بقلم نازيا كازي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أبرز الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 عدة ملاحظات تتعلق بالنظام السياسي الأمريكي بوضوح تام.
في البداية، كان هناك توافق ملحوظ بين الحزبين السياسيين، ففي حين كان الأمريكيون، المتحمسون لإضفاء الطابع الفردي على حماقات الإمبراطورية، يلومون جورج دبليو بوش عادةً على الدمار الذي لحق بالعراق، إلا ان الديمقراطي جو بايدن، بصفته رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، هو من كان مهووساً بالغزو، وكانت الديمقراطية نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأمريكي، هي من رفضت رفع دعاوى ضد بوش لتزويره أسباب الغزو.
كشف الغزو عن ثقافة القمع التي تميز زمن الحرب في الولايات المتحدة
وكان الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون هو الذي فرض، قبل بوش، عقوبات الإبادة الجماعية على العراق التي أدت إلى مقتل عدد لا يحصى من الأطفال.
كما كشف الغزو عن ثقافة القمع التي يتميز بها زمن الحرب في الولايات المتحدة، حيث مُنعت وسائل الإعلام الأمريكية من عرض صور التوابيت المغطاة بالأعلام للجنود الذين سقطوا أثناء أداء واجبهم العسكري في الحرب، مما قلل من أهمية خسائر المعركة.
وخضعت الشخصيات العامة التي انتقدت قرار الحرب، مثل الصحفي فيل دوناهو أو فرقة الموسيقى الريفية The Dixie Chicks للرقابة ودمرت مسيرتها المهنية بشكل كامل.
اليوم، مضى عقدين منذ أن كنت آنذاك طالبًا جامعيًا وأحد المتظاهرين الذين لا حصر لهم ضد الحرب، وأنا الآن على رأس الفصل الدراسي، حيث أقوم بتدريس مساقات حول العرق والإمبراطورية والحرب على الإرهاب.
ما يلفت انتباهي كمحاضر هو الإرث الذي لا يمكن إنكاره داخل الفصل الدراسي لحرب العراق.
لا يمكن إنكار أن عسكرة الحرم الجامعي وإغراق الأعمال البحثية بدولارات الدفاع والاستخبارات لضمان إنتاج داعم للطموحات العالمية في الحكم الأمريكي.
ومن ناحية أخرى، لدينا هيئة طلابية ربما كانت، عن قصد، مسلحة بالقليل جدًا من معرفة السياق التاريخي حول تورط الولايات المتحدة في العراق أو حتى الحرب على الإرهاب.
عسكرة التعليم
تجسد الجامعات والكليات في جميع أنحاء الولايات المتحدة النزعة العسكرية التوسعية التي تشكل جميع جوانب الحياة الأمريكية، لقد أصبحت صناعة الحرب جزءًا لا يتجزأ من الأوساط الأكاديمية بحيث تتلقى المعامل وبرامج البحث دعمًا سخيًا من إداريي الجيش والجامعات الذين يتنافسون على دولارات وزارة الدفاع.
وغالبًا ما يأتي هؤلاء المسؤولون أنفسهم من وظائف في مجال الدفاع أو الأمن القومي، مما يشير إلى وجود باب دوار حقيقي بين العسكرية والأكاديمية، من نواح كثيرة، فالجامعات نفسها تستفيد من الحرب.
ويعكس انتشار البرامج الأكاديمية الجديدة هذه النزعة العسكرية المتزايدة، إذ تزود الدرجات العلمية والشهادات المتعلقة بأمن الوطن أو مكافحة الإرهاب الطلاب بالفكرة القائلة بأن الجهاز العسكري الآخذ في التوسع هو أمر يحافظ على سلامتنا.
للتوضيح، يمكن للطالب إكمال درجة علمية تتعلق بالأمن الداخلي أو مكافحة الإرهاب دون أن يتعامل، ولو بمجرد الذكر، مع عملية “الإعصار”، أو برنامج وكالة المخابرات المركزية لتمويل وتسليح الإسلاميين اليمينيين في أفغانستان، ودون التطرق لقضايا 38 مليون شخص أصبحوا لاجئين، نتيجة الحرب على الإرهاب.
لا تعلّم هذه البرامج عن الاحتجاجات المستمرة في جميع أنحاء العالم ضد بناء القواعد العسكرية الأمريكية، ولا تتناول حقيقة أن دعاة حماية البيئة المحليين في الولايات المتحدة قد تم تصنيفهم إرهابيين.
النسيان الجماعي
يصل الطلاب الأمريكيون إلى الجامعات بعد أن أمضوا سنوات في نظام تعليمي قد أخل بنفسه من السياق التاريخي، ونادرًا ما تتعمق الحصص المدرسية في ملفات تورط الولايات المتحدة في العراق، أو عمليات الحرب على الإرهاب، أو سياسات الحرب الباردة التي أدت مباشرة إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
النسيان الجماعي، فقدان الذاكرة القومي الحقيقي، يلوح في الأفق بشكل كبير في الفهم الأمريكي لغزو العراق عام 2003.
في بحثي الخاص، سألت الشباب الأمريكيين، أولئك الصغار الذين لم يتذكروا الأيام الأولى للحرب على الإرهاب، لماذا تم غزو العراق في عام 2003؟ فأشار الكثيرون إلى أن الغزو كان ردًا على الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في عهد صدام حسين.
في الواقع، اعتقد شخص مذهل من بين كل خمسة من المشاركين في الاستطلاع أن صدام حسين كان وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر! يبدو أن العراق ارتبط في الوعي العام الأمريكي، بطريقة لا تمحى، بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهي صلة تم تشكيلها في ذلك الوقت ولا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
ونادرًا ما يكون الطلاب على دراية بالأكاذيب التي أدلى بها وزير الخارجية آنذاك كولن باول في الأمم المتحدة عام 2003، ولا بمذبحة بلاك ووتر في ميدان النسور.
ربما كانت قضية أبو غريب أهم النماذج على محو حرب العراق من الوعي الأمريكي، فلو كان لدينا ذاكرة وطنية مناسبة ومتوازنة، لكانت صور الانتهاكات حاضرة في أي فصل دراسي للتاريخ الأمريكي.
لقد تم محو هذا المظهر الأكثر وضوحًا لوحشية الغزو تمامًا من الوعي الجمعي الأمريكي.
وقد كتبت عن الدور الرئيسي الذي يلعبه النسيان في حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، إذ حملت أحداث الحادي عشر من سبتمبر شعار “لا تنسى أبدًا”، لكن الحقيقة أن الأمريكيين نسوا جميعًا حقائق الهجمات، بما في ذلك ما حدث قبلها وما تلاها.
وربما يكون الفصل الدراسي في الولايات المتحدة، على مستوى الجامعات والمدارس، هو أكثر المواقع كشفًا لفقدان الذاكرة هذا.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)