السعودية تقصف شحنة إماراتية في اليمن وتتهم أبوظبي بدعم الانفصاليين الجنوبيين

في تصعيد غير مسبوق، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها نفّذت غارة جوية استهدفت شحنة إماراتية في جنوب اليمن، ووجّهت اتهامًا مباشرًا إلى الإمارات العربية المتحدة بدعم قوات انفصالية جنوبية، في أول إشارة رسمية من هذا النوع منذ اندلاع الخلافات بين الطرفين.

وقالت الرياض، صباح الثلاثاء، إنها استهدفت أسلحة ومركبات وصلت إلى ميناء المكلا على متن سفن انطلقت من الفجيرة على الساحل الشرقي للإمارات.

وجاء في بيان عسكري سعودي أن “طاقم السفن عطّل أجهزة التتبع على متنها، وقام بتفريغ كميات كبيرة من الأسلحة والمركبات القتالية دعمًا لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي”.

وأضاف البيان أن هذه الشحنات “شكّلت تهديدًا وشيكًا”، ما دفع القوات التي تقودها السعودية إلى تنفيذ “غارات جوية محدودة” استهدفت الشحنات التي أُفرغت من سفينتين.

وأفادت وسائل إعلام سعودية رسمية بعدم وقوع إصابات جراء الغارة، مؤكدة أن العملية نُفذت “وفقًا للقانون الدولي الإنساني”. في المقابل، قال ممثل عن المجلس الانتقالي الجنوبي لموقع ميدل إيست آي إنهم يرفضون الرواية السعودية، مؤكدًا أن القصف استهدف “بنية تحتية مدنية”. وقال محمد السحيمي، رئيس مكتب المجلس الانتقالي في المملكة المتحدة: “هذا انتهاك واضح لحقوق الإنسان ويعرّض المدنيين للخطر”، مضيفًا أن الضربة “تُخلّ بالسلم الأهلي وحرية الملاحة”، وأنه “لا يوجد أي مبرر قانوني لهذه الغارات”.

من جهته، قال مسؤول في ميناء المكلا لوكالة فرانس برس إن تحذيرًا بإخلاء الموقع وُجّه في الساعة الرابعة فجرًا بالتوقيت المحلي، قبل تنفيذ الضربة بـ 15 دقيقة، وأظهرت لقطات مصوّرة عدة مركبات محترقة ومتضررة بشدة.
وفي وقت لاحق الثلاثاء، أصدرت الرياض بيانًا شديد اللهجة انتقدت فيه الدور الإماراتي في اليمن، وقالت وزارة الخارجية السعودية إنها تشعر بـ “خيبة أمل” إزاء ما وصفته بإجراءات اتخذتها الإمارات للضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من أجل تنفيذ عمليات عسكرية على الحدود الجنوبية للمملكة، في منطقتي حضرموت والمهرة.
وأضافت الوزارة أن هذه الخطوات تُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي السعودي، ولأمن واستقرار اليمن والمنطقة ككل، معتبرة أن “الخطوات التي اتخذتها الإمارات بالغة الخطورة”، وأنها تتعارض مع المبادئ التي تأسس عليها التحالف الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والذي شاركت فيه كل من الرياض وأبوظبي. وشدد البيان على أن “أي تهديد لأمن المملكة القومي يُعد خطًا أحمر”، مؤكّدًا أن الرياض “لن تتردد في اتخاذ جميع الخطوات والتدابير اللازمة لمواجهة أي تهديد وتحييده”.

ويُعد هذا التصريح الأقوى من جانب السعودية منذ سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مساحات واسعة من جنوب اليمن في وقت سابق من الشهر الجاري، كما أنه المرة الأولى التي تُحمّل فيها الرياض الإمارات مسؤولية مباشرة عن دعم الهجوم الانفصالي. بدوره، اعتبر السحيمي أن البيان السعودي “يفتقر للدقة بالكامل”، مشددًا على أن المجلس الانتقالي كان “شريكًا موثوقًا” للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.

أبوظبي ترفض الاتهامات

وبدورها، ردّت أبوظبي بالتعبير عن “أسفها الشديد” إزاء البيان السعودي، معتبرة أنه تضمن “مغالطات جوهرية”.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية إن الإمارات “ترفض بشكل قاطع أي محاولة لزجّها في التوترات بين الأطراف اليمنية”، وتدين “الادعاءات المتعلقة بالضغط أو توجيه أي طرف يمني لتنفيذ عمليات عسكرية”.

وأضافت أن أبوظبي ملتزمة بأمن السعودية، وأنها عملت خلال الشهر الماضي على جهود خفض التصعيد في اليمن.
كما رفضت الإمارات البيان العسكري السعودي بشأن استهداف ميناء المكلا، قائلة إنه صدر من دون التشاور مع بقية دول التحالف الذي تقوده الرياض، والذي تُعد الإمارات أحد أعضائه، وأكدت أن الشحنة كانت منسقة مع السعودية، ولا تحتوي على أسلحة، بل مركبات مخصصة لاستخدام القوات الإماراتية في اليمن.

وقالت الوزارة: “تفاجأت الإمارات باستهداف هذه المركبات في ميناء المكلا”. ومنذ اندلاع الحرب في اليمن وسيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة في الشمال عام 2014، برز المجلس الانتقالي الجنوبي، المتمركز في عدن والداعي إلى انفصال الجنوب، كقوة رئيسية بين الأطراف المناهضة للحوثيين.

وخلال السنوات الماضية، خضع جنوب اليمن لإدارة مجلس القيادة الرئاسي، وهو هيئة تنفيذية حظيت في بداياتها بدعم سعودي وإماراتي، لكنها عانت لاحقًا من خلافات داخلية حادة وصراعات نفوذ.

وفي تطور لافت، دعا رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، يوم الثلاثاء، إلى انسحاب فوري للقوات الإماراتية من اليمن، معلنًا إلغاء اتفاق دفاع مشترك مع أبوظبي، ومطالبًا بانسحاب قواتها خلال 24 ساعة.
غير أن السحيمي قال إن المجلس الرئاسي “لا يملك تفويضًا” لإصدار مثل هذا القرار، معتبرًا أن العليمي اتخذ “قرارًا أحاديًا دون توافق بقية أعضاء المجلس”.

وأضاف أن الإمارات كانت “شريكًا فاعلًا وصريحًا في التحالف”، وأسهمت في دعم اليمن إنسانيًا وعسكريًا في مواجهة الحوثيين، مشددًا على ضرورة بقائها “حتى تحقيق أهداف التحالف”.

وكانت ضربة الثلاثاء ثاني هجوم سعودي مزعوم يستهدف قوات المجلس الانتقالي خلال أيام، إذ قال المجلس الجمعة إن الرياض قصفت قواته النخبوية في محافظة حضرموت وسط اليمن، دون تعليق سعودي رسمي.
وأكد السحيمي أن المجلس “سيظل صامدًا وسيدافع عن أمن شعبه وأرضه”، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى الانفتاح على “خفض التصعيد والحوار لحل هذه الأزمة”.

يُذكر أن جنوب اليمن كان دولة مستقلة عقب الانسحاب البريطاني في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، قبل أن يتم توحيده مع الشمال عام 1990. ومع التقدم الميداني الكبير الذي حققته قوات المجلس الانتقالي في جنوب شرق البلاد خلال الأسابيع الماضية، رُفعت أعلام دولة جنوب اليمن السابقة فوق المباني، ولوّح بها المقاتلون والسكان في عدد من المدن.

مقالات ذات صلة