بقلم عبد أبو شحادة
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
لم يكن عام 2025 عامًا سهلًا على الشعب الفلسطيني، فقد امتدت الإبادة الجماعية في غزة إلى ما بعد عامها الثاني، بالتوازي مع تسارع الاستيطان وتصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.
ورغم خروج ملايين البشر حول العالم إلى الشوارع احتجاجًا، واصلت دولة الاحتلال توسيع تغولها العسكري، في ظل غياب شبه كامل لأي نقاش سياسي داخلي جاد يراجع سياساتها، باستثناء الجدل الضيق المتعلق بملف الأسرى الذين كانوا في قبضة المقاومة الفلسطينية في غزة.
وحتى ما يُسمّى بالمعارضة في دولة الاحتلال، التي لا تقل لغتها في كثير من الأحيان عنفًا عن لغة الائتلاف الحاكم، لم تقدّم أي سردية بديلة للفلسطينيين.
ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في أكتوبر/تشرين الأول وبدء عودة الأسرى من غزة، تخلّى الخطاب السياسي والإعلامي في دولة الاحتلال فجأة عن غزة، وانكفأ مجتمع الاحتلال على ذاته، منشغلًا بإعادة صياغة “عقد اجتماعي” جديد يتمحور حول هوية الدولة وطبيعة عمل مؤسساتها.
في هذا السياق، يصبح من الضروري تقييم وضع الفلسطينيين المواطنين داخل دولة الاحتلال، فمنذ الأيام الأولى للإبادة، عملت الحكومة والمجتمع في دولة الاحتلال معًا على مراقبة أي تعبير سياسي فلسطيني، وقمعه وإسكاته.
وفي هذا الإطار، تمّ اللجوء إلى إجراءات قمعية صارمة، فجرى فصل طلاب من جامعاتهم بسبب تصريحات علنية، وتم طرد موظفين من أماكن عملهم، وجرى اعتقال شخصيات إعلامية وثقافية أو شُهّر بها علنًا في محاولة ممنهجة لترهيب المجتمع الفلسطيني وشلّ قدرته على التنظيم والتعبير.
وبحلول عام 2025، لم يعد هذا القمع يُفهم بوصفه “اضطهادًا” فحسب، بل بات يُنظر إليه باعتباره تحوّلًا بنيويًا في المكانة.
فبعد أن كان الفلسطينيون يتحركون في هوامش سياسية محدودة تتيح قدرًا من المعارضة، أدت الإبادة إلى انهيار كامل لهذا الحيّز الضيق، في ردّ فعل يعكس فقدان دولة الاحتلال لتفوّقها العسكري المفترض، وهذا التحول ليس ظرفيًا أو مؤقتًا، بل جزء من مسار أوسع يشمل قطاعات رئيسية داخل مجتمع الاحتلال.
الاعتداء على حق التصويت
يأتي أحد أبرز الأمثلة على ذلك من صفوف المعارضة نفسها، ففي أكتوبر/تشرين الأول، دعا زعيم المعارضة يائير لابيد إلى فرض قيود على حق التصويت، مطالبًا بحرمان من لا يؤدون الخدمة العسكرية من هذا الحق، وهو تصريح أدلى به مع إدراكه التام أن الفلسطينيين المواطنين لا يُجندون في جيش الاحتلال.
ومن شأن هذا الطرح أن يؤسس لنظام تصبح فيه الحقوق الأساسية مشروطة بالمشاركة في المجهود العسكري.
ورغم أن الفكرة طُرحت في سياق الصراع السياسي بين الأحزاب العلمانية والحريدية، فإنها تعبّر عن نزعة أوسع داخل مجتمع الاحتلال لتكريس الحروب وتوسيعها، وهو ما يتطلب إما تجنيد الحريديم والعرب في الجيش أو الخدمة الوطنية، أو تجريد من يرفضون ذلك من حقوقهم ومواردهم.
في الوقت ذاته، يتصاعد خطاب ساخط في الشارع العبري يتساءل: “لماذا لا يدفع الفلسطينيون المواطنون ثمن الحرب هم أيضًا؟”.
وفيما يتابع العالم مشاهد الرعب في غزة، وسّعت حكومة دولة الاحتلال سياساتها القمعية وعمليات الهدم الممنهجة، ففي منطقة النقب وحدها، هُدم ما يُقدّر بنحو 11 ألف منشأة خلال العامين الماضيين، بينها 2500 منزل سكني، ما أدى إلى تهجير آلاف الفلسطينيين.
بالتوازي مع ذلك، فُرضت اقتطاعات حادة من الميزانيات المخصصة للفلسطينيين داخل دولة الاحتلالل، ووفقًا لمركز “مساواة”، فقد تضمّنت موازنة عام 2025 خفضًا يزيد على ملياري شيكل (نحو 626 مليون دولار) من البرامج والخدمات المخصصة للمجتمع العربي.
وتأتي هذه الاقتطاعات في وقت كان فيه عام 2025 الأكثر دموية على الإطلاق للفلسطينيين المواطنين، إذ قضى 252 عربيًا نحبهم في جرائم عنف وجريمة منظمة، بمعدل يفوق بكثير عدد القتلى من اليهود الإسرائيليين.
ولم تكتف الشرطة، بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بالفشل في الحد من هذا العنف، بل استخدمت النصف فقط من الميزانية المخصصة على مدى خمس سنوات لمكافحته.
يندرج كل ذلك ضمن مسار بنيوي أوسع، شهد تآكلًا خطيرًا في دور مؤسسات الدولة، إلى حد باتت فيه الشرطة تستجيب لضغوط قنوات اليمين المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من قيامها بدور مؤسسة إنفاذ قانون عامة.
وضمن هذا النموذج الجديد، تراقب مجموعات يمينية متطرفة النشاط الرقمي والسياسي الفلسطيني، وتترجم المنشورات العربية إلى العبرية، وتعممها عبر قنوات تحريضية، لتتحرك الشرطة بعدها في التحقيق والتهديد والاعتقال.
مطلب ملحّ
يحمل العام المقبل انتخابات برلمانية في دولة الاحتلال، وبالنسبة للفلسطينيين المواطنين، يتمثل المطلب الأكثر إلحاحًا في تحقيق وحدة الأحزاب العربية، وذلك ليس انطلاقًا من وهم “إصلاح” النظام السياسي الإسرائيلي، بل إدراكًا لخطورة المناخ السياسي الراهن.
ويأتي كل ذلك في ظل موجة غير مسبوقة من التشريعات العنصرية، وتزايد الحديث العلني عن “الترحيل”، مع استطلاعات رأي تشير إلى أن غالبية اليهود الإسرائيليين تؤيد طرد الفلسطينيين من البلاد.
كان حسن جبارين، مؤسس مركز “عدالة”، قد استحضر صورة رمزية من السنوات الأولى التي أعقبت النكبة: فلسطينيون يصلون إلى صناديق الاقتراع وهم يلوّحون برايات بيضاء، لا بدافع الإيمان بالديمقراطية، بل خوفًا من الطرد، إذ سادت آنذاك شائعة مفادها أن من لا يصوّت سيتم تهجيره، وكان الفلسطينيون حينها يعيشون تحت الحكم العسكري.
واليوم، تُعاد صياغة الخطاب الانتخابي على وقع مخاوف مشابهة: فالسعي إلى الوحدة ليس تعبيرًا عن تفاؤل، بل استراتيجية بقاء في مواجهة تهديد وجودي.
مع ذلك، تعاني السياسة الفلسطينية من انقسامات داخلية عميقة، فعلى الرغم من الإبادة والتحريض الواسع ضد الفلسطينيين، يرفض زعيم القائمة العربية الموحدة منصور عباس خيار الوحدة، ويدعو بدلًا من ذلك إلى الاندماج داخل الدولة والسعي للمشاركة في الحكومة المقبلة.
في المقابل، ترى أحزاب عربية أخرى، ذات توجه وطني ديمقراطي، أن الإبادة في غزة ليست حدثًا عابرًا، وتحذر من تحولات بنيوية داخل دولة الاحتلال تشمل التوسّع الاستعماري، وتفكك المؤسسات، وتصاعد العنصرية إلى مستويات غير مسبوقة.
ورغم التوقعات بأن تدفع أحداث العامين الماضيين إلى مراجعة شاملة لمسألة المشاركة السياسية في الانتخابات الإسرائيلية، فإن الشعور السائد اليوم هو أن الفلسطينيين داخل دولة الاحتلال تُركوا لمصيرهم.
فهذه منظمة التحرير الفلسطينية تتجاهل وجودهم، والدول العربية تتعامل معهم كورقة ضغط انتخابية لا أكثر، فيما يواصل الغرب دعم فكرة “الدولة اليهودية” بطريقة تعزز التفوق اليهودي حتى في إطار المواطنة.
ومع إسدال الستار على عام 2025، يستحيل فهم واقع الفلسطينيين المواطنين بمعزل عن واقع الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية عمومًا، القيادة منقسمة، دولة الاحتلال تتوسع، والمؤسسات السياسية الفلسطينية ضعيفة ومتهالكة.
ومع ذلك، ورغم القمع والتمييز، شهد عام 2025 أيضًا بروز بدايات حراك قاعدي جديد، يتبنى خطابًا وطنيًا واضحًا، ويتمسك بالحقيقة وبالشعب الفلسطيني، ورغم ضخامة التحديات، فإن هذه المبادرات تحمل بذور أمل، وإمكانية حقيقية لفتح أفق سياسي جديد في عام 2026.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)







