بقلم كامل هواش
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
كثيراً ما تكرر إسرائيل الكذبة القائلة بأن الفلسطينيين “لا يفوتون فرصة لتفويت الفرص” في تبريرها لفشل عملية السلام.
ومع ذلك، فإن الصيغة الأكثر دقة لهذه العبارة هي أن بريطانيا لا تفوت أبدًا فرصة لإلقاء الفلسطينيين تحت الحافلة.
كان آخر مثال على ذلك رفض بريطانيا وصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين “بالفصل العنصري” ضمن اتفاقية الأمن والتجارة الحرة مع إسرائيل.
لقد خذلت بريطانيا الشعب الفلسطيني مرات لا تحصى من قبل، من عهد الانتداب إلى وعد بلفور و النكبة ودعمها الصريح لـ “دفاع إسرائيل عن النفس” وحل الدولتين الذي ولد ميتًا.
كما يعلم الفلسطينيون جيدًا، كان لوعد بلفور البريطاني سيئ السمعة عام 1917 أثر مدمر للغاية على حقوقهم وقوميتهم.
في ذلك الوقت، لم تكن بريطانيا في فلسطين، ولم تتم استشارة الفلسطينيين، وكانت نسبة اليهود في فلسطين أقل من 10%.
رغم أن الوعد أكد على عدم المساس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية في فلسطين، فإن النتيجة لم تكن كذلك، لقد كانت تلك “حافلة بلفور”.
كان بإمكان رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد لويد جورج، وهو ويلزي متفاخر، أن يتبرع بوطنه ويلز ويعرضه على اليهود، بدلا من فلسطين.
لكن بريطانيا ذهبت إلى أبعد من ذلك في إبقاء الفلسطينيين تحت الحافلة عندما ضمنت أن يكون وعد بلفور جزءًا من الانتداب البريطاني في فلسطين.
شعب أقل
بعد توقيع اتفاقية سايكس بيكو، أصبح الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد الذي حرم الاستقلال، وبدا الأمر كما لو أن البريطانيين كانوا ينظرون إلى الفلسطينيين على أنهم شعب أقل، ليس أقل من اليهود فقط، بل أيضا من إخوانهم العرب في الدول المجاورة.
وعندما غادرت بريطانيا فلسطين أخيرًا عام 1948، تركت الفلسطينيين عرضة للعنف الصهيوني الذي بلغ ذروته بالنكبة.
نعم، كانت العصابات الإرهابية الصهيونية ثم الجيش الإسرائيلي هي التي ارتكبت العديد من المجازر، بما في ذلك دير ياسين، التي أدت إلى لجوء 750 ألف فلسطيني من السكان الأصليين إلى البلدان المجاورة، لكن البريطانيين حرصوا على خروج اليهود الصهاينة منتصرين.
ولا يزال الفلسطينيون يعانون حتى يومنا هذا، حيث نقلت حافلة النكبة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى احتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور في لندن، ليعرض الفتات على الشعب الفلسطيني بينما تجره الحافلة تحتها.
وأعلنت بريطانيا أنها فخورة بدورها في إنشاء إسرائيل، وأنها تعمل من أجل السلام.
لا وصول إلى “محطة السلام“
بعد ذلك جاءت حافلة حل الدولتين. فقط لو تخلى الفلسطينيون عن تطلعاتهم وحقوقهم في الحرية والعودة، ووافقوا على وجود إسرائيل فسيتم دعمهم لتحقيق “السلام”.
وبعيدًا عن نقلهم إلى محطة السلام، فإن حل الدولتين قد جاء قاسيا على الفلسطينيين، فمنذ عام 1967، دأبت إسرائيل على الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وزادت المستوطنات ونقلت إليها مواطنيها.
في السنوات الأخيرة، تقوم حافلة الدفاع عن النفس برحلتها من غزة إلى جنين ومن أريحا إلى نابلس، وتواصل بريطانيا وغيرها دعم “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، سواء كان ذلك بقصف غزة أو اقتحام جنين أو نابلس لاغتيال الفلسطينيين.
بينما نزل أكثر من 250 ألف بريطاني إلى شوارع لندن عام 2021 تضامناً مع الفلسطينيين، وقفت بريطانيا مرة أخرى إلى جانب إسرائيل، مما سمح للأخيرة بمزيد من الدوس على حقوق الفلسطينيين بحجة الدفاع عن النفس.
وعندما سلك الفلسطينيون الطريق القانوني إلى لاهاي أو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، غيرت بريطانيا تصويتها على البند السابع من جدول الأعمال.
وقررت بريطانيا أنها لا تدعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إسرائيل بحجة أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة وفلسطين ليست دولة.
سلوك بريطانيا هذا لا يقارن بدعمها لتوجيه الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا، بما في ذلك مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي الآونة الأخيرة، صوتت المملكة المتحدة ضد إحالة الاحتلال الإسرائيلي الذي دام 55 عامًا إلى محكمة العدل الدولية.
خارطة الطريق
تحاول بريطانيا منذ مغادرتها الاتحاد الأوروبي توقيع اتفاقيات تجارية مع دول مختلفة لتعويض السوق الأوروبية المشتركة.
وفي حين أنها فشلت في إبرام صفقة التجارة الحرة التي كانت تتطلع لإبرامها مع الولايات المتحدة، فقد أدرجت إسرائيل في قائمة الدول العشر الأولى التي أرادت إبرام صفقات تجارية معها.
لم يكتف الاتحاد الأوروبي بمنح إسرائيل تصريحًا بالتجارة على الرغم من سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، بل إن حكومة المملكة المتحدة تخلت الآن عن ذكر حقوق الإنسان في “خارطة الطريق 2030 للعلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة وإسرائيل”.
ستعمل “خارطة الطريق للعلاقات الثنائية” على زيادة التجارة بين بريطانيا وإسرائيل دون أي ذكر لأي من حقوق للفلسطينيين.
الواقع أن خارطة الطريق لا تذكر سوى “التحسن الاقتصادي” لحياة الفلسطينيين، رغم أن توقيع بريطانيا عليها تم مع الدولة التي يمكن أن تنهي معاناة الفلسطينيين بصفتها المحتل لأرضهم.
كم عدد الحافلات التي تحتاجها بريطانيا لإلقاء الفلسطينيين تحتها أثناء ركوبهم مع نظام الفصل العنصري في إسرائيل؟ هل ستجلس إسرائيل يوما مع الفلسطينيين في حافلة الحرية والعدالة والمساواة؟
سجل بريطانيا لأكثر من 100 عام في هذه القضية بالكاد يوحي بالثقة.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)