لماذا حوَّارة بالذات أصبحت هدفاً لعربدة المستوطنين؟

بقلم محمد قعدان

لقد وقع آخر هجوم على بلدة حوارة جنوبي مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية في مساء 26 فبراير 2023، في ظل تنامي حركة المقاومة المسلحة في الضفة الغربية المحتلة في السنوات الأخيرة، بسبب تصعيد القوات الإسرائيلية من العنف والاعتداءات على الفلسطينيين وزيادة الغارات والاقتحامات الليلية على البلدات الفلسطينية، مخلفة عشرات القتلى بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى عدة مجازر في نابلس وجنين خلال شهرين فقط.

بسبب موقعها على الطريق 60 بين المستوطنات، أصبحت حوارة نقطة جذب اقتصادية مركزية للأنشطة التجارية

وفي إطار الرد على سيطرة اليمين الإسرائيلي المتطرف على الحكومة وتحريض قادتها على العنف ضد الفلسطينيين، تشكلت وازدهرت مجموعات مقاومة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، مثل مجموعة “عرين الأسود” في نابلس وأخرى محلية في مخيم جنين.

تمثلت آخر حلقات العنف الإسرائيلي على يد المستوطنين هذه المرة، تحديداً في ليلة 26 فبراير، حين قرر مستوطنون من المستوطنات القريبة محاصرة بلدة حوارة وشن هجوم وحشي على سكانها، فاقتحموا القرية وأشعلوا النيران في المنازل والسيارات، ودمروا الممتلكات، وقتلوا فلسطينياً، العنف هذه المرة لم يكن بعض التكسير أو هجوماً على معبد يهودي، بل نار طالت حياة الفلسطينيين من أجل إرهابهم والعبث بحياتهم.

فما الذي أدى إلى هذا المستوى من التوتر والتصعيد؟ وكيف أصبحت حوارة مركز هذه المواجهات؟ ولماذا شن المستوطنون هذا الهجوم الآن؟ وما هي أطماعهم الاستيطانية في حوارة؟

حوارة “صديقة للمستوطنين”؟!

لأكثر من عقد من الزمن، كانت حوارة تعتبر بلدة مسالمة هادئة، لم تتصادم بشكل مباشر مع المستوطنين والأعلام الإسرائيلية واللافتات العبرية وغير ذلك، ولم يتخلل ذلك الهدوء إلا هجمات متفرقة دورية لمجموعة من المستوطنين يدعون “عصابة فتية التلال”، ما عدا ذلك، فقد أخذت البلدة بالازدهار منذ الانتفاضة الثانية نحو الازدهار الاقتصادي، وبسبب موقعها على الطريق 60 بين المستوطنات، أصبحت حوارة نقطة جذب اقتصادية مركزية للأنشطة التجارية.

في مقابلة له على القناة 14 العبرية، اعترف الناشط الإسرائيلي بوعز هعتزني بمحاولة الاحتلال رشوة أهل حوارة بعد الانتفاضة الثانية بتسهيل وصولهم إلى نقاط التفتيش والسماح لها بالبقاء مفتوحة 24 ساعة وتيسير الظروف لتحويلها إلى مركز اقتصادي، يلهي سكانها عن المواجهات ويحولها إلى “صديقة للمستوطنين”، وكل ذلك من أجل ضمان طريق آمن للمستوطنين.

ركود اقتصادي

ومع دخول العالم في دوامة جائحة كوفيد-19، تراجع الوضع في حوارة والضفة الغربية بشكل عام، وأغلقت القوات الإسرائيلية نقاط التفتيش كجزء من قيود الوباء، الأمر الذي تسبب بانتشار الفقر المدقع والضغط الاقتصادي على الفلسطينيين، وهو ما ادعت وسائل إعلام عبرية أنه يشكل “حوافز للإرهاب”.

تأثرت جنين ونابلس على وجه الخصوص من الناحية الاقتصادية بشكل كبير، ومنها حوارة التي تأثرت بشدة بسبب نقص الإيرادات المالية التي تأتي من جميع المسافرين عبر الطريق 60، سواء كانوا فلسطينيين أو مستوطنين، وكانت خطة الاحتلال الإسرائيلي لربط حوارة والضفة الغربية بشكل عام بالنشاط التجاري أداة لإعادة إنتاج ظروف الاحتلال، عبر اعتبار سماحهم لأهل البلدة بالنشاط التجاري “مكافأة”!

إما حوارة أو المستوطنين!

ارتبط الاهتمام الإسرائيلي بجعل حوارة “صديقة للمستوطنين” بعد الانتفاضة الثانية بموقعها الجغرافي المركزي على شارع يدعى شارع الستين، وهو الطريق الذي يؤدي إلى معظم مستوطنات شمال الضفة خاصة حول نابلس، لذلك لا يعتبر التخلي عن شارع الستين واستبداله بطرق التفافية أمراً سهلاً، الامر الذي لم يترك لقوات الاحتلال خيار إلا الاستسلام وقبول وجود المستوطنات هناك.

لكن هذا الاستسلام كان له وجه آخر، فقد قرر الاحتلال أيضاً أن على حوارة تلبية احتياجات المستوطنين أو مواجهة “المحو”، عملية ظهرت أبشع ملامحها في هجوم المستوطنين الأخير، على بلدة تقع ضمن المنطقة “ج” بحسب أوسلو، أي خاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، وبعد ساعات، خرج وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، بالدعوة إلى “محو” حوارة بالكامل!

وتعتبر بلدة حوارة، على وجه الخصوص، معزولة قانوناً، فهي نقطة تفتيش رئيسية يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، الذي زاد بخناقه من صعوبة التحديات التي تواجهها في ظل تدهور اقتصادي أعقب وباء كوفيد-19.

كل شيء تغير منذ عام 2022، فقد أصبحت حوارة بمثابة موقع للمقاومة الفلسطينية المسلحة ونقطة اشتباك رئيسية مع قوات الاحتلال والمستوطنين، ففي سبتمبر، قُتل فلسطيني بعد اتهامه بمحاولة دهس، وفي ديسمبر، تم إعدام شاب من مسافة قريبة بعد أن رفض الاعتقال من قبل جندي إسرائيلي، كما شهدت حوارة ما يُعرف بمعركة رفع العلم الفلسطيني مؤخراً.

في حوارة اليوم، استبدل الاحتلال الإسرائيلي سياسة “الاحتواء الاقتصادي” الفاشلة بسياسة “محو” البلدة، وما حرائق 26 فبراير إلا ملمح من ملامح هذه السياسة التي تتواطأ فيها الحكومة الإسرائيلية مع المستوطنين تمهيداً لضم حوارة واراضٍ أخرى في الضفة الغربية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة