ولخلق نسختها المحببة من “الإسلام النمساوي” تتوالى إساءات النمسا إلى غالبية مسلميها

بقلم فريد حافظ

في السنوات الأخيرة، حاولت الدول القومية الأوروبية السيطرة بشكل أكبر على النظرة الدينية لسكانها المسلمين.

وبعد اتفاق مبدئي اتخذ في سنوات ما بعد الحرب على “إسلام السفارة”، وهو نهج جديد اعتمد في أواخر التسعينيات، وبرز بشكل خاص بعد أحداث 11 سبتمبر، والذي ترك بشكل أساسي القضايا الدينية لحكومات البلدان التي هاجر مواطنوها المسلمون منها إلى أوروبا، حاولت وزارات الداخلية تأكيد سيطرتها على رعاياها المسلمين، بهدف خلق مفهوم “الإسلام القومي” حيث يصبح هناك إسلاما ألمانيا وفرنسيا وهولنديا ونمساويا وهكذا”.

وكانت الدول، في بعض الأحيان، تشارك بشكل مباشر في هذه المشاريع، وغالبًا ما حظيت هذه الأفكار بالدعم من قبل المؤسسات ومراكز الفكر التي لعبت دورًا كبيرًا في أروقة السلطة.

ومن الأمثلة على ذلك، المنتدى الإسلامي في ألمانيا، الذي تأسس في العام 2015 بدعم من مؤسسة كونراد أديناور، المرتبطة بالاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ينتمي إلى يمين الوسط.

ويضم المنتدى العديد من دعاة السياسات المعادية للمسلمين، بمن فيهم الأكاديمي مهند خورشيد، والطبيب النفسي أحمد منصور، والباحث رالف الغضبان.

ويؤكد المنتدى أن غالبية المسلمين غير ممثلين في ألمانيا، وأنه يمكن أن يقدم للسياسيين “شريكا آخر للتواصل يعكس المواقف غير المصرح بها للمسلمين في ألمانيا”، لكن المبادرة، التي تهدف إلى تمثيل الإسلام الليبرالي الألماني، لم تعد نشطة.

وغالبًا ما تترك محاولات إنشاء هياكل مماثلة للتحدث باسم “الأغلبية الصامتة” أو “الأصوات الليبرالية” للإسلام المزعومة مذاقًا مريرًا.

أنشأت النمسا، التي قادت العديد من السياسات المعادية للمسلمين، خاصة خلال فترة المستشار السابق سيباستيان كورتس، مركز توثيق الإسلام السياسي، الذي حذرت الجالية الإسلامية في البلاد من أنه يمكن أن يصبح “مؤسسة رقابية”.

تصدير القتال

ومنذ إنشائه في عام 2020، تضاعفت الميزانية السنوية للمركز ثلاث مرات لتصل إلى 1.7 مليون يورو (1.8 مليون دولار)، كما عملت وزيرة الاندماج النمساوية، سوزان راب، التي قدمت “خريطة الإسلام” سيئة السمعة للمركز في عام 2021 – بجدٍ لتصدير الحرب المحلية ضد ما يسمى بالإسلام السياسي إلى دول أوروبية أخرى.

ويشير مصطلح “الإسلام السياسي” في هذا السياق بشكل أساسي إلى التنظيم المجتمعي المستقل أو انتقادات لسياسات الحكومة.

عقد “منتدى فيينا حول مكافحة الفصل والتطرف في سياق الاندماج”، والذي اجتذب مشاركة 11 دولة، اجتماعه السنوي الثاني في ديسمبر 2022.

ولكن في حين أن الاقتتال الداخلي ضد “الإسلام السياسي” عادة ما يضيع في المحاكم- التي رفضت العديد من المشاريع الحكومية الرئيسية من حظر الحجاب في النمسا في المدارس، إلى إغلاق المساجد، وإلى أجزاء من “عملية الأقصر” العنصرية الشائنة- فقد ظهرت مبادرة جديدة في الأفق.

ففي وقت سابق من هذا العام، تم إنشاء منتدى المسلمين في النمسا، وأعلن مؤخرًا عن خطط لإنشاء مؤتمر إسلامي نمساوي على غرار النموذج الألماني، والذي تم انتقاده بشدة باعتباره وسيلة لتأديب المسلمين الألمان.

و من المثير للاهتمام، أن منتدى المسلمين في النمسا لا يبدو أنه مجموعة شعبية ينظمها مسلمون عاديون بقدر ما هو مشروع تقوده الدولة ويريد خلق المزيد من فرص الحوار للمسلمين مع السياسة والإعلام والكنائس والأوساط الأكاديمية

ووفقًا لوزارة الاندماج، سيتم دعم المؤتمر والفعاليات المرتبطة به بميزانية تبلغ حوالي 250 ألف يورو (264 ألف دولار) في عام 2023.

ويقود المنتدى مهند خورشيد، الذي كان نشطًا في المنتدى الألماني المماثل ورئيس المجلس الاستشاري لـ مركز توثيق الإسلام السياسي، وكان قد أيد سابقًا إغلاق المساجد وحظر الحجاب في المدارس.

سيطرة الحكومة

ولم يكن من المستغرب أن تنتقد الجالية المسلمة في النمسا المؤسسة الجديدة بشدة، كونها لا تتمتع بالشرعية، فالمنتدى “يريد مأسسة الحوار حول الإسلام في النمسا” دون إشراك “الفاعلين المركزيين في الحياة الإسلامية” في البلاد.

لكن الغريب يكمن في أن المنتدى الذي لم يظهر في المجال العام قبل إطلاق مؤتمره الصحفي، سارع للإعلان عن رغبته في دعوة الجالية المسلمة وجميع المسلمين الآخرين لبدء الحوار، دون أن يتم التواصل مع المجتمع من قبل.

كما لم يكن من المستغرب أيضا أن يلقى هذا انتقادات شديدة من مسلمي النمسا، إلا أن المنتدى دافع عن نفسه، بحجة أنه لا يريد تمثيل المسلمين، بل يريد أن يكون غير حزبي ويظهر تنوع المسلمين.

وفي الوقت نفسه، فإن وجود خورشيد كوجه رئيسي للمنتدى الإسلامي في النمسا هو أمر منطقي بالنسبة لدوائر السياسة المحلية، إذ إن خورتشيد يعتبر مؤلفا حائزا على جوائز وأستاذا في إحدى الجامعات الألمانية، وقد أصبح “الصوت الناعم للإسلام الليبرالي”.

وبشكل عام، يسلط المنتدى الإسلامي في النمسا الضوء على حقيقة مهمة واحدة وهي الدولة التي تمول بشكل كبير المؤسسات التي تهمش المسلمين، بينما تدعم في نفس الوقت الجماعات الجديدة التي تمثل “المسلمين الجيدين”.

وفي نهاية المطاف، يبدو أن هذا لا يتعلق بما يجب أن يمثله “الإسلام الصالح” بقدر ما يتعلق بكيفية سيطرة السلطات المثلى على ما تعتبره مصدرا للتهديد المحتمل من قبل جزء من السكان.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة