بقلم علي باكير
على الرغم من التزام الجانبين بالصمت إلى حد كبير، إلا أن ملامح حرب إعلامية بين شخصيات سعودية ومصرية تتكشف على خلفية طلب القاهرة الذي لا يتوقف للحصول على المزيد من الدعم النقدي والمطالبة بتغيير سياسات الرياض في المساعدات المالية التي تنتهجها تجاه القاهرة، حرب إعلامية بالوكالة بين الحكومتين.
في أواخر يناير الماضي، كتب الكاتب السعودي المقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تركي الحمد، تغريدة على تويتر، أشار فيها إلى العوامل الرئيسية التي تدفع مصر نحو الهاوية، من الهيمنة المتزايدة للجيش على اقتصاد الدولة والبيروقراطية المتقادمة في البلاد إلى ثقافة شعبية سائدة تتسم بالاستسلام وانتظار مساعدة الغير، تغريدة أثارت الجدل واعتبرتها شخصيات مصرية قريبة من الحكومة تدخلاً في شؤون مصر الداخلية.
بعد أيام، كتب الأكاديمي السعودي، خالد الدخيل، تغريدة على تويتر أيضاً، واصفاً فيها الوضع السياسي والاقتصادي في مصر، والتي ربطها بحادثة تاريخية حين صعد العسكر إلى الحكم في مصر إبان ثورة 1952، مؤكداً أن الوضع لم يسمح بظهور بديل سياسي واقتصادي، فيما كتب المقرب من محمد بن سلمان، علي الشهابي، “تستمر مصر في التعويل على إنقاذها باستمرار، لكن المانحين يفقدون الاهتمام بالاستمرار في ذلك، مصر ثقب أسود لن يغلق أبداً ما لم تكن الحكومة قادرة على إجراء إصلاحات هيكلية”، بالإضافة إلى تغريدات سعودية أخرى تجتمع كلها على إيصال رسالة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية.
يصر بعض المراقبين على أن السعودية في نهاية المطاف ستضطر إلى دعم نظام السيسي مالياً
أما على الضفة المصرية، وفي إطار الرد على الانتقادات السعودية، نشر رئيس تحرير صحيفة “الجمهورية المصرية” التابعة للحكومة، عبد الرزاق توفيق، مقالاً مليئاً بالإهانات للسعوديين، دون تسميتهم صراحة، فصب مقاله الزيت على النار، واستجلب رداً قاسياً من الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، عبد الله الفوزان.
لم تترك الحرب الإعلامية لتخرج عن السيطرة، فلم يطل الأمر حتى اختفى مقال توفيق من موقع “الجمهورية” وتم استبداله بقطعة جديدة، أشاد فيها بالنظام السعودي، وأكد أن العلاقات المصرية السعودية تاريخية ورصينة، ملمحاً إلى أن الإخوان المسلمين هم وراء “الفتنة” بين البلدين بحسب تعبيره، وبالمثل حذف السعوديون تغريداتهم الهجومية.
لا شيكات مفتوحة بعد اليوم!
لقد اندلعت الحرب الإعلامية بعد أيام من إعلان وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن المملكة لن تقدم منحاً أجنبية غير مشروطة بعد الآن، ونقل على لسانه قوله “اعتدنا تقديم المنح والودائع المباشرة دون قيود، نحن بحاجة لرؤية إصلاحات، نريد المساعدة حقاً ولكننا نريد من الآخر أن يقوم بدوره أيضاً”، ورغم عدم ذكره مصر صراحة، إلا أن كلامه فُهم على أنه موجه لها.
لقد كان لغياب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن قمة أبو ظبي في يناير، والتي حضرها السيسي، دور في تعزيز التصور حول رسالة الجدعان بأنها كانت موجهة بالفعل إلى الرئيس المصري والمؤسسة العسكرية، رغم أنها لم تكن القمة الاولى التي غاب فيها بن سلمان، فقد غاب عن اجتماع العلمين، الذي ضم رؤساء الأردن والعراق والإمارات والبحرين، في مصر قبل أشهر كذلك.
ويمكن القول أن التوترات الأخيرة بين مصر والسعودية ترجع في جذورها إلى “اتفاقية العلا”، التي أنهت الأزمة الخليجية التي استمرت 4 سنوات عام 2021، حيث اعتبرت الاتفاقية بمثابة صفقة وتفاهم ثنائي بين الدوحة والرياض، لم يتم إشراك مصر فيه ولم يحضر السيسي القمة، رغم أن مصر كانت طرفاً في النزاع ضد الدوحة طوال السنوات الأربع.
بعد التصالح، أخذ الفرقاء الخليجيون برسم مسارات سياستهم الخارجية معاً، وتم استثناء مصر التي تُركت بمفردها، واضطرت إلى الانكفاء نحو ترتيبات ثنائية مع قطر، من أجل تطبيع العلاقات مع الدول الخليجية الغنية بالنفط، فقد كان السيسي يرى في ذلك مصدراً جديداً لمزيد من المنح المالية، في أثناء ذلك، صنع لنفسه أزمة أكبر من أن تستطيع دولة أو حتى حفنة من دول الخليج التعامل معها أو تحمل أعبائها!
وبحلول منتصف عام 2021، ارتفع إجمالي الدين المصري من كبار الممولين مجتمعين، السعودية والإمارات وغيرها، إلى 392 مليار دولار، وهو دين كان قد بدأ بعد تولي السيسي للسلطة عام 2013، حين تلقت مصر أول منحة بقيمة 42 مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت، ومن يومها ظل الدين مستمراً ويتزايد، الأمر الذي أوصل الحكومة المصرية اليوم إلى بيع أصول الدولة للسعودية والإمارات!
في ديسمبر الماضي، نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين، أن مصر أوقفت تنفيذ صفقة تسليم جزيرتي “تيران وصنافير” الاستراتيجيتين إلى السعودية، وذلك قبل أسبوع واحد فقط من الموعد المقرر بينهما سابقاً، في ظل أصوات مصرية معارضة اعتبرت عملية النقل تنازلاً عن الحقوق السيادية لمصر مقابل الدعم المالي السعودي.
التنافس السعودي الإماراتي
ويعد التنافس الإقليمي بين الإمارات والسعودية سبباً مهماً في التوترات المتصاعدة بين مصر والسعودية، فعلى الرغم من كل الدعم الذي قدمته السعودية للسيسي، إلا أن السيسي يبدو أقرب للإماراتيين، وهو أمر ألمح إليه الأكاديمي السعودي المقرب من الحكومة، عبد الخالق عبد الله، في تغريدة بقوله ” المحور الرباعي العربي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) أنهى دوره وأصبح جزءاً من الماضي، قمة أبو ظبي الأخيرة وضعت أسس محور عربي جديد”.
في يناير الماضي، استضافت الإمارات السيسي مرة أخرى في القمة العالمية للحكومات 2023، وفي حديثه خص السيسي الإماراتيين بدعمهم المبكر لانقلابه ووصوله إلى السلطة عام 2013، كما برر السيسي الوضع الذي يمر به الاقتصاد المصري بأنه يواجه تحديات متوازية في آن واحد وعلى عدة مستويات، متناسياً سيطرة العسكر على الاقتصاد بصفتها علامة الفساد الأهم، كما أعاد ضمنياً الحديث عن الخوف المصطنع من “الإرهاب”، والذي اعتبر أن الدعم الإقليمي ساعد مصر في مواجهته.
وفي ما يخص التوتر مع السعودية، فلم يلمح السيسي إلى الرياض أن بن سلمان بشكل مباشر، وإنما أوعز التوترات إلى من اعتبرهم “كتاباً متحيزين” ووسائل التواصل الاجتماعي، محذراً من السماح لذلك بالتأثير على “العلاقات الأخوية” على حد تعبيره.
ظاهرياً، يبدو وكأن الحرب الإعلامية انتهت في الوقت الحالي، إلا أن التوتر بين الرياض والقاهرة لا يزال يمثل مشكلة مستمرة، ومن المستبعد أن تختفي أزمة مصر من تلقاء نفسها، خاصة في ظل غياب الإصلاحات الجذرية.
والمفارقة، أنه على الرغم من كل ذلك، فإن السعودية قد تضطر بالنهاية لدعم مصر مالياً، لسبب جوهري بالنسبة لها، فإذا انهار النظام العسكري، على الأرجح سيكون البديل هو الإسلاميين، وهذا “بعبع” السعودية، ربما لن يكون أمامها إذن إلا إنقاذ النظام العسكرية مرة أخرى، لأن انزلاقه يعني انزلاق مصر نحو الفوضى، الأمر الذي تعتبره السعودية بل وإسرائيل والولايات المتحدة خطراً كبيراً، لذلك سينتهي الأمر بدعم سعودي طواعية أو تحت إجبار أمريكي إسرائيلي، وليس لن إلا أن نراقب لنرى ما سيحدث.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)