الزلزال: الأمر لا يتعلق بالأسد… السوريون ببساطة يحتاجون المساعدة!

بقلم كمال علم

في الوقت الذي يهرع فيه العالم لمساعدة ضحايا الزلزال في تركيا، تستمر معاناة الشعب السوري الذي حُرِم من العدل في المساعدات، معاناة تغذيها عوامل سياسية متعلقة بالشأن الداخلي في الولايات المتحدة، حيث يدور الحديث عن عزل بشار الأسد بدلاً من مأساة الضحايا السوريين!

بعد كارثة الزلزال، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، “نهج الولايات المتحدة تجاه نظام الأسد لم يتغير”، مجدداً موقف الولايات المتحدة الرافض لإجراء محادثات مع الحكومة السورية بشأن الإغاثة من الزلزال الكارثي الذي ضرب شمال غرب سوريا وجنوب تركيا قبل أيام، ولكن أحداً لم يطلب من الولايات المتحدة مفاوضة الأسد، المسألة تتعلق بإغاثة الشعب السوري الآن!

اندفعت دول  مثل الإمارات والجزائر والهند وغيرها لتقديم المساعدة عبر النظام السوري، وهو أمر لا تزال واشنطن عالقة عنده بسبب موقفها من النظام، خاصة في ظل انتقادات طالت المنظمات والدول التي تقدم المساعدات عبر الحكومة السورية، كما أن هناك حديث عن نقص الحركة الجوية إلى سوريا لكن هناك الكثير من الرحلات التي تهبط في حلب ودمشق، فلماذا الجدل؟ّ

انتقادات لها ما يبررها بالتأكيد، إلا أن الوحيد الذي يتعرض للأذى نتيجة ذلك هو الشعب السوري

يرى البعض أنه لا ينبغي تسليم المساعدات إلى عن طريق جماعات متمركزة أو تتعامل مباشرة مع شمال غرب سوريا، حتى تكون بعيدة عن أيدي الحكومة السورية، فيما يرى آخرون أنه لا يمكن تقديم المساعدة إلا عن طريق دمشق، وبين هذا وذاك يعاني السوريون.

يعد الانقسام حول المساعدات نتيجة مباشرة للعقوبات الدولية المفروضة على سوريا، فقد أوضح رئيس برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، مراراً وتكراراً، أنه يجب استخدام الأموال لمساعدة السوريين داخل بلدهم حتى لا يضطروا للهجرة، نقاد هذا النهج ينسون أن الهدف ليس دعم النظام، وإنما دعم السوريين، ورغم اعتراض إدارة بايدن على توجه بيزلي، تم تمديد رئاسته للمنظمة الأممية عاماً آخر، فهو يفكر بالأزمات بشكل عملي لا يروق لإدارة بايدن التي لا تفكر إلا بعزل بشار الأسد، على حساب حاجة السوريين، لم تفلح على أية حال، فدول ومنظمات عديدة لم تتردد في التعامل مع النظام وتقديم الدعم عن طريقه.

غياب الثقة

قبل الحرب، كان الجميع يحسد سوريا على الرعاية الصحية الموجودة فيها، حتى أن أكثر من مليون عراقي جاؤوا لتلقي الرعاية الصحية فيها، فيما وصفها تحليل لمعهد بروكينغز الأمريكي بالبيئة الجاذبة، وكنت قد كتبت من قبل عن كيفية تأثير العقوبات على قطاع الرعاية الصحية في سوريا، حتى أن الصحفي البريطاني بيتر أوبورن ساعدني وقتها بالحصول على تصريحات دبلوماسيين كبار من المملكة المتحدة واستراليا واليابان، حول الحاجة إلى إزالة العقوبات لمساعدة السوريين.

في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار البروفيسور الأمريكي، ديفيد ليش، الذي يعرف سوريا جيداً بسبب تأليفه عدداً من الكتب وتنظيمه محادثات غير رسمية بين واشنطن ودمشق من قبل، إلى أن ” البيروقراطية السياسية أضعفت أي محاولة لإقامة حوار من أي نوع مع الحكومة السورية، كما ولدت مستوى من عدم الثقة بين الجانبين، مما جعل من الصعب العثور على أرضية مشتركة حتى في القضايا الإنسانية مثل الزلزال”.

أما براد هوف، الجندي السابق في البحرية الأمريكية والذي عاش في سوريا وألف كتاب “سوريا المصلوبة”، فقد اعتبر أن كارثة الزلزال “تُظهر أكثر من أي وقت مضى أن العقوبات الأمريكية أحادية الجانب لم تؤذِ سوى الأبرياء من السوريين، فالعقوبات تخنق الأشخاص الذين يتم انتشالهم الآن من الأنقاض، يجب أن تتدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق”.

استراتيجية مشبوهة

من جانب آخر، أعرب سفير باكستان في سوريا، سعيد خان، عن مخاوفه بشأن النهج الحالي، مشيراً إلى أن “أفضل طريقة لتقريب دولتين من بعضهما، أو إحداث تغيير في تفكير مجتمع ما، فهي حتمية التفاعل في مجالات التعليم والرعاية الصحية، لن تحقق الاستراتيجية الأمريكية الحالية النتائج المرجوة”.

في الوقت الذي تعمل فيه وكالات الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية الأجنبية على مساعدة الشعب السوري في أعقاب الزلزال المدمر، ينتقد آخرون النهج المتبع على الأرض، انتقادات لها ما يبررها بالتأكيد، إلا أن الوحيد الذي يتعرض للأذى نتيجة ذلك هو الشعب السوري، في الوقت الذي يتنامى فيه الترحيب بالأسد وحكومته في عواصم إقليمية، ويزداد فتح السفارات في دمشق يوماً بعد يوم.

الآن لا تصل المساعدات الدولية إلا عن طريق دمشق، والحقيقة أن مساعدة السوريين من خلال الجمعيات الخيرية العاملة في المناطق التي يسيطر عليها النظام، أو من خلال التحدث مع الأطباء السوريين أو السفارات الاجنبية، لا يجعل المرء مؤيداً أو مناهضاً للنظام، وفي واشنطن، تم تقليص معاناة السوريين إلى جدل بين “عزل الأسد أو أن تصبح متعاطقاً”، خطاب لا يتأذى منه إلا الشعب السوري فقط!

المصدر: ميدل إيست آي

مقالات ذات صلة