ترجمة وتحرير موقع بالعربية
قبل عامين من اليوم، أي بعد مرور أكثر من شهرين على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، أعلن القس منذر إسحاق من كنيسة عيد الميلاد الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم، بأن “المسيح بات تحت الأنقاض”.
جاء كلامه ذلك خلال كلمة له عام 2024 بجانب مجسم صنع على أبواب كنيسة المهد ليسوع المولود حديثاً وهو ملفوف بالكوفية الفلسطينية وسط كومة من الركام، ولم يتم إضاءة شجرة عيد الميلاد وقتها، كما أُلغيت الاحتفالات المقررة في مكان ميلاد المسيح.
أما في عام 2025، وتحديداً في 10 أكتوبر الماضي، فقد دخل وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية حيز التنفيذ في غزة، رغم قيام الاحتلال الإسرائيلي بما يقرب من 1000 انتهاك منذ ذلك الحين، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إلا أن الفلسطينيين نالوا استراحة من الغارات الجوية على مدار الساعة والحصار الخانق على الغذاء والدواء.
“نودع عائلة كل أسبوعين أو نحو ذلك، فقد تخلى الناس عن احتمال الحياة بكرامة في وطنهم” – القس منذر إسحاق- بيت لحم
أعادت بيت لحم هذا العام إضاءة أضواء عيد الميلاد من جديد ودعت قيادتها الفلسطينية إلى عودة السائحين ولكن بإذن الاحتلال بطبيعة الحال، حيث منحت هذه الخطوة المسيحيين الفلسطينيين فرصة لالتقاط الأنفاس، سواء في الأراضي المحتلة أو في الشتات.
ويظل هذا العيد حاملاً لذكرى أكثر من 71 ألف شهيد ومئات آلاف الجرحى في غزة، بالإضافة إلى تزايد الاعتقالات والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.
أما إدارة ترامب، والتي تعد الضامن الوحيد لوقف إطلاق النار والكيان الوحيد الذي لديه أي نفوذ على إسرائيل، فقد تركت الأمر إلى حد كبير لأجهزتها الخاصة.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، شارك حساب السفارة الأمريكية في القدس على إنستغرام المخصص لـ “الجمهور الفلسطيني” مقطع فيديو مترجماً باللغة العربية للسفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي وزوجته وهما يسيران في شوارع بيت لحم، ويلتقيان مع البائعين الفلسطينيين ويلتقطان صوراً مع رئيس البلدية الفلسطيني.
في الفيديو، قال هوكابي، وهو مسيحي صهيوني متشدد نفى في السابق وجود الفلسطينيين على الإطلاق: “الولايات المتحدة سوف تدعم دائماً حقك في العبادة”، ولكن المفارقة أن 3% من المسيحيين في غزة قد قتلوا بسبب الهجمات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر عام 2023.
وفي بيت لحم نفسها، أوضح القس إسحاق الذي عاش لسنوات عديدة في بيت لحم قبل انتقاله إلى رام الله، لميدل إيست آي، بأن سكان المدينة يغادرونها، فقال: “نودع عائلة كل أسبوعين أو نحو ذلك، فقد تخلى الناس عن احتمال الحياة بكرامة في وطنهم”، مع تصاعد هجمات المستوطنين الإسرائيليين القاتلة والمدعومة بالأسلحة والسياسة الأمريكية.
ويتضمن التقرير تعليقات أدلى بها مسيحيون أمريكيون من أصل فلسطيني لميدل إيست آي شاركوا فيها أفكارهم حول عيد الميلاد الأول بعد وقف إطلاق النار.
“الأمل يأتي بعد الظلام”
قالت الفلسطينية ليديا الصايغ من أتلانتا في ولاية جورجيا، وهي تعمل في لجنة الأصدقاء للتشريعات الوطنية: “إننا نجتمع على الأمل والتوقع، ما تعلمته عن عيد الميلاد هو أن الأمل يأتي بعد الظلام، فقبل ألفي عام، اضطرت عائلة يسوع إلى الرحيل بسبب نزوات الإمبراطورية، ونجوا من “مذبحة الأبرياء”، وأصبحوا لاجئين بلا مأوى، فكل التجارب التي يعرفها الفلسطينيون اليوم جيداً، وفي الوقت نفسه، نعتقد أن ميلاد يسوع حمل الأمل العميق الخلاص لشعب محتل ومضطهد”.
وأضافت: “في عيد الميلاد هذا العام وأعياد الميلاد القليلة الماضية، نبقى قريبين من بعضنا البعض قدر الإمكان، ونحن نعلم أن الله ليس بعيداً وأن الأمل لا يتأخر بل حاضر في ظلمة الاحتلال والإبادة الجماعية”.
الغربة والتناقضات
قال فيليب فرح المقيم في ولاية فيرجينيا، وهو أحد مؤسسي التحالف المسيحي الفلسطيني من أجل السلام: “الرمزية هي أن هناك ولادة وأمل جديد وسط الكارثة، وما الذي يمكن أن يكون أقرب إلى ذلك من الكارثة التي نمر بها في فلسطين؟ لكن غزة، منذ عام 2023، جعلتني أكثر عزلة عن مؤسسة الكنيسة، بصراحة، أنا لست حتى عضواً في الكنيسة، فلا أذهب إلى الكنائس إلا عندما تتم دعوتي للتحدث عن فلسطين لأن هذه هي عبادتي”.
وأضاف: “علينا أن نحرر أنفسنا من مسيحية الإمبراطورية، فالكنيسة الأمريكية مترددة في الانخراط في أي شيء مثير للجدل يتم تصويره على أنه شيء من ديزني لاند”.
وقال طارق حبش المقيم في واشنطن العاصمة، وهو أحد مؤسسي منظمة “سياسة جديدة”: “كمسيحي أمريكي فلسطيني، يأتي عيد الميلاد محملاً بالتناقضات، فنحن نحتفل بميلاد المسيح بينما نشاهد الأطفال ما زالوا محاصرين تحت الحصار والاحتلال، ونسمع إعلانات السلام بينما يستمر العنف وتظل المساءلة غائبة، فالإغاثة موجودة لكنها هشة، ووقف إطلاق النار اليوم لم يوقف القنابل، بل أبطأها فقط”.
وأضاف: “إن الدمار في غزة لا يزال يتفاقم، والهجمات المتصاعدة في جميع أنحاء الضفة الغربية تسلط الضوء على واحدة من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، فصلواتنا في عيد الميلاد هذا العام ليست فقط من أجل السلام، ولكن من أجل مستقبل تكون فيه الحياة الفلسطينية ذات قيمة”.
وقالت ليلى مخيبر المقيمة في واشنطن العاصمة أيضاً، وهو مديرة الاتصالات في الأونروا بالولايات المتحدة الأمريكية: “من الخطأ والمزعج الاحتفال بميلاد يسوع بينما نتجاهل معاناة الفلسطينيين في نفس الأرض التي ولد فيها يسوع وعاش ومات، وباعتباري مسيحية أمريكية من أصل فلسطيني وناشطة في المجال الإنساني ومدافعة عن غزة التي زرتها عدة مرات، فإنني أرحب بأي توقف للقتل ولكن ليس ما يسمى بوقف إطلاق النار الذي يترك غزة غير قابلة للعيش بسبب الدمار الذي تلحقه القوات الإسرائيلية والحصار وعرقلة المساعدات وتجريد الناس من حقوقهم الإنسانية الأساسية”.
وأضافت: “إن السياسات الأمريكية التي يتم الدفاع عنها غالباً باستخدام نسخ مشوهة من اللاهوت المسيحي تحافظ على استمرار تلك المعاناة، فلا تدع أي شخص يقنعك بأن هذا أمر معقد للغاية بحيث لا يمكن لمسه، وإلى زملائي المسيحيين، لا تخلطوا بين إسرائيل الكتاب المقدس وسياسات الدولة الحديثة”.
“هذه إهانة”
قال خليل جهشان المقيم في واشنطن العاصمة، وهو المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن العاصمة: “بينما كنت أتحدث مع العائلة في غزة، قالوا بأنهم ما زالوا يسمعون بعض عمليات إطلاق النار في الخلفية، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار تحلق فوق المنزل باستمرار طوال اليوم، وهكذا، فهو عيد الميلاد، لكنه ليس عيد الميلاد في نفس الوقت”.
وأضاف: “في حيفا، حتى سانتا تم اعتقاله، لذلك لا يزال الاحتلال هو الموضوع فالاحتلال مستمر، وفي مدينتي الناصرة، اضطروا إلى مقاطعة موكب عيد الميلاد لأن الشرطة الإسرائيلية، بصرف النظر عن المحاولات السابقة للحد من العرض، قررت الانضمام دون إذن، ودون موافقة السكان المحليين، فهو أكثر من مجرد تخويف، إنه إذلال”.
وقالت دانيال بنورة المقيم في ولاية إنديانا، وهو عالم لاهوت وأستاذ مساعد في جامعة نوتردام: “من المشجع رؤية الأضواء والزينة والاحتفالات، لكن هناك القليل من الشعور باليأس والإحباط من الواقع على الأرض، خاصة الآن مع نقاط التفتيش والمصادرة المتزايدة للأراضي التي تنحدر منها عائلتي في بيت ساحور، فقد تم الإعلان عن سيطرة المستوطنين على منطقة عش غراب شرق بيت ساحور لتتحول إلى مستوطنة، وقد أقاموا عدة بوابات بين بيت ساحور وتلك المنطقة”.
وأضاف: “الفلسطينيون غير مرئيين، أليس كذلك؟ هل كان هاكابي يحمي حقنا في الذهاب إلى القدس للعبادة؟ هل كانوا يحمون حقوق المسيحيين في غزة في العبادة؟ هذا جزء من الرواية، أليس كذلك؟ فالمسيحيون أقلية صغيرة يهيمن عليها المسلمون ويضطهدونها، والمسيحيون في الولايات المتحدة هم حماة الأقليات، هذه مجرد دعاية تُستخدم في الغالب لفرض خطاب الإسلاموفوبيا”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)







