تسببت الأمطار الغزيرة والرياح القوية، يوم الاثنين، في غمر العديد من الخيام واقتلاع أخرى في قطاع غزة، ما فاقم الأوضاع المعيشية الكارثية أصلًا التي يكابدها الفلسطينيون، بعد عامين من حرب الإبادة التي شنتها دولة الاحتلال على القطاع.
وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن الرضيع أركان فراس مصلح، الذي لم يتجاوز الشهرين، فارق الحياة يوم الاثنين جراء البرد القارس، في وقت ازدادت فيه قسوة الظروف الشتوية بفعل الحصار الذي يفرضه الاحتلال ومنعه إدخال مستلزمات الإيواء.
ومنذ بداية موسم الأمطار مطلع هذا الشهر، استشهد ما لا يقل عن ثلاثة أطفال بسبب البرد، فيما استشهد 17 آخرون جراء انهيار مبانٍ بفعل العواصف والرياح العاتية.
وبحسب مصادر، فقد تضررت أكثر من 42 ألف خيمة ومأوى مؤقت خلال الفترة ما بين 10 و17 ديسمبر/كانون الأول، ما أثر على نحو ربع مليون فلسطيني في القطاع المحاصر.
ووصف عمرو أكرم، وهو من سكان قطاع غزة ومهجّر حاليًا في خان يونس، قسوة الظروف التي يعيشها الأهالي، وقال لموقع ميدل إيست آي عقب هطول أمطار غزيرة، الاثنين: “نحن نغرق”.
وأوضح الشاب، البالغ من العمر 20 عامًا، أنه اضطر في الأيام الأخيرة للإقامة في خيمة شقيقته بعدما دمرت العاصفة خيمته مطلع الشهر، قبل أن تغمر المياه تلك الخيمة أيضًا يوم الاثنين.
وقال: “صوت الأطفال وهم يغرقون تحت المطر لا يُحتمل، يشعر الإنسان بالعجز التام عن إنقاذ طفل”، وأضاف: “عندما تهطل الأمطار بغزارة، تغرق كل الخيام، الجميع تائهون، لا يعرفون أين يحمون أطفالهم من البرد”.
وأشار أكرم إلى أن البرد القارس والرياح الشديدة يشكلان تهديدًا خطيرًا، مضيفًا: “الرياح قوية إلى درجة أنها تقتلع الخيام، حيث يشتد البرد ليلًا، والرياح مخيفة”، وتابع: “في الليل لا تستطيع حتى إخراج إصبعك من تحت الغطاء بسبب شدة البرد”.
من جهته، قال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل إن أكثر من 90% من الخيام إما اقتُلعت أو غمرتها المياه بفعل الرياح والأمطار الغزيرة، ما يبرز حجم الكارثة الإنسانية المستمرة.
وأضاف بصل أن أكثر من 110 مبانٍ سكنية تعرضت لانهيارات جزئية خطيرة، ما يهدد حياة آلاف الفلسطينيين في مختلف أنحاء القطاع.
وقال أكرم إن أمنيته الوحيدة اليوم هي أن يشعر بالدفء تحت غطاء، وأضاف: “المساعدات شحيحة جدًا ولا تصل إلى جميع العائلات”، وتابع: “وإذا وصلت المساعدة إلى أسرة، فقد لا تتجاوز بطانية واحدة، كيف يمكن لبطانية واحدة أن تكفي عائلة كاملة؟”.
وأكد الحاجة المتزايدة إلى البطانيات والفرش والخيام القادرة على توفير مأوى في ظل السيول والأمطار، داعيًا إلى إدخال كرافانات سكنية لجعل الحياة “أكثر احتمالًا” خلال فصل الشتاء، وأضاف: “في النهاية، الخيمة لا تستطيع الصمود أمام البرد والرياح، الجميع في الوضع نفسه”.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في منشور على منصة X إن “أشهرًا من الحرب والتهجير أجبرت الناس في غزة على العيش وسط أنقاض آيلة للسقوط، داخل ملاجئ مؤقتة أو خيام هشة”.
وأضافت: “بينما كانت العاصفة (بيرون)، التي ضربت غزة منذ 10 ديسمبر، خطرًا طبيعيًا، فإن تداعياتها كانت من صنع الإنسان”.
وفي السياق ذاته، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الأحد، إن دولة الاحتلال تواصل التهرب من التزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، ولا تسمح بدخول 600 شاحنة يوميًا كما هو متفق عليه.
وأوضح المكتب أن نحو 20 ألف شاحنة فقط دخلت القطاع من أصل 48 ألفًا منذ أكتوبر/تشرين الأول، محذرًا من أن ذلك يدفع غزة إلى “موت بطيء”.
وأضاف: “أدى ذلك إلى استمرار النقص الحاد في الغذاء والدواء والمياه والوقود، ما عمّق الأزمة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة”.
كما فاقم منع إدخال الوقود الأوضاع المأساوية، إذ أدى إلى “شلل” قطاعات حيوية عدة، من بينها المستشفيات والمخابز ومنشآت المياه والصرف الصحي، فضلًا عن تعطيل عمليات البحث والإنقاذ.
وأنهى وقف إطلاق النار حرب إبادة استمرت عامين على قطاع غزة، استشهد خلالها نحو 71 ألف فلسطيني، ودُمّر ما يقارب 90% من البنية التحتية للقطاع بفعل عدوان دولة الاحتلال.







