الخليج بين الثقافة الغربية الطاغية وضرورة التمسك بالأصالة والترويج لها

بقلم فرح عبد الصمد

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لم يشعر عشاق كرة القدم الذين زاروا قطر خلال كأس العالم 2022 بأن شيئاً ما كان ينقصهم، فقد امتلأت الدوحة بالمتاحف والعروض الثقافية التي كانوا يتمتعون بها بين أوقات المباريات، من بينها المتحف العربي للفن الحديث ومتحف قطر الوطني ومتحف الفن الإسلامي المقابل للبحر، كما كان يوجد في سوق واقف وكتارا ورش عمل مع الفنانين في مدرج ضخم.

إضافة إلى ذلك، هناك ما لا يقل عن 3 متاحف قيد التجهيز، بما في ذلك واحد في منطقة لوسيل الجديدة، وهو مخصص لعرض مجموعة ضخمة من الفن الاستشراقي.

أما الجارة المجاورة، الإمارات، فهي موطن متحف اللوفر أبو ظبي ومركز فنون أبو ظبي ومركز آرت دبي ومؤسسة الشارقة للفنون، بالإضافة إلى مزيد من المشروعات الثقافية قيد الإنشاء، مثل متحف جوجنهايم أبوظبي المقرر افتتاحه عام 2025، ومتحف زايد أبو ظبي ومتحف التاريخ الطبيعي وغيرها.

تم افتتاح متحف المستقبل المميز بتصميمه البصري عام 2022 في دبي، المدينة التي انطلقت منها عشرات المعارض الفنية والمساحات الثقافية منذ عام 2007، بما في ذلك مركز جميل للفنون والخط الثالث.

أما في السعودية، فقد تم افتتاح معرض الفنون الإسلامية الأول مطلع عام 2023 في جدة، وتم الإعلان مؤخراً عن خطط لتوسيع متحف بومبيدو في باريس إلى مجمع صحراء العلا والموقع الأثري، والذي يُعرض فيه حالياً 70 لوحة لمشاهير عالميين، وعبر الفضاء الرقمي، تم إطلاق المتحف الخليجي للفنون على الانترنت، من قبل مؤسسي مجلة سكة ومنار شريفة الهنائي عام 2020.

هذه مجرد أمثلة على المشهد الثقافي المتنامي في منطقة الخليج في السنوات الأخيرة.

مشاريع حكومية

قام المجلس الدولي للمتاحف بتحديث تعريفه للمتاحف عام 2022، حيث أصبح المتحف  “مؤسسة دائمة غير ربحية في خدمة المجتمع، تقوم بالبحث وجمع وحفظ وتفسير وعرض التراث المادي وغير المادي”، معتبراً أنها يجب أن تكون “مفتوحة للجمهور ويسهل الوصول إليها وشاملة تعزز التنوع والاستدامة، وتقدم تجارب متنوعة للتعليم والتمتع والتفكير وتبادل المعرفة”.

في البداية، كانت متاحف الخليج عبارة عن مبنى يمثل هيبة الدولة في المجمل، ثم تطور ذلك، فقد تم تصميم متحف قطر الوطني، على سبيل المثال، من قبل من المهندس جان نوفيل، الحائز على جائزة من معهد العالم العربي في باريس، وهو نفسه الذي صمم متحف اللوفر أبوظبي، أما متحف لوسيل فقد تم تصميمه من قبل شركة سويسرية.

“الحقيقة أن 95% من المعارض تدور حول أماكن أخرى، دعونا ندفع الفن من منطقتنا ضد موجة الفن الآتي إلينا من الغرب” سلطان سعود القاسمي، مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة

لم تكن المشاركة الأجنبية في تصميم المتاحف في الخليج حديثة المنشأ، فكتب التاريخ تذكر أن مخطط مدينة دبي الذي تم إنشاؤه عام 1960، كان من تصميم المهندس المعماري البريطاني جون هاريس، الذي قيل في مشروعه أنه صنع معجزة من الرمال إلى الاسمنت.

يقول الناقد رحيل إيما والمقيم في دبي أن “الإيديولوجيا الخليجية نمط ترعاه الدولة وظهر في الخليج مع دخول القرن 21” متسائلاً “هل يمكن أن يكون هناك مستقبل بدون حكومة؟”

مشروع تحويل صحراء العلا في السعودية إلى واحدة من أكبر مساحات المتاحف في خطة مدتها 15 عاماً تحت مسمى “رحلة عبر الزمن”، من أجل جذب مكاسب ثقافية وسياحية بيئية في منطقة سكنها عشرات الآلاف من السنين.

تعد الثقافة مفتاح البلد، كما أنها أداة دبلوماسية مهمة، على سبيل المثال، فرنسا شريك للهيئة الملكية في مشروع العلا، وعلى الجانب الآخر، يمكن أن تكون هذه المشاريع عرضة لعوامل خارجية، مثلاً، كان من المفترض افتتاح متحف جوجنهايم أبوظبي في 2012، ولكن سيتم تأخيره إلى عام 2025 بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية، بين الركود وخلافات حول ظروف العمال المهاجرين العاملين في المشروع، وغيرها.

ثقافة لمن؟

ربما التحدي الأكبر الذي تواجهه هذه المشروعات في المشهد الفني المعاصر، هو تحديد مجتمعاتها وجماهيرها من أجل نمو طويل الأجل وذا مغزى، وتعتبر مؤسسة الشارقة للفنون التي تأسست عام 2009، مثالاً جيداً على رعاية منصة ديناميكية تربط بين أهل الثقافة العالميين والمحليين، من فنانين وأكاديميين ونقاد وغيرهم من المتخصصين.

فكرة المجتمع تخضع لتفسيرات مختلفة، فمن الممكن أن نعني بها المنطقة أو الطبقة او مجموعة تشترك في معتقدات ومواقف متشابهة، من جلب الفن إلى الأطفال المحليين من خلال الانخراط مع السكان ذوي الطبقة الفقيرة، ويمكن للمجتمع أيضاً أن يتطرق إلى مفاهيم أكثر حساسية أيضاً.

لو أخذنا قطر كمثال، فالاحصائيات تشير إلى أن السكان المواطنين يشكلون 12%، بينما يعد يشكل غير المواطنين 88% تقريباً، فهل يعتبر غير المواطنين في قطر جزءاً من المشهد المحلي؟

تعد دبي، مثلاً، مركزاً رئيسياً لسوق الفن الإقليمي، حيث يعيش عدد كبير من الأجانب  وقد كانت تميل المعارض المعاصرة فيها خلال العقد الأول في الألفية إلى إبراز الفنانين غير الإقليميين، على عكس الكويت، التي أبرزت الفنانين المحليين في صالات العرض منذ افتتاحها عام 1969.

الفن الشرقي في شبه الجزيرة العربية

يمكن القول أن إحدى طرق “القيام بالأشياء بشكل مختلف” في الخليج هو إعادة تفسير الفن الاستشراقي، وهي الحركة التي بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر مع الفنانين الغربيين الذين يصورون المشاهد الحسية و”الأخرى” من المغرب إلى بلاد فارس، والتي غالباً ما تتشابك مع المشاريع الاستعمارية.

يحظى مفهوم الاستشراق بشعبية كبيرة بين هواة التحف العربية وزيارة بؤرة تركزها  في متحف قطر في مدينة لوسيل، حيث يمثل وجود هذه المجموعات الاستشراقية فرصة للمؤسسات الفنية الجديدة في الخليج لإبراز التاريخ المحلي من خلال الدراسة النقدية للموروثات والتحف العربية والإسلامية.

عبر عن هذا التطلع إلى إبراز المشهد المحلي وإنهاء الاستعمار الثقافي إن صح التعبير، أصوات مثل سلطان سعود القاسمي، مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة، حيث قال في قمة الثقافة في أبو ظبي التي عُقدت في أكتوبر 2022 “الحقيقة أن 95% من المعارض تدور حول أماكن أخرى، دعونا ندفع الفن من منطقتنا ضد موجة الفن الآتي إلينا من الغرب”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة