بقلم ريتشارد سيلفرستين
في نهار الأحد 26 فبراير، قام مسلح فلسطيني بقتل اثنين من المستوطنين قرب بلدة حوارة جنوبي نابلس شمال الضفة الغربية، وذلك رداً على هجوم إسرائيلي مكثف استهدف مدينة نابلس قبل ذلك بأيام، مما أدى إلى مقتل 11 فلسطينياً وتدمير جزء من شارع التسوق الرئيسي في البلدة القديمة في المدينة.
اجتاح المستوطنين البلدة وأحرقوا كل ما طالته أيديهم من سيارات ومنازل وأعمدة كهرباء، وهم يرددون عبارات الانتقام والعنصرية
بعد قتل المستوطنين نهاراً، سارع مئات الجنود الإسرائيليين وعملاء الشاباك باجتياح بلدة حوارة بحثاً عن المسلح الذي أطلق النار، ولكنهم توقفوا عن البحث مع حلول الليل، وهنا احتشد المستوطنون اليهود بالمئات وقاموا باجتياح البلدة، وأحرقوا كل ما طالته أيديهم من سيارات ومنازل وأعمدة كهرباء، وهم يرددون عبارات الانتقام والعنصرية، حتى وصل بهم الأمر أن احتفوا بذلك بوقاحة من خلال نشر مقاطع فيديو وبوستات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تسبب الهجوم العنيف بمقتل فلسطيني وإصابة 400 آخرين بينهم طفل أُصيب بجروح خطيرة، كما سيطر الجيش الإسرائيلي على البلدة صباح الاثنين وأغلقها بالكامل، فيما تم إطلاق سراح 8 مستوطنين تم اعتقالهم خلال قيامهم بأعمال الشغب في البلدة.
إرهاب المستوطنين
انقسم الإسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي إلى قسمين، فالقسم الأول عبر عن صدمته وشبه الهجوم بمذبحة أو ليلة الكريستال، فيما اعتبرها القسم الآخر بمثابة انتصار “الرايخ الصهيوني” حتى كتب أحدهم “مرحبا بكم في عام 1933”.
لا يعد إرهاب المستوطنين أمراً جديداً على الفلسطينيين، بل هو في تصاعد مستمر منذ عام 2016 وفقاً للأمم المتحدة، فقد أظهرت بياناتها أن هناك ما لا يقل عن 849 اعتداء نفذها مستوطنون ضد الفلسطينيين في عام 2022 تسبب ما لا يقل عن 228 منها إلى وقوع إصابات، مقارنة بحوالي 496 اعتداء و 358 اعتداء في عامي 2021 و2020 على التوالي، وأنه من إجمالي الاعتداءات التي وقعت عام 2022، أدت 594 منها إلى إلحاق أضرار بالممتلكات، فقد أظهرت أرقام مركز أبحاث الأراضي الموجود في القدس، تضرر 13.130 شجرة زيتون جراء اعتداءات المستوطنين.
يتهم خبراء من الأمم المتحدة السلطات الإسرائيلية بالتواطؤ مع عنف المستوطنين، فقد جاء في بيان الأمم المتحدة لعام 2022 أن “الأدلة المقلقة على قيام القوات الإسرائيلية بتسهيل ودعم والمشاركة في اعتداءات المستوطنين بشكل متكرر، تجعل من الصعب التمييز بين عنف المستوطنين وعنف الدولة”.
لقد كانت بلدة حوارة، التي يسكنها 7 آلاف فلسطيني وتحيط بها مستوطنات، مسرحاً لهجمات متكررة خلال الأشهر الأخيرة، ففي الوقت الذي تظهر فيه أحداث الاعتداء الأخير استثنائية وغير مسبوقة، إلا أنها بالحقيقة انعكاس مباشر لطبيعة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فهي ليست الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل فحسب، بل تضم، ولأول مرة، وزراء بالأصل إرهابيون مدانون، وهم الذين يحتضنون هذا العنف، فهم لا يكترثون بأدوات الدولة من جيش وشرطة، ولا يرون أنها تقوم بالقدر اللازم من العنف إن صح التعبير!
لطالما كان هناك تواطؤ ضمني من الدولة مع عنف المستوطنين، مع التدخل للضبط الخجول، أما الآن، فقد خُلعت القفازات، وأظهرت الدولة بالتعاون مع هذه الميليشيات من المستوطنين مستوى مرعباً من العنف، أعتقد أنه بدون تدخل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، سنرى المزيد من إراقة الدماء، ونهب العشرات من القرى الفلسطينية، فالهدف النهائي لهؤلاء المستوطنين هو القضاء التام على الوجود الفلسطيني ثم تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، فإلى أي مدى سيسمح العالم بذلك؟!
في توثيقها للمذبحة، نقلت صحيفة “هآرتس” ما كتبه أحد مراسليها بقوله ” لأول مرة في حياتي المهنية، أطلق الجيش الذخيرة الحية علي مباشرة”، فيما أشارت الصحيفة في تقريرها إلى اندهاشها من استهداف صحفي إسرائيلي على يد ما أسمتها “البلطجة اليهودية”.
المستوطنون لا يستمعون لنتنياهو، لقد أخذوا القانون بالفعل بأيديهم، في الواقع ، لا يوجد قانون
على الجانب الآخر، فإن تغطية الصحفي الفلسطيني محمد شحادة على تويتر، قدمت وصفاً تفصيلياً على مدى الدمار، فكتب “مئات المستوطنين يهاجمون حوارة برفقة حراس وجنود إسرائيليين، الفلسطينيون محاصرون هنا، مكبرات المساجد تستنجد، مذبحة هائلة، حرائق في كل مكان”.
“حوارة يجب أن تُمحى”
بتسلئيل سموتريتش، وزير في الحكومة الحالية، والذي اعتقله الشاباك ذات مرة أثناء نقله عبوة ناسفة مخصصة للاحتجاج على الانسحاب من غزة، تم التقاط إعجاب له على موقع تويتر على تغريدة تدعو إلى محو حوارة، جاء فيها “بلدة حوارة يجب أن تُمحى اليوم، يكفي تصريحات حول بناء وتقوية المستوطنات، يجب استعادة الردع الذي فقدناه على الفور بلا رحمة”.
نظراً للعنف الهائل الذي حصل في حوارة، من الغريب أن يقتصر رد نتنياهو على على بيان طالب فيه المستوطنين “بعدم أخذ القانون بأيديهم”، كما يقال، يبدو أن هذا الحصان قد غادر الحظيرة بالفعل، فالمستوطنون لا يستمعون لنتنياهو، لقد أخذوا القانون بالفعل بأيديهم، في الواقع ، لا يوجد قانون.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)