بقلم سلام عوض
ترجمة وتحرير مريم الحمد
أصبحت الموضة في العصر الحديث مرتبطة بالثقافة الاستهلاكية بشكل كبير يصعب التخلص منه، حيث تقدر الصناعة العالمية بقيمة 1.7 تريليون دولار، لأن الموضات باتت تتغير مع تغير الموسم ويتم شراء الملابس والتخلص منها بسهولة.
لا ينفي المفهوم الاستهلاكي الذي صار مرتبطاً بالموضة تجذرها في الهوية والثقافة كفكرة تاريخياً، ففي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على وجه التحديد، كانت الموضة تمثل روابط روحية أعمق مع الأرض والأسرة والمنطقة الجغرافية وحتى الدين والعرق، فأزياء المرأة على وجه الخصوص، كانت تمثيلاً مرئياً حقيقياً للهوية إن صح التعبير، كل ثوب أو قطعة مجوهرات لها رمزية ما وارتباط بالمكونات الثقافية لتلك السيدة.
فما هي أهم القطع التقليدية التي كانت ترتديها النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قديماً؟
أغطية الرأس
من أكثر القطع الديناميكية التي كانت ترتديها النساء في غالبية المناطق، حيث كان لغطاء الرأس وظائف متعددة، مثل الحماية من عوامل الطقس أو الاحتشام إلى كونها مكاناً تحتفظ فيه النساء بمجوهراتهن وكأنه بنك ادخار تلك المرأة.
غطاء الرأس عند الأمازيغ في شمال إفريقيا:
تتمتع شمال إفريقيا بتراث ثقافي متأثر بعدد لا يُحصى من الحضارات من الرومان حتى العثمانيين، ومع ذلك، فقد ظلت الثقافة الأمازيغية الأصلية للسكان راسخة في تطوير الحرف اليدوية والمنسوجات الغنية والتصاميم المتنوعة، وعند الحديث عن غطاء الرأس، فقد كان جزءاً أساسياً من التقاليد القبلية الامازيغية، كما عُرفت تلك القبائل، التي سكنت المناطق الجبلية غرب الجزائر تاريخياً، بالفنانين المهرة وصائغي المجوهرات من الفضة، التي كانوا يزينون بها غطاء الرأس والفساتين التقليدية.
#البس_جزائري_في_العيد الملحة الشاوية لباس #الامازيغ مع الحلي الفضية والذهبية لباس قديم جدا في عهد الرومان #الجزائر pic.twitter.com/DBnb2J0GU9
— زينات إبتسام❤🇩🇿 (@bessoumachaouia) June 30, 2016
غطاء الرأس لدى قبائل أولاد نبل شمال إفريقيا:
اشتهرت نساء تلك القبيلة بأغطية الرأس المرصعة بالمجوهرات التي تشبه التاج ومزينة بالذهب والسلاسل والاكسسوارات الأخرى.
غطاء الرأس الفلسطيني:
هو مزين بصف من العملات الذهبية مدورة بشكل أساسي، ترتديه الفلاحات في جميع أنحاء فلسطين، وكانت تعتبره الفلسطينيات مثل غيرهن بنكاً حقيقياً، تدخر فيه مهرها وقطعها الذهبية و الفضية، ولكنها تتباين في بعض التفاصيل بحسب المنطقة الجغرافية، فغطاء الرأس في القدس و رام الله عبارة عن قبعة مطرزة مزينة بحلي ذهبية وفضية، أم في بيت لحم، كانت المرأة المتزوجة ترتدي قبعة تشبه الطربوش تسمى الشطوة، ويتم تزيينها بصفوف من العملات المعدنية وخرز المرجان وغيرها.
أما المرأة البدوية في صحراء النقب جنوب فلسطين، فكانت ترتدي غطاءً للرأس مكون من حجاب من القطع النقدية، مغطاة بقطعة أخرى من القماش حتى لا تظهر للعيان، وللإشارة على أنهن متزوجات، تقوم النساء بتجديل شعورهن ووضع شعرهن على جباههن على شكل قرن.
غطاء الرأس في إيران:
اشتهرت النساء الفارسيات تاريخياً بالحيوية والألوان الجريئة التي كانت تزين فساتينهن وأغطية رؤوسهن أيضاً، وتختلف التصاميم من منطقة إلى أخرى، وتعتبر القبعة المصقولة من أشهر أغطية الرأس التقليدية في إيران.
غطاء الرأس في سلطنة عُمان:
يُسمى “باتولا”، وهو غطاء الرأس المميز لمنطقة الخليج، مصنوع من الخامات المختلفة كالحرير والخيوط الذهبية والفضية وكذلك جلد الماعز، وتغطي الباتولا وجه المرأة من الحاجبين إلى الفم، كما تعتبر بمثابة درع لحماية وجوه النساء من مناخات الصحراء القاسية، وتعد رمزاً للتواضع أيضاً.
وشم الوجه:
كان الوشم شيئاً مألوفاً لدى النساء في شمال إفريقيا ومناطق الشرق الأوسط كلها تقريباً، فالقبائل الأمازيغية والكردية والبدوية تحديداًن كانت ترسم نساؤها تصاميم مميزة على وجوههن، ثم توسعت هذه الظاهرة حتى وصلت لمناطق الفلاحين في فلسطين مثلاً.
كانت النساء الأمازيغيات مشهورات بالتصاميم، والتي يعد من أشهرها وشم الذقن المسمى السيالة، والذي كان يعتبر رمزاً للصحة الجيدة والخصوبة والحظ السعيد، ولكن مع انتشار الإسلام، أخذت ظاهرة الوشم بالانحسار تدريجياً وما زال هناك بقايا في ممارستها في المناطق البدوية والقروية، بعد شمال إفريقيا، تعد فلسطين ثاني أكثر منطقة انتشر فيها رسم الوشم.
الحرير في دمشق:
دمشق، إحدى أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، كانت مركزاً لصناعة الحرير الفاخر في المنطقة، فقد كان النسيج الدمشقي الشهير المصنوع في الأصل من الحرير، يعتبر كنزاً من كنوز المنطقة وكان معروفاً بألوانه النابضة ونعومته.
ارتدت النساء السوريات قديماً العباءات متقنة الصنع من النسيج الدمشقي المنسوج، كما ارتدت النساء الفلسطينيات في الناصرة والجليل فساتين ذات أنسجة حريرية غنية وأنماط متنوعة.
التطريز الفلسطيني:
تعد الأثواب الفلسطينية المطرزة شعاراً للهوية الوطنية الفلسطينية، بمثابة تمثيل متحرك يمكن من خلاله تحديد المنطقة التي تنتمي إليها المرأة الفلسطينية التي ترتديه بسهولة، كل النساء الفلسطينيات كن يرتدين ثياباً مطرزة يدوياً مع أنماط ورموز مطرزة، ثوب رام الله معروف بتطريزه الأحمر ونسيج العاج.
الأثواب المطرزة في الأعراس الفلسطينية pic.twitter.com/bEUnElCMB5
— SHAHRAZAD (@ArmaniAramin) October 4, 2013
أما بيت لحم فتتميز بأسلوب يسمى أسلوب ملكة، وهو النمط الذي باتت ترتديه جل نساء فلسطين في المناسبات، كما تتميز غزة بنسيج اسود داكن مزين بتطريزات اللون الأخضر والأزرق.
اليوم لم يبق إلا عدد قليل من الفلسطينيات اللواتي يلبسن الثوب المطرز في حياتهن اليومية، ولكنهن لا زلن ينتجنه ويلبسنه في الأعراس والمناسبات الخاصة، مما يدل على استمرار هيمنة إرث التطريز في ثقافة المرأة الفلسطينية حتى اليوم.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)