بقلم جوناثان كوك
لقد أدى الهجوم العنيف من قبل مئات المستوطنين اليهود على بلدة حوارة الفلسطينية قبل أكثر من أسبوع، بالإضافة إلى رد فعل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، إلى انقسام الرأي العام اليهودي في إسرائيل وانزعاج شرائح من اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل، ففي بريطانيا، على سبيل المثال، وجد مجلس النواب الذي يمثل الجالية اليهودية في بريطانيا ويدافع دائماً عن إسرائيل، نفسه مضطراً لإصدار بيان قصير يدين فيها تعقيب وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا فيه إلى “محو” حوارة.
لا يحتاج الفلسطينيون تعاطفاً متأخراً جداً من إسرائيل أو مؤيديها… إنهم بحاجة إلى تضامن حقيقي وحماية دولية جادة
بعد أيام من الهجوم العنيف، علق المؤرخ البريطاني، سيمون شاما، معتبراً ما جرى في حوارة “مرعباً للغاية”، وحث زملاءه اليهود على التحدث، فانضمت إليه النائب عن حزب العمل التي لطالما عارضت رئيس الحزب السابق جيريمي كوربين بسبب تضامنه مع الفلسطينيين، مارغريت هودج، التي قالت أن “إسرائيل تمر بلحظة خطيرة ولا يمكن لليهود البريطانيين الوقوف جانباً”.
المفارقة، أن قائد الجيش الإسرائيلي الذي سمح جنوده للمستوطنين بالهجوم، يهودا فوكس، هو ذاته وصف ما حصل بأنه “مذبحة”، الأمر الذي يعكس دلالات مقلقة خاصة لليهود، فالمصطلح ارتبط تاريخياً لدى اليهود بالمجازر والتطهير العرقي الذي تعرضوا له في أوروبا الشرقية وصولاً إلى المحرقة النازية.
أما الفلسطينيون، فهم لا يحتاجون تعاطفاً متأخراً جداً من أي طرف كان، هم بحاجة لضبط النفس من العواصم الغربية، وتضامن حقيقي وحماية دولية جادة، خاصة مع انتشار جاذبية الفكر الفاشي الديني في أنحاء إسرائيل، فالخطابات وإن كانت بحسن نية، تضلل أكثر بكثير مما توضح، ولا تقود لنتيجة حقيقية.
عهد إرهابي
في ليلة 26 من فبراير، اقتحم مستوطنون البلدة وأمضوا ساعات في ترويع سكانها بين حرق ونهب المنازل والسيارات وقتلوا فلسطينياً بالرصاص، حتى أن مقاطع الفيديو أظهرت الجنود الإسرائيليين والشرطة المسلحة بدور المتفرج أو المساعد في الهجوم الذي جاء بعد قيام فلسطيني مسلح بإطلاق النار على مستوطنين قرب البلدة في نهار ذلك اليوم.
وتقع بلدة حوارة على تقاطع رئيسي بالقرب من مدينة نابلس، في نقطة تعد شريان حياة مهم للمستوطنين لأن معظم حركة المرور، سواء بين المستوطنين أو الفلسطينيين، تمر عبر حوارة إلى نابلس ومناطق شمال الضفة الغربية، فهي نقطة وصل بين شمال الضفة وجنوبها، ويعتبر المستوطنون في هذه المنطقة الأكثر تطرفاً وعنفاً في الضفة، وهم اليوم شركاء أساسيون في حكومة نتنياهو الفاشية المتطرفة دينياً، يمثلهم بن غفير وسموتريتش، بعد أن فازوا بسبب المستوطنين المتطرفين بالانتخابات البرلمانية قبل أكثر من عام بحصة وافرة لأول مرة.
مضى أكثر من 30 عاماً على اتفاقيات أوسلو، وإسرائيل ما زالت ترفض تفكيك المستوطنات وإعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً، وبلدة حوارة ما هي إلا مثال على منطقة محتلة وجدت نفسها محاصرة بسيطرة عسكرية دائمة، يعيش في ظلها سكان البلدة في رعب دائم من “جيرانهم” المستوطنين اليهود غير المرغوب بهم، خاصة مع انغماسهم في الاعتداءات والمضايقات إلى جانب الجيش والشرطة الإسرائيلية.
ولم تتذكر الأمم المتحدة التعقيب إلا بعد مضي أسبوع على الحريق، حين قالت مقررة الأمم المتحدة للأراضي المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، أنه يجب التحقيق مع إسرائيل في جرائمها ضد الشعب الفلسطيني!
“هجمات لا ترحم”
الرد الرسمي في الحكومة الإسرائيلية جاء فعلياً على لسان وزير المالية المتطرف، سموتريتش، حين علق على العنف بالدعوة إلى المزيد من العنف حتى “محو” البلدة على حد تعبيره، بل ودعى إلى تنظيم ذلك عن طريق الدولة بدلاً من تركه عشوائياً بين المستوطنين، الأمر الذي كرره مسؤولون إسرائيليون آخرون أيضاً، مثل الجنرال المتقاعد، زفيكا فوغل، الذي قال “حوارة أغلقت واحترقت، هذا ما أريد أن أراه”، وكان في وقت سابق صرح لقناة أخبار بريطانية بقوله “إن إسرائيل رحيمة للغاية تجاه الفلسطينيين، وحان الوقت لنتوقف عن ذلك”.
معظم الإسرائيليين يفهمون، بشكل شعوري على الأقل، أن دولتهم تأسست من خلال المحو عبر تفجير وهدم مئات المجتمعات التي تشبه حوارة عام 1948، فما المانع أن تستمر هذه العملية الآن؟
ما الذي تعنيه دعوات يطلقها وزير حكومي رفيع المستوى للتشجيع على العنف المنظم من قبل الدولة ضد مدنيين بسبب وضعهم العرقي أو القومي؟ لا تعني بوضوح إلا الإبادة الجماعية، أما على إسرائيل، فيتم تطبيق معايير أخرى، ببساطة، لأنها الشريك الرئيسي للولايات المتحدة وأوروبا في إبراز القوة الغربية في الشرق الأوسط الغني بالنفط، وتنوب عن الغرب بشكل ما، فبدلاً من التركيز على فكرة أن التهديد صادر عن وزراء يتحكمون اليوم بالوسائل التي يمكن من خلالها القيام بأعمال الإبادة الجماعية، قامت الإدارة الأمريكية بوصف تصريحات بن غفير وسموتريتش بأنها “غير مسؤولة وبغيضة” فقط!
مشروع إبادة جماعية!
أعتقد أن هناك ما هو أخطر من رد فعل الغرب الضعيف تجاه ما قام به المستوطنون، فدعوة سموتريتش لأنصاره من المتطرفين بأن لا تقتصر إبادة الفلسطينيين على الأفراد بل هو واجب الدولة، يشكل تذكيراً لهؤلاء الفاشيين المتدينين بأنه هو وبن غفير الآن هما الدولة بفضلهم، وكأنه يطمئنهم إلى وجودهما للمساعدة في الإبادة، لأنه وبن غفير أصبحا يديران الاحتلال بشكل فعال، وأنهم حلفاء مع هؤلاء المستوطنين، بالإضافة إلى ذلك، هو يذكرهم بأنه وبن غفير يقاتلان في زاوية لا يستطيعان الفوز بالمعركة فيها بمفردهما، فهم بحاجة إلى “كفاح” المستوطنين معهم لاستدراج الوزراء المترددين بسبب رد الفعل الدولي.
ولا يعد توجه سموتريتش بعيداً عن تصورات طالما عبر عنها وزراء حكومة أو حتى رؤساء وزراء منذ عقود، فكثير من الجنرالات وكبار السياسيين والحاخامات على حد سواء، يصفون الفلسطينيين بالصراصير والثعابين والقمل والسرطان، حتى أن حاخامات المستوطنين دعوا اليهود إلى قتل الأطفال الفلسطينيين.
ومن الأمثلة على التصريحات المعادية للفلسطينيين، ما أشار إليه الجنرال الإسرائيلي ماتان فيلنائي عام 2008، حين استخدم كلمة “محرقة” في دعوته إلى إبادة الفلسطينيين في غزة، أو كما قام رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، بتشبيه اسرائيل كأنها “فيلا في غابة”، في إشارة إلى أن المخلوقات الخطرة خارج الفيلا يجب إبادتها، ونتنياهو نفسه كان قد صرح في انتخابات 2019 بأن الأحزاب العربية في إسرائيل تريد إبادة اليهود، ملمحاً إلى أن على إسرائيل المسارعة في إبادتهم.
نظراً للتاريخ الذي قامت عليه إسرائيل، فإن سموتريتش يعرف أنه لم يأتِ بجديد، فهو يدرك أن معظم الإسرائيليين يفهمون، بشكل شعوري على الأقل، أن دولتهم تأسست من خلال المحو عبر تفجير وهدم مئات المجتمعات التي تشبه حوارة عام 1948، فما المانع أن تستمر هذه العملية الآن؟ لماذا لا يتم الإفصاح عن نية الضم والاستيلاء بوضوح تجاه أراضي 67 كما تم مع أراضي 48؟
تعليق سموتريتش كان طائشاً وخشناً وغير دبلوماسي، ولكنه أراح الداعمين المتعصبين للدولة الفاشية اليهودية، فأكبر مخالفة في التعليق ليس الدعوة لمحو حوارة، بل أنه قدم الحقيقة غير مخبأة أو منمقة، فاللغة التي استخدمها سموتريتش ستساهم في تسريع وتكثيف سياسة الدولة القائمة على العنف والتطهير العرقي، فهي “الإبادة العلنية” بدلاً من سياسة “الضم الزاحف”.
قبل إعلان إدانته لتصريحات سموتريتش، أصدر مجلس النواب البريطاني بياناً، لم يربط فيه فقط الهيجان ضد الفلسطينيين بدعم القوات الإسرائيلية بمقتل المستوطنين في حوارة في نهار ذلك اليوم، بل أشار إلى أن الهجوم كان شكلاً من أشكال الانتقام، وعلى الوجه الآخر، لو أن أحداً من منتقدي إسرائيل فعل شيئاً مشابهاً لكن بالعكس، لكان تم اعتبار الربط تبريراً للعنف الفلسطيني!
هذه هي استراتيجية المدافعين عن إسرائيل دائماً، حيث يمكن تبرير أي جريمة أو اعتداء من جانب إسرائيل، على اعتبار أن الفلسطينيين هم من بدأوا أو أنهم متطرفون أو أنهم يريدون القضاء على اليهود، أعذار لا تنتهي، والآن مع وجود الفاشية الدينية في قلب الحكومة، صار سموتريتش وبن غفير هما الذريعة، فهما “سبب ويلات إسرائيل”، وهذا غطاء جديد من الخداع والتضليل.
منذ اليوم الأول، تأسست إسرائيل كدولة يهودية متعصبة، لم تتراجع يوماً، بل تواصل السير في ذلك الطريق، ومع الوقت تزداد ثقة وأقل استعداداً للتنازلات، خاصة وأن الدلائل تشير إلى أن المدافعين عن إسرائيل في الغرب سيلتزمون دور المتفرج بينما يعاني الفلسطينيون، سوف يزداد الصخب الإسرائيلي نمواً مع وجود فكر سموتريتش وبن غفير مقلقاً نوم المدافعين في الحرب على نار فاشية تهدد بحرق الأخضر واليابس!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)