بقلم جنان عبدو
لا شك أن الحرب التي تقودها الحكومة الإسرائيلية اليمينية ضد النظام القضائي الإسرائيلي، قد سلطت الضوء على المزيد من القضايا المرتبطة بالمحكمة العليا الإسرائيلية، ومنها قضية تعذيب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بين المسموح والممنوع الذي جرت شرعنته في السنوات الماضية.
مرة أخرى، وتحديداً في 29 ديسمبر عام 2022، استسلمت المحكمة العليا الإسرائيلية لمطالب الدولة المتعلقة بظروف السجن وحجم الزنازين، حيث وافقت على طلب الحكومة ومددت للمرة الثالثة على التوالي الموعد النهائي لتوسيع المساحة المعيشية للأسرى يومين إضافيين من تاريخ الإرجاء.
وبالعودة إلى يونيو عام 2017، وفي إطار ردها على التماس قدمته منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، أصدرت المحكمة العليا أمراً بتوسيع المساحة المعيشية للأسرى إلى 4.5 متر مربع، مع منح مصلحة السجون مهلة 9 أشهر لتنفيذ ذلك، مع العلم أن حجم زنزانات السجون القياسية يتراوح بين 6 و12 مترًا مربعًا في معظم الدول الغربية، بينما يقل حجمها عن 3 متر مربع في السجون الإسرائيلية!
لقد بدا الحكم في ظاهره وكأنه إقرار بالظروف المعيشية القاسية والمهينة التي يعاني منها الأسرى الفلسطينيون، فقد كتب القاضي يتساق عميت مثلاً أن “المجتمع يتم تقييمه من خلال معاملته للسجناء… فحرمانهم من حريتهم بالحبس لا يعني حرمانهم من حقهم في الكرامة”، وبرغم الصيغة التي وردت في كلام القاضي، إلا أن المحكمة وافقت على إرجاء تلك الشروط 5 سنوات إضافية حتى وصلت إلى 10 سنوات منذ الحكم الأولي!
“غير صالح للبشر”!
يرجع أول التماس قدمته منظمات مدنية إسرائيلية لحقوق الإنسان إلى المحكمة العليا إلى العام 2014، حين طلبت تلك المنظمات من المحكمة النظر في مسألة الاكتظاظ في السجون من أجل إجبار الدولة على زيادة المساحة المعيشية للأسرى.
وجاء في الالتماس أن السجناء يُجبرون على قضاء ساعات من يومهم في الفراش، دون القدرة على الحركة أو الوقوف، نتيجة الاكتظاظ، ولذلك يُجبر الكثير من الأسرى في كثير من الأحيان على أداء روتينهم اليومي بالكامل في السرير، بالإضافة إلى الاكتظاظ يسبب الاختناق والأمراض ويضر بصحة الأسرى ويزيد الاحتكاك بينهم، فالمساحة التي توفرها مصلحة السجون دون الحد الأدنى الذي توصي به اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
يتراوح حجم زنزانات السجون القياسية بين 6 و12 مترًا مربعًا في معظم الدول الغربية، بينما يقل حجمها عن 3 متر مربع في السجون الإسرائيلية!
لكن الواقع لم يتغير منذ 10 سنوات حتى اليوم، ولم تفعل الحكومة الإسرائيلية شيئاً، فقد وصف تقرير الدفاع المدني الإسرائيلي الصادر لعام (2019-2020) الأوضاع في السجون بأنها “انتهاك خطير لكرامة الإنسان” وأنها “غير صالحة للبشر”، وهذا أمر “ينتهك التزام الدولة بالامتناع عن العقوبة القاسية والمهينة وفقاً لمعايير القانون الدولي”.
كما ذكرنا، في يونيو 2017، أمرت المحكمة العليا بزيادة الحد الأدنى من المساحة المعيشية في السجون على مرحلتين مقسمة على 9 أشهر لكل مرحلة، يعني ما يقارب عاماً ونصف، ولكن قبل انتهاء الوقت المفترض للمرحلة الأولى بأسبوع، وتحديداً في مارس 2018، قدمت الحكومة الإسرائيلية طلباً لتأجيل التنفيذ 10 سنوات حتى عام 2027!
رفضت المحكمة في البداية طلب الحكومة بالتأجيل، مما دفع الحكومة إلى تقديم خطة لبناء أجنحة جديدة للأسرى وزيادة الإفراجات لإخلاء ألف مكان احتجاز، ولكن الحكومة ظلت تماطل ولم تفعل شيئاً حتى نهاية 2018.
ثغرة التعذيب
في 29 يوليو 2018، أبلغت الحكومة المحكمة بخطتها لإنشاء مراكز جديدة لإيواء الأسرى، الذين تم استجوابهم من قبل الشاباك، بحلول عام 2026، دون العمل على توسيع المساحة المعيشية في الزنازين الحالية، بحجة أن توسيع المساحة سيضر بقدرة الشاباك على الحصول على المعلومات وسوف يؤثر بشدة على عدد التحقيقات التي يتم إطلاقها كل مرة.
معاناة الأسرى الفلسطينيين، من برد وضوضاء وحرمان من النوم وقيود حركة وسوء نظافة وتعذيب، مستمرة مع وقف التنفيذ داخل السجون الإسرائيلية!
المفارقة في هذا التبرير هي أن الحكومة بذلك تعترف بأن المساحة المعيشية دون الحد الأدنى بالفعل، بل وأن ذلك مقصود مما يشكل بوضوح وسيلة للتعذيب والضغط على الأسرى من أجل “الحصول على المعلومات” أو “اعترافات من الأسرى الفلسطينيين”، وهو أمر ينتهك اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها إسرائيل.
في عام 2022، وافقت لجنة برلمانية إسرائيلية بالإجماع مرتين على مشروع قانون لتعديل قانون العقوبات يشمل صلاحيات الاعتقال ومكان العيش في مراكز الاحتجاز، مستثنياً من ذلك المراكز التي يحقق فيها الشاباك مع الأسرى من توسيع المساحة المعيشية حسب أوامر المحكمة العليا.
ويزيد الطين بلة أن مشروع القانون يقترح تطبيق معايير سرية من قبل الشاباك، معايير تعطي الضوء الأخضر وتشرعن لظروف التعذيب، من خلال إقرارها من قبل لجنة مشتركة بين وزارة العدل وجهاز الشاباك ويصادق عليها رئيس الوزراء بشكل مباشر، الأمر الذي يعد التفافاً على قرار المحكمة العليا وينذر باستمرار انتهاك حقوق الأسرى تحت طائلة قانونية!
لقد أدى طلب الحكومة الإسرائيلية تأجيل تنفيذ قرار المساحة المعيشية إلى دخول المحكمة في دوامة ما بين تمديد يعد من صلاحياتها نظرياً، ولكنه يساهم في استمرار الوضع غير القانوني في السجون، يعني أن معاناة الأسرى الفلسطينيين، من برد وضوضاء وحرمان من النوم وقيود حركة وسوء نظافة وتعذيب، مستمرة مع وقف التنفيذ داخل السجون الإسرائيلية
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)