شبيك لبيك: أحلام سيادتك أوامر! رواية دينا محمد عن عالم موازٍ للأمنيات!

بقلم نشوى نصر الدين

“إذا سنحت لك الفرصة لشراء أمنية ، فماذا ستتمنى؟”

برغم قدم السؤال الجوهري الذي يدور حوله هذا الكتاب، إلا أنه لا يزال محط اهتمام البشرية، ومن أرسطو إلى علاء الدين، كان تحقيق الرغبات والأمنيات محوراً أساسيا في سرد القصص والفلسفة على حدٍ سواء.

ففي عالم هذه الرواية المصورة والملهمة للمؤلفة والرسامة والمصممة المصرية دينا محمد (التي ابتكرت أيضا فيلم “قاهرة” الهزلي في عام 2013 عن بطلة مصرية خارقة ترتدي الحجاب)، فإن الرغبات هي سلع يمكن شراؤها.

لا يقف معظم الناس مطولا عند الحديث عن هذا السؤال، لكنهم إذا ما أوتيت لهم الفرصة للحصول على رغبة عالية الجودة من الدرجة الأولى، فسيستخدمها البعض لعلاج الأسقام أو الأمراض الوراثية أو ربما لمساعدة المحتاجين.

بينما قد يرغب البعض الآخر في الحصول على درجات علمية أفضل وقضاء أوقات مميزة في العطلات وتحسين مظهرهم الخارجي.

لكن الأبطال الرئيسيين في كتاب دينا محمد مختلفون تماما- فقد ناقشوا السؤال وتوصلوا إلى استنتاجات مدهشة وعميقة، إنهم يفكرون في الاحتمالات والمخاطر.

وكما يحذر أستاذ إحدى الشخصيات في الرواية، فإن ” توفر أمنية من الدرجة الأولى يعني الحصول على ما تريده بالضبط، لكن بالنهاية! من يستطيع القول أن ما تريده … هو بالضرورة ما تحتاجه؟! ”

التفكير والرفاهية

يصل هذا التأمل إلى ذروته في القسم الثاني من الكتاب، الذي يعرض لمحة عن طالبة جامعية تُدعى نور.

وفي حين يحلم جيران نور الأثرياء بتحقيق أمنيات باهظة الثمن كمشاهدة الديناصورات وركوب السيارات الطائرة بشكل غير قانوني، فإن نور التي تتمتع بامتياز كافٍ لتتحمل تكلفة أمنية من الدرجة الأولى بسهولة، لا تزال تعاني من مشاكل الصحة العقلية والشعور المتذبذب بالهوية والهدف.

وعلى الرغم من امتلاكها لسيارة تعمل بتقنيات عالية تمكنها من التخلص من حركة المرور المزدحمة، إلا أن نور لا تملك كل شيء.

يتم التعامل مع الصحة العقلية من قبل الجيل Z (المواليد من منتصف التسعينيات الى ما قبل العام (2010، بشكل خاص، بطريقة شاملة وحساسة، وهذا كتاب يجب أن يكون في مناهج المدارس الثانوية في جميع أنحاء العالم.

تصل نور إلى زجاجة الأمنيات بالطريقة التي قد يأمل بها المراهق أن يتحول بحذر شديد إلى أي شكل من أشكال الهروب المحفوف بالمخاطر.

ونظرًا لكون نور طالبة جامعية متخصصة بمجال “التفكير بالتمني والفلسفات”، وهو يناسب تماما موضوع الرواية، فلدى نور بعض الدراسات التي يجب عليها تسليمها من خلال إجراء مقابلات مع زملائها الطلاب حول تجاربهم السابقة مع الامنيات، وإجراء بحث مكثف على الإنترنت، ومحاولة الوصول إلى الأصدقاء، بالإضافة إلى تجربة مركزين مختلفين للرفاهية والعناية بالصحة.

إلا أنه مع فقاعات الكلام المعقدة، ومخططات الحالة المزاجية، ونصوص اجتماعات المعالج، تنهار عملية التفكير الخاصة بمراهقة تعاني من أزمة شخصية.

نور، التي يختبر دماغها كل تفسير ممكن للمزاج المتصاعد وعدم القدرة على العمل بشكل يومي، تتساءل: “لكن ماذا لو كنت أرغب في الشعور بنفسي مرة أخرى، لكن لا يتغير شيء لأنه ببساطة هذا هو ما أنا عليه الآن؟ ماذا لو كان هذا مجرد نضوج؟”

الرغبة العميقة للقلب

تنتشر أمثلة الامتياز وتفاوت الثروة والفساد في المجتمع الذي توجد فيه نور ومجموعة الشخصيات التي تستوطن هذا الكتاب.

نُشرت قصة نور في الأصل باسم “شبيك لبيك” في ثلاثة مجلدات منفصلة باللغة العربية وفازت بالجائزة الكبرى في مهرجان القاهرة للأعمال الهزلية في العام 2017، وهي الثانية من بين ثلاث روايات رئيسية.

الأول يعرّفنا على عزيزة، وهي أرملة ذات دخل منخفض مثقلة بديون زوجها الراحل المحبوب الذي كان يعاني من التوهم بعض الشيء، والذي كان طموحه الأكبر هو امتلاك سيارة مرسيدس بنز.

يؤدي خوف عزيزة من خطر وقوعها في الفقر الوشيك إلى المقامرة على أمنية باهظة الثمن من الدرجة الأولى، ومن خلال قصتها، نتعلم أن هذه الأمنيات لها ظروف خاصة بها – وروح دعابة شريرة، نظرًا لأن زوجها قد بدد الكثير من أمواله التي جمعها من أمنيات الدرجة الثالثة التي تعد الآن غير قانونية، ليتم خداعها في كل مرة.

المأساة ليست غريبة على عزيزة، فقد تربت على يد والدين مريضين تركوها يتيمة في النهاية، وخلال سنوات من الكسب غير المشروع، أصبحت قادرة على تحمل التكلفة الباهظة لأمنية من الدرجة الأولى، فقط لو لم يصادرها عناصر الشرطة، الذين يبذلون كل ما في وسعهم لترهيبها وإجبارها على التخلي عن الأمر، وخاطبوها متسائلين: “هل تمازحيننا؟ أمنية من الدرجة الأولى لشخص مثلك؟ هذا لا يصدق!”

من الطبيعي أن يتوطن الفساد في كتاب ينطوي على مثل هذه المخاطر الأخلاقية العالية، وإلى جانب العناصر السريالية والأسطورية التي تكمن وراء القصة، تسمح الروائية دينا محمد لجانب مثالي بشكل خاص بدخول السرد، مما يذكرنا بأن هذا عمل خيالي – لا يمكن استخدام الأمنيات إلا بموافقة المالك، حتى لو صادرتها السلطات.

ترفض عزيزة بيع أمنيتها الثمينة وتُترك لتقبع أسيرة في السجن، مما أتاح لها مزيدًا من الوقت للتفكير في “رغبة قلبها العميقة”.

وبينما يملؤها الندم على الطريقة الغاضبة التي انفصلت بها عن زوجها قبل وفاته، تدرك عزيزة أن الشيء الذي نحتاجه بشدة في بعض الأحيان هو “شيء لا يمكن شراؤه بالمال”.

لعنة قديمة

يقلب الفصل الأخير من الرواية مفاهيمنا عن الواقع إلى أبعد من ذلك، ويقدم لنا سردًا للتاريخ.

فمن خلال ذكريات الماضي السعيدة التي تظهر مدى موهبة الراوية الفنية، نرى أن الأمنيات كانت حاضرة منذ قدماء المصريين.

تعلمنا الرواية أنه في العام 1960، استغل مستكشف إيطالي دليله في صعيد مصر لسرقة القبر القديم المكتشف حديثًا من مخزون الأمنيات المعبأة في زجاجات.

وبدلاً من منح المرشد المحلي مكافأة مالية، قدم له المستكشف المحتال ثلاث زجاجات مصنفة على أنها من الدرجة الأولى، وتم تسليم صندوق الهدايا لابنه شكري، وهو صاحب كشك في مدينة نصر بالقاهرة، وفي النهاية سقطت في أيدي عزيزة ونور.

يرفض شكري، المسلم المتدين، قبول آراء المستشارين الدينيين المعاصرين الذين يقرون استخدام الأمنيات، مفضلاً إدانة الأمر واعتباره أمرا محرما شرعا كما يعتبره العديد من الشخصيات المتدينة والتي تحظى بإيمان راسخ.

ولم يكن عناده مفاجئًا، نظرًا لأن هذه الأمنيات تُستخدم بشكل شائع لتنفيذ مهام تُعتبر عادةً أمورا متعلقة بالقدرات الإلهية، كعلاج مرض عضال، وحتى إعادة الزمن إلى الوراء، كما أن مفهوم الأمنية بهذه الطريقة في حد ذاته يوحي بفعل الابتهال والتضرع والدعاء، إلا أنه غير موجه للإله على الإطلاق.

يبدو أن تجارب الراوية دينا الخاصة في ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية قد تم التعامل معها بطريقة أكثر أناقة.

فكانت الترجمة التي أنتجتها الكاتبة بنفسها سلسة حيث شكل استخدامها للهوامش نقطة دخول إضافية إلى السياق الثقافي العربي للقصة كمترجمة وروائية في نفس الوقت.

كما ان الكتاب أُعد للقراءة من اليمين إلى اليسار ليحاكي الأعمال المنشورة باللغة العربية.

وكفنانة غير عادية ومتعددة المواهب يغوص عملها في أعماق النفس البشرية حيث تستخلص بخبرتها أمراض المجتمعات الرأسمالية.

وكما هو حال الكثير من سكان العالم، يعاني كل من أبطال الرواية، دون ذنب من طرفهم، من خطر الفقر أو الاكتئاب أو المرض.

ومن خلال الألواح المصقولة باستخدام المقاطع المنظورية والأضواء والظلال، وتتميز بشخصيات ومعالم مصرية مصورة بشكل أصيل، نشاهد كل شخصية في الرواية تقاتل شياطينها الداخلية عندما تواجه إمكانية الخلاص.

إن “أمنيتك هي أمر لي” ليس كتابًا يشيطن الرغبة، بل كتاب يذكرنا بحقيقة عالمية: يجب أن يأتي التغيير من الداخل، ولكن في بعض الأحيان يكون من الجيد أيضًا أن يتم منحك يد العون.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة