادة، اتهموا كل صياد بأنه تابع لحماس وقالوا لي بأنني من حماس وأتظاهر بأنني صياد، وفي كل مرة أرفع رأسي أو أتكلم بكلمة، يضربونني ويهينونني بألفاظ بذيئة”.

في تلك اللحظة، أدرك فرحات أنه على وشك أن يتم اعتقاله، لكنه اعتبر نفسه محظوظاً لأنه لم يُقتل بالرصاص مثل العديد من زملائه الصيادين.

الاعتقال والتعذيب

منذ بداية الإبادة الجماعية في غزة في 7 أكتوبر عام 2023، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 230 صياداً فلسطينياً، وفقاً لنقابة الصيادين الفلسطينيين.

تم نقل فرحات إلى ميناء لم يتمكن من تحديده، قبل نقله إلى سدي تيمان فقال: “طوال هذه الفترة كنت أرتدي السراويل القصيرة فقط، دون أي شيء آخر وكان الطقس شديد البرودة، لكن لم يكن مسموحاً لي أن أقول كلمة واحدة، فعندما وصلت إلى سدي تيمان، أجبروني على خلع السروال وفتشوني وأعطوني ملابس أسير، وكان معي في السجن حوالي 150 أسيراً فلسطينياً، بينهم صيادون وسائقو شاحنات، وكان بعضهم ينقل مساعدات أو بضائع”.

طوال الخمسين يوماً الأولى من اعتقاله، ظل فرحات مكبل اليدين طوال الوقت، فقال:”أنتم تعيشون 24 ساعة في اليوم وأيديكم مكبلة، ممنوع علينا الكلام أو الميل إلى أي جانب أو النوم،  ولم يسمح لنا بالفراش، فقد كنت أنام على شبكة حديدية”.

وأضاف: “أحياناً، بسبب الإرهاق الشديد، كنت أنام أو أتكئ دون قصد، فيعاقبونني على الفور ويجبروني على الوقوف لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات”.

على مدى أكثر من شهرين في الحجز، أكد فرحات بأنه كانت يتم معاملته وزملاءه من الصيادين كمجرمين دون توجيه اتهامات رسمية لهم مطلقاً، فقد التقى خلال هذه الفترة بالعديد من زملائه الصيادين المحتجزين في نفس المنشأة، بعد أن تم اعتقال العديد منهم بسبب صيد الأسماك وسط التجويع الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ شهر مارس.

يقول فرحات: “في بعض الليالي، كانت تأتي وحدة يطلقون عليها اسم “الكوماندوز” تدخل السجن وتقوم بإلقاء قنابل الصوت والدخان على الأسرى، وفي معظم الأحيان، كانوا يجبروننا على البقاء راكعين”.

وأضاف: “عندما نمرض أو نتألم، كنا نطلب مسكناً للألم، لكنهم كانوا يرفضون تماماً ويتركوننا أياماً دون أي دواء، وفي حالات نادرة، كانوا يصوروننا ويخضعوننا لإجراءات طويلة فقط ليعطونا جرعة واحدة من المسكنات”.

انعدام وسائل العيش

أوضح فرحات في شهادته بأنه كان يتم جلب صيادين جدد إلى السجن كل يومين خلال فترة أسره هناك، مشيراً إلى أن أصغرهم طفلين يبلغان من العمر 16 عاماً وأكبرهم يبلغ من العمر حوالي 56 عاماً، ولم يتم إطلاق سراح أي منهم حتى يومنا هذا.

“لا يتجاوز إجمالي إنتاج الأسماك حاليا 2% من مستويات ما قبل الحرب، واليوم، يصطاد جميع الصيادين العاملين في ميناء غزة 16 كيلوغراماً فقط من الأسماك بشكل جماعي، مقارنة بما قبل الحرب، حيث كان الصيد اليومي يصل في بعض الأحيان إلى 15 طناً، فلم يعد يُسمح لأحد بدخول البحر، هذا عقاب جماعي” – زكريا بكر- رئيس لجان اتحاد الصيادين في غزة

يقول فرحات: “قبل اعتقالي، كنا نتعرض بشكل مستمر للمضايقات والاعتداءات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لكن الظروف المعيشية القاسية، وخاصة خلال الحرب، كانت تجبرنا على العودة إلى البحر في كل مرة، فقد خاطرنا بحياتنا لمجرد توفير الغذاء لعائلاتنا، ونحن نعلم أن هذه المهنة عادة ما تؤدي إلى الاعتقال أو الإصابة أو الموت”.

تم إطلاق سراح فرحات في 16 ديسمبر الحالي، كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.

بعد سنتين من الحرب، دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 95% من قطاع صيد الأسماك في غزة، بحسب ما كشف عنه رئيس لجان اتحاد الصيادين في غزة، زكريا بكر، حيث شمل ذلك قتل الصيادين وتدمير معدات الصيد مثل القوارب والبنية التحتية الحيوية التي يعتمدون عليها، بما في ذلك مرافق التخزين ومصنع الثلج وميناء غزة وسوق السمك.

في حديثه لميدل إيست آي، قال بكر: “منذ بداية الحرب وحتى يومنا هذا، تم تخفيض منطقة الصيد المسموح بها إلى الصفر، وتم فرض إغلاق بحري كامل منذ اليوم الأول حتى بعد وقف إطلاق النار”.

بموجب اتفاقيات أوسلو لعام 1993، يسمح نظرياً للصيادين الفلسطينيين بالوصول إلى مسافة تصل إلى 20 ميلاً بحرياً قبالة ساحل غزة، ولكن من الناحية العملية، لم يتم تنفيذ هذا قط.

عودة إجبارية إلى البحر

على مدى العقود الثلاثة الماضية، قلصت إسرائيل منطقة الصيد المسموح بها وقيدتها في أوقات مختلفة إلى ما بين 3-12 ميلاً بحرياً قبل الحرب.

يقول بكر: “خلال الحرب، كان الرد الأساسي للبحرية الإسرائيلية هو إطلاق النار والقتل، ونتيجة لذلك، فقد استشهد 65 صياداً أثناء عملهم في البحر، وبعد وقف إطلاق النار، لجأت القوات الإسرائيلية إلى الاعتقالات وتدمير القوارب، حيث تم اعتقال ما لا يقل عن 28 صياداً بعد وقف إطلاق النار، بينما تم إطلاق سراح واحد فقط”.

ويعتبر الصيادون في غزة من بين أفقر فئات المجتمع، فحتى قبل الحرب، كان 90% على الأقل يعيشون تحت خط الفقر، وفي هذا يقول بكر: “في ظل هذه الظروف، يضطرون إلى الذهاب إلى البحر والمخاطرة بحياتهم لتأمين الغذاء لأنفسهم ومجتمعاتهم”.

بحسب نقابة الصيادين، فقد تم تسجيل حوالي 4500 صياد رسمياً قبل أكتوبر عام 2023، بالإضافة إلى 2000 يعملون بموجب تصاريح مؤقتة و1500 مرتبطين بقطاع الصيد، واليوم، لم يبقى هناك إلا ما بين 400 إلى 500 شخص فقط مرتبطين بأنشطة صيد الأسماك.

يقول بكر: “إنهم يعملون الآن باستخدام عبارات مؤقتة كانت تستخدم في السابق للترفيه وأعيد بناؤها من القوارب المدمرة، وأحياناً حتى من أبواب الثلاجة، وغالباً ما يتم انتشال شباك الصيد من تحت الأنقاض”.

وأضاف: “لا يتجاوز إجمالي إنتاج الأسماك حاليا 2% من مستويات ما قبل الحرب، واليوم، يصطاد جميع الصيادين العاملين في ميناء غزة 16 كيلوغراماً فقط من الأسماك بشكل جماعي، مقارنة بما قبل الحرب، حيث كان الصيد اليومي يصل في بعض الأحيان إلى 15 طناً، فلم يعد يُسمح لأحد بدخول البحر، هذا عقاب جماعي”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة