بقلم سهير داوود
في الوقت الذي يحتشد فيه مئات الآلاف من الإسرائيليين بشكل شبه يومي، احتجاجاً على التعديلات أو ما تسميها حكومة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الإصلاحات القضائية الأخيرة، تقف القيادة العربية في إسرائيل مترددة أمام الانضمام إلى تلك الاحتجاجات ضد تآكل سلطة المحكمة الإسرائيلية العليا، فما السبب وراء ذلك؟ وهل ستؤثر التعديلات من عدمها في التمييز القانوني الذي تمارسه المحكمة العليا ضد الفلسطينيين أصلاً؟
من المعروف تاريخياً أن النظام الإسرائيلي لطالما استخدم المحاكم والمناورات القانونية المختلفة كجزء من عملية طويلة تهدف إلى تجريد الفلسطينيين في إسرائيل من حقوقهم، فحتى الآن لا تستطيع الدولة تعريف نفسها على أنها يهودية بالكامل، وهي بالمقابل ليست دولة لجميع مواطنيها ولا تضمن لهم حقوقاً ديمقراطية متساوية كأقلية، حيث سيصبح العمل على إدماجهم في مؤسسات الدولة شرطاً موجوداً دائماً، وفي ظل مشرعين يمثلون أحزاباً قومية أو دينية متطرفة، فلن يقتصر الأمر على الحقوق المدنية المسلوبة للفلسطينيين، بل سوف يتعرض وجودهم من حيث المبدأ في الدولة “اليهودية” للتهديد!
يرى الكاتب والناشط الفلسطيني من مجتمعات 48، أمير مخول، أن العرب واليهود ينظرون إلى المحكمة العليا بشكل مختلف، فالفلسطينيون في إسرائيل يدركون جيداً أن مشاركتهم في الاحتجاجات لن تضيف شيئاً إلى حقوقهم، ذلك أن مطالبهم ورموزهم مستبعدة تماماً من حيث المبدأ من قبل المعارضة الإسرائيلية.
قانون مثل قانون القومية اليهودية هو قانون أساسي، لابد أن يصبح جزءاً من دستور قادم، فكيف أعطي كعربي موافقتي على الدستور؟!” – عصام مخول- عضو الكنيست السابق
ويوضح مخول في إحدى كتاباته أنه على الرغم من لجوء العرب إلى المحكمة العليا في قضايا كثيرة بحكم الواقع، “إلا أنهم عانوا طويلاً من أحكامها التي تقنن العنصرية ضدهم، فالمحتجون اليهود يريدون تثبيت النظام القضائي الذي يتضرر منه الفلسطيني كضحية أصلاً، فأولوية الفلسطيني إذن الدفاع عن هويته ووجوده الذي يهدده هذا النظام القضائي”، وأضاف ” لم يتواصل منظمو الاحتجاجات مع لجنة المتابعة العليا العربية لأن أجندتهم تتجاهل الشعب الفلسطيني تماماً، فمعارضة يقودها يائير لابيد غير معنية بأي حال من الأحوال بمشاركة عربية ترفع العلم الفلسطيني”.
تقنين العنصرية
هناك العديد من الأمثلة لحالات وقضايا في المحكمة العليا الإسرائيلية، قامت بإضفاء الشرعية على السياسات التمييزية ضد الفلسطينيين تحت ذريعة “مصالح إسرائيل الأمنية”، ففي العام الماضي فقط، أيدت المحكمة العليا قانوناً يمنع الفلسطينيين من أهل 48 من لم الشمل مع أزواجهم من مناطق الضفة والقدس والعيش معاً في مناطق “إسرائيل”، كما قضت المحكمة بدعم قانون الجنسية الذي من شأنه تجريد الأشخاص المتهمين ب”عدم الولاء” لدولة إسرائيل من جنسيتهم.
إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة القانون الأساسي، قانون “الدولة القومية للشعب اليهودي”، الذي أقره الكنيست في 19 يوليو عام 2018، والذي ينص على أن “حق تقرير المصير القومي في إسرائيل حق فريد للشعب اليهودي”، وبذلك أعاد التأكيد على أن المواطنة لليهود فقط، وبالتالي استبعاد 1.8 مليون مواطن عربي، الأمر الذي زاد من شعور الفلسطينيين بالتهديد الوجودي.
و للمفارقة، فقد تم تمرير القانون بتوصية من حكومة نتنياهو وقتها، والذي رغم مشاكله السياسية والشخصية من رشوة وفساد، إلا أنه ركز انتباهه على الأقلية العربية، فماذا كان رد المحكمة العليا؟ أيدت القانون ورفضت دعوى المحتجين عليه باعتباره عنصرياً، حتى أن المحكمة اعتبرت أن القانون “لا ينفي الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل”!
رفض “الأسرلة”
قانون مثل قانون “القومية اليهودية”، يدلل بوضوح على السياسات التمييزية المنصوص عليها في ثنايا القانون الإسرائيلي، تثير تساؤلاً مهماً حول جدوى الحديث عن وجود دستور قد بفيد الفلسطينيين أو يحميهم، وفي هذا السياق يقول عضو الكنيست العربي السابق، عصام مخول، “طوال وجودي في الكنيست، كان الكنيست يناقش وضع دستور، لكن المناخ حول الحديث عنه كان دائماً عنصرياً، الأمر الذي سينعكس في سطور الدستور، فقانون مثل قانون القومية اليهودية هو قانون أساسي، لابد أن يصبح جزءاً من دستور قادم، فكيف أعطي كعربي موافقتي على الدستور؟!”.
على العرب الفلسطينيين البحث عن بدائل تخص مشكلتهم، من احتجاجات جماهيرية وبناء مؤسسات جماعية دولية، بعيداً عن الانصهار بما يحدث في تل أبيب اليوم
استمر التحريض ضد المواطنين الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، بما في ذلك عبر فيسبوك وتويتر، حتى تم إقرار مشروع “قانون فيسبوك” في ديسمبر 2021، بهدف إسكات النشطاء والصحفيين عن فضح انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، بعد اشتباكات مع القوات الإسرائيلية على إثر أزمة حي الشيخ جراح في مايو 2021، الأمر الذي أدى زيادة رفض الفلسطينيين للأسرلة.
من الأمور اللافتة أيضاً، أن جزءاً من الحركة الإسلامية في إسرائيل، بعدما كانت حريصة على الحفاظ على الوحدة مع الأطراف العربية الأخرى لمواجهة التحديات، غيرت مسارها بقيادة منصور عباس وانضمت إلى ائتلاف حكومة بينيت ولابيد في 2 يونيو 2021، قبل أن ينهار الائتلاف بعد عام فقط، ولم يفشل عباس في تحقيق أي مكسب ذو مغزى بالنسبة للفلسطينيين فحسب، بل ساهم في تفتيت الكتلة العربية و إضعافها أمام تحديات العنصرية.
بالمحصلة، لن يؤثر الهجوم الأخير الذي شنته حكومة نتنياهو على سلطة المحكمة العليا على وضع الفلسطينيين، فهم يعانون أصلاً من التمييز القانوني المدعوم من تلك المحكمة سواء جرت تعديلات قضائية أو لم تجر، ولكن على العرب الفلسطينيين البحث عن بدائل تخص مشكلتهم، من احتجاجات جماهيرية وبناء مؤسسات جماعية دولية، بعيداً عن الانصهار بما يحدث في تل أبيب اليوم.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا):