بقلم بيتر أوبورن وإيلا كوكبين
خلال جلسة لمجلس العموم البريطاني في 8 فبراير، أشادت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا بريفرمان، بتقرير ويليام شوكروس حول برنامج “بريفنت”، الذي أعلنت عنه حكومة المحافظين مؤخراً والمتعلق في استراتيجية الحكومة في مكافحة ما أسمته “التطرف الإسلامي”، وأكدت بريفرمان على أنها ستنفذ التوصيات الموجودة بالتقرير قائلة “بالنظر إلى تهديد التطرف الإسلامي، فإن برنامج بريفنت قد رصد شريحة واسعة من اليمين الإسلامي من الوسط إلى أقصى اليمين”.
لم يكد يمر يومان على حديث بريفرمان حتى اندلعت اشتباكات عنيفة على إثر تجمع مئات ناشطي اليمين البريطانيين أمام فندق في منطقة نوسلي قرب ليفربول، للتعبير عن احتجاجهم على قيام الفندق باستقبال عدد من طالبي اللجوء، وسرعان ما أشعلوا النيران في سيارة تابعة للشرطة، وأطلقوا الألعاب النارية باتجاه الشرطة، فضلاً عن الإساءة اللفظية بحق نزلاء الفندق، مشهد تحول بلحظات من احتجاج مشروع إلى حالة من العنف العشوائي!
مما لاشك فيه أن خطاب اليمين المتطرف على مستوى السياسيين قد لعب دوراً رئيسياً في إثارة أحداث كهذه، كما يجب مساءلة شركات التكنولوجيا الكبرى حول مسؤوليتها عن السماح لتداول دعوات التحريض الفاشي على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن أهمها مقطع فيديو على يوتيوب تحدث فيه مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم “النازيين الجدد”.
دعت بريفرمان إلى إنهاء ما أسمته “غزو الساحل الجنوبي”، لغة تعيد إلى الأذهان خطاب الحقبة النازية والدعاية الحالية لما يُعرف ب”تفوق البيض”
ربما لن يعجب هذا وزيرة الداخلية، إلا أن هناك أدلة كثيرة على أن “اليمين الوسط واليمين المتطرف” يتحملان النصيب الأكبر من المسؤولية عن العنصرية، ويمكن استنتاج ذلك من الوقوف عند ادعاءات أصحاب الاعتداءات الهمجية.
من أين تأتي دعوى “الذعر الأخلاقي”؟
أظهرت حادثة نوسلي تلاقي نوعين من الذعر الأخلاقي الذي يسيطر على عقول العنصريين في بريطانيا، ذعر من “عصابات الاستدراج الجنسي” و “غزو طالبي اللجوء”، وهما سرديتان تم الترويج لهما بشكل كبير في صحافة سائدة غذتها حكومة المحافظين ومن بينهم وزيرة الداخلية بريفرمان.
بعد يوم واحد فقط من من هجوم إرهابي لمجموعة عنصرية على مركز للمهاجرين في بلدة “دوفر” الساحلية جنوب البلاد، دعت بريفرمان إلى إنهاء ما أسمته “غزو الساحل الجنوبي”، لغة تعيد إلى الأذهان خطاب الحقبة النازية والدعاية الحالية لما يُعرف ب”تفوق البيض”، كما ذكرت صحيفة الغارديان أن محامين مقربين من الحكومة قاموا سابقاً بتحذير بريفرمان من أن “خطابها الحاد ضد الهجرة والمهاجرين يشكل مصدر إلهام للمتطرفين ويشجعهم على القيام بهجمات إرهابية”.
لقد تم تنميط الرجال والأولاد المسلمين في المملكة المتحدة بين مشتبه بأنه “مستدرِج” أو هدف للاستدراج
الذعر الثاني، والذي لا يقل أهمية عن الأول، خاصة في ظل تجاهل واضح من وسائل الإعلام للحديث عنه، فهو ادعاء “الاعتداء الجنسي على الأطفال أو ما يعرف بالبيدوفيليا”، افتراء يجهر به العنصريون في هتافاتهم، ويكتبونه على الجدران، ويربطونه مباشرة بما يدعون أنها “عصابات استدراج جنسي”، بل ويستغلون ضحايا حقيقيين للبيدوفيليا يتوددون إليهم لنشر ادعاءات كاذبة، ففي تعليقها على أحداث “نوسلي”، نشرت قناة تلغرام يديرها متطرف يدعى “ستيفن لينون”، تعليقاً قال فيه “تم إرسال رسالة واضحة إلى الشرطة والحكومة والفنادق التي تأوي مهاجرين غير شرعيين متهمين أو مشتبه برعايتهم أطفال مدارس”، عنصرية أكدها السياسيون المحافظون بخطاب “الغزو”!
