مشاريع السيسي “الضخمة” لا تسمن ولا تغني من جوع في مصر

مشاريع السيسي الضخمة ليست بديلاً عن أطعام الناس

بقلم فرح شقير

مؤخراً، أشارت تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري إلى أنه مع دخول عام 2023، وصل عدد سكان مصر حوالي 104.5 مليون نسمة، وهو ما يشكل ارتفاعاً بنسبة 81.4% عنه في عام 2011، العام الذي اندلعت فيه ثورة الربيع المصري في 25 يناير، أي قبل 12 عاماً من اليوم، وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم في البلاد منذ ذلك الوقت، يبقى التساؤل الأهم، ما الذي حدث للشعار البسيط والثوري “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”؟ في وقت يكافح فيه الناس من أجل وضع الخبز على الطاولة.

تاريخياً، لطالما كان سعر الخبز ذو أهمية كبيرة، خاصة في بلد مثل مصر التي تسمي الخبز “عيش” وتعني الحياة باللغة العربية، فقد كان سعر الخبز قضية حساسة منذ “ثورة الخبز” عام 1977، عندما اضطر الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، إلى التراجع عن قرار قطع الدعم عن الخبز.

من منظور اجتماعي، لا يمكن لقطاع الاستثمار الحكومي تجنب تأمين الغذاء للفقراء والمحتاجين

في ظل هذا التاريخ، اليوم، ورغم ارتفاع سعر الخبز بنسبة 50% بسبب اضطرابات في سلسلة التوريد التي سببتها الحرب في أوكرانيا، إلا أن الحكومة المصرية تخشى قطع الدعم عن الخبز وإنما تفكر بخطط بديلة، مثل توفير بطاقات مسبقة الدفع لتمكين بعض الفئات من الاحتفاظ بالبطاقات التموينية لشراء الخبز بأسعار مخفضة.

عندما تولى عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر قبل 9 سنوات في عام 2014 تحديداً، تعهد بأن “الشعب العظيم سيحصد ثمار ثورتين” على حد وصفه، ولكن تحليل ذلك الخطاب من منظور صاحب رؤية “مصر 2030″، يؤكد أنه كان يعتقد أن المشاريع الضخمة التي بدأ بها منذ توليه السلطة ستمهد الطريق لما أسماها “نهضة شاملة” في البلاد.

علاقة مركبة

تعتبر العلاقة بين المشاريع الضخمة من جهة، وخلق فرص العمل والنمو الشامل من جهة ثانية علاقة مركبة يصعب قياسها، فوفقاً لشركة ماكينزي الاستشارية، فإن مشاريع البنية التحتية الضخمة قد تسير باتجاه سيء إذا صاحبها خطاب “تفاؤل مفرط” والكثير من “التفاصيل المعقدة” في التنفيذ، ويزيدها “تبرير ضعيف لضرورة المشروع” بِلة.

وإذا أردنا أن نسقط هذا التحليل على المشاريع العملاقة في مصر، فيمكن الإستشهاد بما ذكره صندوق النقد الدولي في تقرير يناير 2023، حيث أشار التقرير إلى أن “الإنفاق على المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات الاستثمارية الوطنية في مصر، ساهم في الضغط على الحساب الجاري، وهنا تصبح قدرة السلطة على الالتزام بإدارة تنفيذ تلك المشروعات بما يتفق مع مزيج سياسات الاقتصاد الكلي أمراً بالغ الأهمية”، وبالمقابل، أوضح تحليل أورده مقال في المجلة الأوروبية لأبحاث التنمية، أنه يمكن للمشاريع الضخمة أن تلعب دوراً رمزياً في “سياسات التنمية الموجهة نحو المستقبل كرسم الخيال أو الرؤية والامل في التنفيذ”.

الأمر المحير في حالة المشروعات العملاقة في مصر، هو أنها تبدو وكأنها تعزيز للدور الاقتصادي للجيش على حساب القطاع الخاص بالدرجة الأولى، وذلك من الصعب اعتباره “موجهاً نحو المستقبل”، وهو أمر أشار إليه تقرير صندوق النقد الدولي كذلك في عبارات مثل “الدور الضخم للدولة”، و”عدم التكافؤ في الفرص الاقتصادية”.

من منظور اجتماعي، لا يمكن لقطاع الاستثمار الحكومي تجنب تأمين الغذاء للفقراء والمحتاجين،  وفي حالة مصر، فلا يمكنها الاستمرار في الاقتراض لإطعام الشعب، ففي يونيو وافق صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 500 مليون دولار لدعم جهود مصر “لضمان حصول الأسر الفقيرة والمحتاجة على الخبز دون انقطاع”، إلى جانب إصلاحات سياسات الأمن الغذائي، حاجات ستزداد كلما طرأت زيادة سكانية جديدة، وعليه، فإن رؤية اقتصادية مستقبلية لا تعطي أولوية للأمن الغذائي لا تعد رؤية واعدة للمستقبل.

إصلاحات بنيوية

لاشك أنه من الصعب التكهن بمستقبل مصر في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، إلا أن تساؤلاً يلح هنا في ظل المقارنة بين  الوصول إلى سعر صرف مرن دائم في مصر و التضخم المفرط وتعويم العملة في لبنان، ربما تبدو المقارنة للوهلة الأولى مفهومة، ولكن كيف يمكن المقارنة بين دولة يعيش فيها ربع سكان العالم العربي ويؤثر أي تحول فيها على المنطقة ككل، وبين دولة أضعف مثل لبنان؟

لا تصلح المقارنة لعدة أسباب، منها أن نسبة التوظيف في مصر 26% يقابلها 13% فقط في لبنان، علاوة على ذلك، فإن الحكومة اللبنانية تلعب دوراً ضئيلاً في تقديم الخدمات مقارنة بمصر حتى وإن كانت كثير من الخدمات بيد الجيش عملياً، وفي لبنان تساهم التحويلات الخارجية للمواطنين بنسبة 38% على الأقل من معيشة السكان اليوم، بينما لا تستطيع مصر توفير الأمن الأساسي إلا من الداخل، حيث لم تتجاوز قيمة التحويلات 6.7% من إجمالي الناتج المحلي عام 2020.

يقول صندوق النقد الدولي أن الإصلاحات البنيوية في مصر تتجه نحو “تقليص بصمة الدولة وتكافؤ الفرص وتسهيل نمو القطاع الخاص ومعالجة الفساد”، ولكن تقليص دور الدولة من خلال عرض أسهم الشركات المملوكة للدولة وتمديد العقود لرجال الأعمال لن يؤدي إلى تقليص دور الدولة إلا على الورق، فدولة بحجم مصر تحتاج إلى رؤية أبعد من ذلك، ورغم أن النموذج الاقتصادي الذي يتمحور حول “إطعام الناس” لن يقدم بالضرورة إجابة كافية، ولكنه يساهم في إعادة النظر في خارطة الطريق الاقتصادية الحالية كمرحلة أولى.

للإطلاع على المادة من مصدرها الأصلي باللغة الانجليزية:

https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-crisis-sisi-megaprojects-dont-feed-people

مقالات ذات صلة