شهدت الشهور الأخيرة سلسلة لقاءات بين مسؤولين أمريكيين وإماراتيين على خلفية انزعاج واشنطن مما تسميه دوراً إماراتياً في مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات.
ففي أواخر كانون ثاني/ يناير توجه وفد أمريكي رفيع يترأسه وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسون للقاء كبار المسؤولين من آل نهيان في أبو ظبي بغية مواصلة التنسيق بشأن عدد من القضايا من ضمنها التمويل غير المشروع واستخدام روسيا للإمارات للتحايل على العقوبات الغربية.
“بالتأكيد يفضل الإماراتيون أن لا يضطروا إلى الاختيار بين روسيا والولايات المتحدة، لكن في هذه الحالة لا يمكنك أن تكون محايدًا، وأي حياد مفترض هو في الواقع دعم لروسيا”- جوناثان وينر
ثم أعقبت هذه الزيارة وبوقت قصير زيارة من جيمس أوبراين، رئيس قسم العقوبات في وزارة الخارجية الأمريكية الذي عمل مستشارا في عدد من إدارات الديموقراطيين الأمريكيين السابقة.
ونشطت هذه الزيارات بعدما بدأ صبر واشنطن ينفذ سريعًا تجاه مواصلة دولة الإمارات العربية المتحدة الحليفة لها مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات المفروضة عليها عقب غزو أوكرانيا.
يتزامن ذلك مع عزم إدارة بايدن فرض نوع من الإجراءات ضد أبو ظبي، حيث قال جوناثان وينر، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى ليبيا والباحث غير المقيم في “معهد الشرق الأوسط: “بالتأكيد يفضل الإماراتيون أن لا يضطروا إلى الاختيار بين روسيا والولايات المتحدة، لكن في هذه الحالة لا يمكنك أن تكون محايدًا، وأي حياد مفترض هو في الواقع دعم لروسيا”.
في الأسبوع الماضي، برزت الإمارات في “موضع الاهتمام” الأمريكي حيث قالت إليزابيث روزنبرغ، المسؤولة في وزارة الخزانة الأمريكية، إن الشركات الإماراتية صدرت ما قيمته أكثر من 18 مليون دولار من البضائع إلى “كيانات روسية مصنفة تحت العقوبات من قبل الولايات المتحدة” بين تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر 2022.
ووفقًا لروزنبرغ، فإن 5 ملايين دولار من تلك العوائد جاءت من بضائع أمريكية المنشأ تخضع لحظر الصادرات الأمريكية إلى روسيا، بما في ذلك أشباه الموصلات، ويمكن استخدام بعضها في ساحة المعركة.
وفي سنة 2022، السنة التي بدأت فيها موسكو حربها في أوكرانيا، زاد حجم التجارة بين روسيا والإمارات بنسبة 68 بالمائة، ووصل إلى مستوى قياسي بلغ 9 مليارات دولار.
وأثناء استضافته نظيره الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان في سانت بطرسبرغ في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتطور المستمر للعلاقات الثنائية بين البلدين.
وأصبحت الإمارات واحدة من الوجهات الرئيسية للشركات الروسية التي تغادر أوروبا، وللأثرياء الروس الذين يتركون بلادهم إلى دبي أو أبو ظبي، حيث يمكنهم الاستمرار في أعمالهم وأنشطتهم المعهودة دون لفت للانتباه.
وشوهدت اليخوت الفارهة للمليارديرات الروس الخاضعين للعقوبات في مرسى ميناء راشد، بالقرب من مصب خور دبي، كما رصد المياردير الروسي المعروف والخاضع للعقوبات رومان أبراموفيتش يبحث عن منزل في نخلة جميرا بدبي.
ويعمل العديد من الروس الخاضعين للعقوبات عبر دبي، ويتمثل الدور الرئيسي الذي تلعبه الإمارات في كونها وسيطًا، بما في ذلك في الماضي فيما يتعلق بالتهرب من العقوبات الأخرى
في المقابل قال مصرفي استثماري بريطاني: “لقد انتهت لندنغراد إلى حد ما”، في إشارة إلى الوجود الساحق للأموال والأعمال الروسية في مدينة لندن.
ووفقًا لأوليفيا أليسون، مستشارة مستقلة تبحث في التدفقات المالية من الإمارات العربية المتحدة وخارجها إلى روسيا، فإن الحكومات الغربية تبحث في التهرب من العقوبات في الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالهياكل النفطية والمالية والشركات، والتجارة في السلع الخاضعة للعقوبات وذات الاستخدام المزدوج.
وأغلب الروس الذين انتقلوا إلى دبي من الأثرياء، وكثير منهم ليسوا من مؤيدي الحرب أو فلاديمير بوتين، لكنهم ما زالوا يعملون لدى الشركات الروسية كطريقة وحيدة للحفاظ على أسلوب حياتهم.
وقالت أليسون “أعتقد أن الإمارات العربية المتحدة هي الخيار الأكثر جاذبية لأن الجميع موجود هناك”.
وسبق أن اتهمت الولايات المتحدة الشركات الإماراتية بتسهيل التهرب من العقوبات الإيرانية.
وقالت أليسون: “من السهل جدًا إخفاء هوية التجارة في الإمارات ومن السهل جدًا إخفاء الملكية الحقيقية للشركات”.
منطقة عبور للبضائع المتجهة إلى روسيا
وفقًا لمحلل جيوسياسي مقيم في دلهي فضل عدم ذكر اسمه، فإن البضائع وخاصة المواد الغذائية تأتي من جميع أنحاء العالم إلى روسيا التي لم تكن مستعدة لحرب طويلة عبر الإمارات العربية المتحدة.
وأوضح:” تأتي البضائع والمنتجات من الهند أو سنغافورة أو ماكاو أو من أي مكان آخر، ويتم تمريرها عبر الإمارات العربية المتحدة – عادةً دبي، ولكن في بعض الأحيان أبو ظبي – ثم يتم نقلها بعد ذلك عبر الميناء، كبضائع تحمل علامة منشأ الإمارات العربية المتحدة”.
والآن، تكتظ الإمارات العربية المتحدة بالوسطاء الذين يعملون نيابة عن الروس والكيانات الأخرى الخاضعة للعقوبات، حيث تتزايد فرص إبرام الصفقات حتى مع الأمريكيين.
أحد الروس، ويدعى يوري أوريخوف، كان يقيم في دبي، وكان يتباهى باستخدام “أسوأ البنوك في الإمارات” -على حد وصفه- كجزء من خطة “للحصول بشكل غير قانوني على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية والنفط الذي تبيعه فنزويلا من خلال عدد لا يحصى من التحويلات التي تشمل الشركات الوهمية والعملات المشفرة”.
وتعليقًا على القضية، قال وكيل مكتب التحقيقات الفيدرالي جوناثان كارسون: “سنواصل تطبيق ضوابط التصدير غير المسبوقة التي تم تنفيذها ردًا على الحرب الروسية غير القانونية ضد أوكرانيا، ويعتزم مكتب إنفاذ قوانين التصدير ملاحقة هؤلاء المخالفين أينما كانوا في جميع أنحاء العالم”.
ويلاحظ المقيمون في دبي تغير التركيبة السكانية السريع هناك مع تدفق الروس الذين جاءوا بأعداد كبيرة، وأغلبهم من الأثرياء الذين تسبب قدومهم بارتفاع كبير في أسعار الإيجارات والعقار.
تاريخ من الضغوطات
يعود الانزعاج الأمريكي من الإماراتيين إلى سنوات أوباما على الأقل، عندما كانت الإمارات العربية المتحدة تعمل على تعزيز العلاقات مع موسكو من خلال وساطة في لقاء شركة “بلاك ووتر” الأمنية وصندوق الاستثمار المباشر الروسي.
وكان الاجتماع مع برنس، الحليف المقرب لدونالد ترامب، جزءًا من جهد إماراتي واضح لإنشاء قناة خلفية بين موسكو والرئيس القادم، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين.
ومنذ ذلك الحين؛ تقاربت المصالح الروسية والإماراتية في ليبيا، حيث يعتقد أن الإمارات مولت أنشطة “مجموعة فاغنر”، التي تضم مرتزقة يعملون لحساب موسكو في ليبيا منذ العام 2019.
في واشنطن؛ تمتع الإماراتيون بقدر كبير من النفوذ خلال سنوات ترامب، وعلى الرغم من أن السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، هو أحد أفضل الدبلوماسيين الإماراتيين، إلا أن العاصمة الأمريكية انزعجت من جماعات الضغط التي تعمل نيابة عن أبو ظبي.
وتكتسب مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد الغزو الروسي أهمية حيوية لإدارة بايدن، الأمر الذي يجعل لخيارات الإماراتيين في هذا الملف عواقب أوسع على علاقاتهم بواشنطن، طالما ظل الرئيس بايدن في منصبه.
ومنذ عام 2016؛ أنفقت الإمارات أكثر من 154 مليون دولار على جماعات الضغط، حيث برز اسما إليوت برويدي وجورج نادر، اللذان عملا على الضغط ضد قطر نيابة عن الإمارات والسعودية في هذا الملف.
سيستغرق تنفيذ الآليات المالية وقتًا طويلاً، وفي الوقت نفسه، فإن عقارب الساعة تقترب من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في سنة 2024؛ حيث العودة المحتملة لرئيس جمهوري إلى السلطة.
للإماراتيين مصالحهم الوطنية الخاصة، وهم لا يتماشون بشكل كامل مع مصالح الولايات المتحدة، وسيمتثلون لطلبات الولايات المتحدة عندما يرون أن القيام بذلك في مصلحتهم العامة.