بقلم ندى عثمان
إن فقدان أحد الأحبة من أصعب الأحداث التي يمكن أن يمر بها الإنسان حيث يصعب التعامل مع الأمر حتى وإن كانت الخسارة متوقعة والترتيبات جاهزة.
بالنسبة للناجين من الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا في فبراير، فإن صدمة فقدان الأقارب والأصدقاء تقترن مع مسؤولية التأكد من دفنهم وفقًا للتقاليد المعهودة.
ونظرًا لأن الغالبية العظمى من المتضررين من الكارثة هم من المسلمين، فإن رجال الدين عادة ما ينسقون مع المسؤولين لضمان تطبيق الطقوس الصحيحة لدفن أولئك الذين قضوا جراء الزلازل.
وبينما يتم التغاضي عن بعض العادات المتبعة في الجنازة الإسلامية، في أوقات الكوارث الطبيعية، كعادة تجمع الأقارب في منزل الشخص المتوفى، إلا أن هناك إجراءات وقواعد لا بد من اتباعها.
فمن المبادئ الأساسية في الدفن الإسلامي أن يتم التعامل مع جثمان المتوفى بطريقة تكفل المحافظة على كرامة الميت واحترام مشاعر المحزونين من أهل الفقيد، مثل الحرص على ترتيب إجراءات الدفن في أسرع وقت ممكن بعد الوفاة.
وهنا نسرد الجوانب الرئيسية لإجراءات دفن الموتى حسب الشريعة الإسلامية في سياق الكوارث الطبيعية.
متى يجب الدفن؟
وفقًا للشريعة الإسلامية، يُفضل دفن الموتى قبل غروب الشمس في يوم الوفاة، وعادةً ما يتم ذلك في غضون 24 ساعة، إلا أن هناك بعض الاستثناءات، خاصة إذا كان سبب الوفاة مجهولا ويحتاج إلى مزيد من الوقت للفحص والتحقيق.
وفي حالة الكوارث الطبيعية، تُعتبر الصعوبات اللوجستية في دفن الخسائر الجماعية عاملاً إضافيا أيضًا، حيث تكتظ المقابر بالموتى وتزداد الحاجة إلى العثور على قطع أرض جديدة.
كيف يتم تحضير الجثة للدفن؟
تبدأ إجراءات الدفن حسب الشريعة الإسلامية بغسل الميت وتكفينه قبل أداء صلاة الجنازة عليه من قبل الأهل والأقارب من الرجال استعدادا لتوديعه إلى مثواه الأخير.
وعادة ما يكون المشاركون في صلاة الجنازة والتحضيرات للدفن من أفراد الأسرة المقربين والأصدقاء والجيران والمعارف وأهل الحي.
أما في حالات الكوارث الطبيعية كما هو الحال في تركيا وسوريا، فإن المنظمات الإسلامية والمتطوعون يتولون مهمة ترتيب الجنازة.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم خدمة الجنازة في مسجد لندن الشرقية لموقع ميدل إيست آي: “لقد اضطررنا بشكل مؤسف إلى ترتيب أكثر من أربعين جنازة خلال حريق جرينفيل المأساوي هنا في لندن”.
وأضاف: “إننا نعتبرهم شهداء، أولئك الذين يموتون تحت الأنقاض كضحايا الزلزال في تركيا وسوريا، فمن الناحية الشرعية، يمكن دفن هؤلاء الأشخاص كما هم دون الحاجة إلى تكفينهم إذا لم يكن ذلك ممكنًا”.
وفي العادة لا يسمح المسلمون بمشاهدة جسد المتوفى، بل ينصب تركيزهم على أداء صلاة الجنازة قبل الدفن، ولا يُشترط استخدام التوابيت إلا في البلدان التي يفرض فيها القانون ذلك.
ماذا يحدث في الجنازة؟
بعد الصلاة، يتناوب المشيعون الذكور في الجنازة على حمل الميت إلى مكان الدفن، مع ترديد الدعاء وتلاوة آيات من القرآن، ولا يُطلب من النساء حضور الجنازة.
وعلى الرغم من عدم وجود قواعد لباس للمعزين، إلا أن الكثيرين يفضلون ارتداء ألوان صامتة، وعادة ما ترتدي النساء الحجاب والعباءات.
وخلال الدفن، يتم وضع الجثة في القبر مع توجيه الوجه نحو القبلة بينما يقوم آخرون بتلاوة أدعية وآيات من القرآن الكريم.
وبمجرد أن يوارى الجسد الثرى، يقوم المعزون بإلقاء التراب على القبر باستخدام الأيدي والمجارف حتى تتم تغطيته بالكامل، ثم يختم الإمام الجنازة بالصلاة على الميت، قبل خروج المعزين من المقبرة.
ويستخدم المسلمون شواهد أولية للقبور، وهي عبارة عن علامات خشبية بسيطة، حيث يفضل أفراد الأسرة تثبيت شواهد القبور الدائمة في وقت لاحق.
وبرغم أن الجنازات الانفرادية مفضلة في التقاليد الإسلامية، إلا أنه في حالة الكوارث الطبيعية، تصبح الجنازات الجماعية ضرورة للتعامل بسرعة مع الأعداد الكبيرة للموتى.
وفي أعقاب زلزال فبراير، لجأت السلطات إلى حفر مقابر جماعية بينما كانت تكافح في مواكبة أعداد الضحايا.
ومع ذلك، فقد حاولت عائلات الضحايا والفرق الإنسانية الالتزام بالمبادئ الإسلامية من خلال وضع علامات على القبور كشواهد للتعرف على الجثث.
ما هي مدة العزاء؟
جرت العادات عند المسلمين بإقامة عزاء للميت لمدة ثلاثة أيام، ولكن بعض التقاليد الخاصة بالمسلمين من الشيعة، تطيل فترة العزاء لما تصل مدته إلى 40 يومًا بعد الوفاة.
وخلال هذه الفترة، يميل أفراد الأسرة المقربون والأقارب إلى البقاء في المنزل، والامتناع عن ارتداء أي ملابس فاخرة أو مزخرفة، وغالبًا ما يزور المعزون أهل الميت في المنزل، ويحضرون معهم الطعام.
وبحسب الشريعة الإسلامية، فعلى الزوجة التي فقدت زوجها أن تقيم العدة، وهي فترة انتظار لأشهر قليلة تبقى خلالها في المنزل إلى حد كبير وتتجنب التعامل مع الغرباء من الرجال.
ماذا يحدث في حال عدم العثور على الجثة؟
يقدم الإسلام إرشادات حول ما يجب فعله في بعض الحالات التي يتعذر فيها العثور على جثة الميت كحالات الموت نتيجة الحريق أو الغرق في البحر.
وفي هذا الشأن، تنص الشريعة الإسلامية على عدم جواز صلاة الجنازة على شخص غير موجود، وبدلا من ذلك تقام صلاة الغائب في حال عدم العثور على الجثة، ويشترط أن تؤدى الصلاة خلال شهر من الوفاة.
ففي عام 2018، شارك مسلمون حول العالم في صلاة الغائب على الصحفي القتيل جمال خاشقجي، حيث لم يتم العثور على جثته.
وفي فبراير 2023، أقيمت أيضًا صلاة غيابية في المسجد الأقصى بمدينة القدس، لضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، والذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص.
يعتقد المسلمون أن أداء صلاة الجنازة واجب جماعي، حتى لو لم يكونوا من أقارب المتوفى، حيث يشارك العديد بأدائها طلبا للأجر.
المصدر: ميدل إيست آي