حصى أملس في الخرسانة، وأطواق فولاذية في غير مكانها، هذه هي القرائن الصغيرة، لكنها مُعبرة، التي رصدها كيت مياموتو وسط حطام الزلزال في تركيا هذا الأسبوع والتي تكشف عن الخطأ الذي حدث.
قال مياموتو، المهندس الإنشائي الذي قام بجولة في أعقاب واحد من أسوأ الزلازل في العالم على مدار العشرين عامًا الماضية: ” 90 في المائة مما لديهم من عمل يعد صحيحا، و10 في المائة خطأ”.
بات من المتفق عليه عالميا، أن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في وقت سابق من هذا الشهر يُعد من أقوى الزلازل منذ ما يقرب من قرن – كما أعقبه بعد ساعات قليلة زلزال آخر، كبير في حد ذاته، لكن السؤال المطروح الآن هو كيف كان من الممكن تفادي حجم الدمار الهائل.
منذ سبعينيات القرن الماضي وبعد وقوع العديد من الزلازل القوية، ظهرت تصميمات محسنة باستمرار للحد من مخاطر انهيار المباني، وتمثل الهدف الأساسي لهذه التصميمات بتمكين هياكل المباني لاستيعاب القوى الهائلة المنبعثة من الأرض، كما يقول زيغي لوبكوفسكي، قائد فريق الرصد الزلزالي لشركة الهندسة العالمية (Arup).
وقال لوبكوفسكي إن “الطريقة الأساسية هي تصميم إطار أو هيكل جداري يكون مرنًا بدرجة كافية لامتصاص القوة في جميع الاتجاهات، ولكنه قوي بما يكفي ليبقى واقفاً”.
وأضاف: “بدلاً من ذلك، يمكننا وضع المبنى على محامل لاستيعاب القوى الجانبية أو تضمين عناصر خاصة لامتصاص طاقة الزلزال.”
وبينما تختلف المواد، فإن هذه الأساليب هي نفسها تقريبًا المتبعة في جميع أنحاء العالم، فما ينجح في كاليفورنيا ينجح في اليابان ونيوزيلندا وأيضًا في تركيا، حيث تتمتع جامعاتها بسمعة طيبة في تخريج مهندسين وممارسين متخصصين في مجال الزلازل مؤهلين تأهيلاً عالياً.
فلماذا شهدت البلاد هذا الحجم الهائل من الدمار، وهل كان من الممكن منع ذلك؟
وتيرة جليدية
لا يزال الوقت مبكرًا لحسم ما حدث بالضبط ولماذا، لكن ستة مهندسين إنشائيين قالوا إن المباني – القديمة والجديدة – لم تحقق أداءً جيدًا كما كانوا يتوقعون، حتى مع الأخذ في الاعتبار القوة الاستثنائية للزلازل.
من المحتمل أن تكون إحدى المشكلات هي عدم تحديث مادة البناء الخرساني المقوى بشكل خفيف، وهي مادة يتم تجنبها عادةً في الوقت الحاضر في مناطق الزلازل – خاصةً في المناطق السكنية.
كما أنه من الصعب ان لم يكن من المستحيل على الحكومات أن تضاهي التمويل المتاح عادة لتعديل المباني العامة مثل المستشفيات والمدارس.
وفي هذا الشأن، قال مياموتو: “لا يمكن لأي حكومة إصلاح المباني الخاصة، هذا مستحيل. لا توجد أموال ضريبية كافية للقيام بذلك”.
“إن الفترات بين تكرار الكوارث الكبرى أطول من ذاكرة الناس في هذا البلد”- بولات جولكان مهندس تركي
وفي عام 2021، قدر البنك الدولي كلفة تحديث المساكن القديمة في المدن التركية التي شيدت قبل عام 2000 – بعد عام من الزلزال المدمر في إزميت والذي أودى بحياة أكثر من 17ألف شخص – بنصف تريليون دولار.
وفي ذلك الوقت، تم تحديث 4 بالمائة فقط من 6.7 مليون مبنى سكني.
وخلال هذا الأسبوع، ذكر ثلاثة من الخبراء، من بينهم مهندس الزلازل التركي بولات غولكان، أن “تكلفة تحديث المباني القائمة تتسبب بمتابعة الجهود بوتيرة بطيئة للغاية”.
وفي عام 2005، حذر جولكان من عدم الاتعاظ بزلزال العام 1999 ومن الفوضى في أعمال التخطيط والبناء حيث لم تتم إعادة البناء بقوة كافية للتخفيف من الكوارث المستقبلية.
وذكر أن الضغط العام لم يكن قويا ومتواصلا لإحداث التغييرات اللازمة لاستبعاد تكرار كارثة عام 1999، وقال: “إن الفترات بين تكرار الكوارث الكبرى أطول من ذاكرة الناس في هذا البلد”.
كانت هناك أسئلة مماثلة بين المهندسين الإنشائيين هذا الأسبوع حول الدروس المستفادة، بالنظر إلى انهيار المباني الجديدة، بما في ذلك تلك المباني التي شيدت بعد أن قامت تركيا بتحديث رمز الزلازل في عام 2018.
وذكر لوبكوفسكي أن هذا الرمز يُعتبر “جيدًا كأي رمز آخر في العالم”.
ولكن منذ الزلازل، كان هناك غضب متزايد من أن قرارات إعفاء بعض المناطق في السنوات الأخيرة، بما في ذلك بعض الإعفاءات التي قدمت بدافع الانتخابات، سمحت للمقاولين بإنشاء المباني متباهين بهذا القانون دون خوف من التعرض للعقاب.
وبدوره، قال مهرداد ساساني، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في جامعة نورث إيسترن في بوسطن، إنه من خلال ما لاحظه، فإن السبب الأكثر ترجيحًا لسقوط المباني الجديدة هو سوء البناء وضعف إنفاذ القوانين والمعايير.
وذكر ساساني أنه رأى صورة دلو داخل عمود خرساني بعد زلزال العام 1999، وقال “هذا بناء رديء”.
وأضاف أن الأهم من ذلك هو أن التفاصيل الدقيقة مهمة حقًا عند تعزيز المباني ضد الزلازل، وقال: “عليك أن تنتبه لها وتقوم بها بشكل صحيح. هل تكلف الكثير؟ لا، مقارنة بالمبنى لا تكلف الكثير. لكن يمكن لها أن تؤدي إلى إقامة أو تحطيم المبنى”.
إنها أخطاء صغيرة تلك التي قال مياموتو، الرئيس التنفيذي لشركة مياموتو الدولية للهندسة الإنشائية والحد من مخاطر الكوارث ومقرها الولايات المتحدة، أنه اكتشفها أثناء قيامه بجولة في منطقة الزلزال في تركيا.
وعلى عكس كاليفورنيا أو اليابان، حيث عمل كمهندس، قال مياموتو إن تركيا لا تشترط القيام بعمليات تفتيش مستقلة لأعمال هندسة الزلازل أثناء البناء.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وبينما كان متواجدا في منطقة البستان، مركز الزلزال الثاني، أضاف مياموتو: “هذا لا يحدث هنا، إنه معيار دولي. تركيا بلد قوي للغاية ولا أرى أي سبب يمنعها من تبني ذلك، انها أشياء بسيطة للغاية.”
وذكر مياموتو أن تجربته في العمل مع المقاولين الأتراك خلال برنامج تعزيز الزلازل الممول من البنك الدولي في اسطنبول بين عامي 2005 و2015 أكد له سبب أهمية التفتيش والاهتمام بالتفاصيل.
وقال: “استطعت أن أرى العادات تتغير لأنهم أدركوا أن اختلافًا بسيطًا يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا، لكن عليهم أن يعرفوا سبب قيامهم بذلك كي يدركوا خطورة الأمر، فهم لا يريدون قتل الناس.”