فشل واسع في المنهجية
نظرية “الذعر الأخلاقي” وخطاب “الغزو” شماعات مريحة من الناحية السياسية، لأنها تدعم أجندة التشدد ضد المهاجرين وتزيح بعض الأنظار عن التركيز على الآثار المدمرة للتقشف الاقتصادي والفشل المنهجي الواسع في توجهات الحكومة وسياساتها، فعندما تأخرت بريفرمان في إصدار بيانها حول أحداث الشغب في “نوسلي”، تم انتقادها لإلقاء اللوم على الضحية والتلميح إلى أن مثيري الشغب من العنصريين تحركوا وفقاً لمخاوفهم التي عززها خطابها ضد اللاجئين.
تجدر الإشارة إلى أن الخطاب المتعلق بما يسمى “عصابات الاستدراج المسلمة”، من أهم القضايا التي يتورط فيها رجال أعمال من أصل باكستاني، حيث تم استغلال ذلك خلال العشر سنوات الماضية لبناء حالة من الذعر الأخلاقي مبنية على روايات و معلومات كاذبة ومضللة لم تقتصر على رجال الأعمال المتورطين.
في ظل هذه السردية المضللة، فقدنا التركيز على خطورة شيوع البيدوفيليا كجريمة أخلاقية بشكل عام وبصرف النظر عن فاعلها، ليس فقط الحالات التي يكتب عنها الصحفيون أو يحكيها السياسيون، فسردية “عصابات الاستدراج الجنسي” تضر بالضحايا والناجين من هذه الجريمة على حد سواء أكثر من أي طرف آخر.
تجدر الإشارة إلى أن وزراء المحافظين المتعاقبين، مثل ساجد جافيد وبريتي باتيل وبريفرمان، قاموا بتغذية القوالب النمطية العنصرية حول “عصابات الاستدراج المسلمة”، وكنتيجة لذلك، تم تنميط الرجال والأولاد المسلمين في المملكة المتحدة بين مشتبه بأنه “مستدرِج” أو هدف للاستدراج، المشكلة أن إلقاء المسؤولية على شريحة جمعية يؤدي إلى تهميش المسؤولية الفردية في جريمة البيدوفيليا رغم أن المسؤولية الفردية هي الأساس في تحقيق العدالة في هذا النوع من القضايا، الأمر الذي يتجلى في روايات مؤلمة عن أطفال مسلمين تعرضوا للتنمر لاتهامهم بأنهم “مستدرِجين” أو حادثة قتل رجل مسلم بريء يبلغ من العمر 81 عاماً في منطقة روثرهام.
جرس إنذار
لا تؤدي سردية الذعر من “عصابات الاستدراج” إلا إلى إضافة المزيد من التنميط الخطير لصورة طالبي اللجوء، الأمر الذي يتيح للصوص الحقيقيين استغلال الدولة البريطانية بل وكل فتاة بريطانية بيضاء، وهكذا ستجد أبواق العنصرية اليمينية الدولية فرصة للطعن والإساءة للمهاجرين باعتبارهم تهديداً للأمة البيضاء، خطاب يؤدي إلى تحويل النساء البريطانيات من أصل أوروبي إلى ممتلكات يجب الدفاع عنها!
تعد أحداث الشغب ضد المهاجرين التي حصلت أمام الفندق في منطقة نوسلي آخر اعتداءات اليمين العنصري التي تستهدف أماكن يقيم فيها طالبو اللجوء، كما أنها جاءت بعد سلسلة من الأعمال الإرهابية عبرت صراحة عن فلسفة اليمين المتطرف بربط المسلمين المهاجرين بما يسمى “عصابات الاستدراج”، مثل إلقاء القنابل الحارقة في بلدة دوفر جنوبي البلاد عام 2022، وهجمات “فينسبري بارك”، والمذبحة في “كرايستشرش” في نيوزلندا، التي حصل فيها المهاجم على ذخيرته من مدينة “روثرهام” في بريطانيا.
لابد أن ننظر إلى أعمال الشغب التي حصلت في نوسلي على أنها بمثابة جرس إنذار طال انتظاره حول مخاطر السرديات السامة عن المهاجرين والأقليات و”عصابات الاستدراج”، خاصة بعد الإعلان عن تظاهرة مشابهة أمام فندق آخر ضد طالبي اللجوء في مدينة روثرهام.
قبل أسبوع، برأ تقرير شوكروس ضمنياً، تحت ما أسماه “اليمين المحترم”، حكومة المحافظين وأنصارها من أي مسؤولية في تأجيج العنف السياسي ضد الأقليات، فلا عجب إذن في أن تتبنى بريفرمان التقرير بكل هذا الحماس.
المصدر: ميدل إيست آي