بقلم جوزيف مسعد
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
على مدار عدة عقود، استمر الصهاينة العلمانيون وحتى العلمانيين المناهضين للصهيونية منهم بالتنظير حول خطر صهيونية اليهود الأصوليين.
وفي الأشهر القليلة الماضية، تعالت أصوات اليهود العلمانيين مع وصول حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية إلى السلطة، والتي تضم أكبر عدد من اليهود الأصوليين على الإطلاق في حكومة إسرائيلية.
يراود معظم الصهاينة العلمانيين القلق من أن اليهود الأصوليين يشكلون خطورة كبيرة على الإسرائيليين، كما يعتقد البعض منهم بخطورتهم على الفلسطينيين أيضا، ويصر البعض الآخر بمن فيهم العلمانيون المناهضون للصهيونية، على أن اليهود الأصوليين يهددون العالم بأسره.
بخلاف ذلك، لطالما كان الصهاينة العلمانيون هم الذين يرتكبون أفظع المجازر بحق الفلسطينيين، وهم الذين يحتلون أراضيهم ويستوطنونها، ويمارسون التمييز ضد اليهود الشرقيين، ويحافظون على صداقة مع الأنظمة والقوى المعادية للسامية في جميع أنحاء العالم، بدءاً من الرئيس المجري فيكتور أوربان والحركات السياسية الأوروبية اليمينية إلى الأصوليين الإنجيليين الأمريكيين.
كما أن الصهاينة العلمانيين هم الذين يواصلون ممارسة الرقابة العسكرية على جميع وسائل الإعلام في إسرائيل، وهم الذين استمروا في حكم البلاد بموجب أنظمة الطوارئ منذ عام 1948، كما أن العلمانيين هم الذين سنوا جميع القوانين العنصرية التي اشتهرت بها إسرائيل.
إذن، فما الذي يجعل الأصوليين اليهود الصهاينة أكثر خطورة من الصهاينة العلمانيين؟
الأصولية العلمانية
تتشابه العديد من المراجعات الأصولية المعادية لليهود في اللهجة والتحيز مع الأطروحات المعادية للمسلمين والإسلاميين التي نشرها الغربيون المعادون للإسلام والعلمانيون العرب والمسلمون.
في الواقع، ما تشترك فيه المساحات الأصولية المعادية لليهود مع الخطابات المعادية للمسلمين والإسلاميين هو التزام صريح بالعلمانية الليبرالية الأوروبية البروتستانتية البيضاء.
ومن الأمثلة على ذلك، المقابلة المطولة التي أجرتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قبل أسبوعين مع أستاذ الدين المقيم في الولايات المتحدة، موتي عنبري حول تأثير الحاخام الأصولي الإسرائيلي يتسحاق غنزبيرغ.
وبصفته صهيونيًا علمانيًا، حذر عنبري القراء من أن غنزبيرغ يريد تحويل إسرائيل إلى “إيران”، عبر السعي “لاقتلاع الروح العلمانية الصهيونية من جذورها وإسقاط الحكومة، حتى تتم إقامة نظام مبني على التوراة”.
ويعتقد عنبري أنه يجب سحق المحكمة العليا بقراراتها الجنائية، أما الجيش فليس بحاجة إلى سحق، بل إخضاع فقط، وهذه هي طريقة تفكير داعش والقاعدة.
ويضيف عنبري أن غنزبيرغ خطر أيضًا على الفلسطينيين وغيرهم من غير اليهود لأنه يعتقد أن “دم اليهود أجدر من دم غيرهم”، وأن “اليهود فوق الطبيعة، وبالتالي، فعندما ينوي أحد من غير اليهود قتل يهودي يجب تصفية كل عشيرته من أجل حماية اليهودي”.
قبل ثلاثة عقود، أصر عالم السياسة اليهودي الأمريكي المؤيد لإسرائيل، إيان لوستيك، الذي يعارض احتلال عام 1967 ويدعم مفاوضات السلام، على أن “نظام معتقدات” اليهود الأصوليين “يختلف اختلافًا جذريًا عن الروح الإنسانية الليبرالية التي يتقاسمها معظم الإسرائيليين والأمريكيين “.
حدد لوستيك الأصوليين بأنهم “أكبر عقبة” أمام ما أسماه “مفاوضات ذات مغزى”. وزعم أنه على عكس اليهود العلمانيين الذين قد يعارضون “السلام” على أساس “الأمن”، فإن الأصوليين يفعلون ذلك على أساس “الإيديولوجيا”.
حذر لوستيك، من أن مثل هذا النظام الأصولي “من شأنه أن يدمر العلاقة الخاصة لإسرائيل مع الولايات المتحدة” التي تقوم على “تصورات أخلاقية وسياسية وثقافية مشتركة المقاصد”.
وخلص لوستيك إلى أن الأصولية الإسرائيلية تشبه “ترسانة نووية كبيرة ومتطورة” ستهدد مصالح الولايات المتحدة مثل “الثورة الإسلامية في إيران”.
أكثر خطورة؟
وكان الناشط الإسرائيلي الراحل المعادي للصهيونية يسرائيل شاحاك أكثر صراحة حين أعلن أن الأصوليين اليهود لا يشكلون خطرًا على الفلسطينيين فحسب، بل على “جميع غير اليهود”.
أوضح شاحاك مثل عنبري كيف أن اليهودية الأصولية تعتبر اليهود عرقا فريدًا يجعل الحياة اليهودية خاصة وأكثر قيمة من الحياة غير اليهودية.
بينما كان شاحاك على علم بالعنصرية العلمانية الصهيونية الأوروبية المعادية للعرب، فمن غير الواضح سبب تصويره لعنصرية الأصوليين اليهود على أنها أكثر خطورة، إلى حد ما، على الفلسطينيين أو غيرهم من غير اليهود.
حتى إنه ذهب إلى حد نسبة العنصرية الصهيونية العلمانية إلى اليهودية نفسها، وليس إلى العنصرية العلمانية الأوروبية، وهكذا، فقد تسرب الموقف اليهودي المتعصب السائد بين الأصوليين إلى نظام معتقدات اليهود العلمانيين، لدرجة أن المحتجين الإسرائيليين ضد التدخل العسكري الإسرائيلي في لبنان لم يذكروا قط الخسائر اللبنانية.
جولدا مئير
منذ البداية، نشرت آراء شاحاك على غرار آراء لوستيك وعنبري مقارنة بين اليهودية الأصولية من جهة، وأوروبا الليبرالية العلمانية البروتستانتية ومقلديها العلمانيين الإسرائيليين من جهة أخرى.
يذهب شاحاك إلى حد التطوع بالقول أن “التوتر بين الإسرائيليين الأصوليين والعلمانيين ينبع في الغالب من حقيقة أن هاتين المجموعتين تعيشان في فترات زمنية مختلفة”.
هذه التصورات التطورية والداروينية الاجتماعية هي سمة للعديد من المؤلفين الغربيين وبعض المؤلفين المسلمين الذين يكتبون عن الإسلام والعالم الثالث بشكل عام.
العنصرية “المستنيرة”
يخلط شاحاك العلماني بين التقوى الدينية والأصولية، وعلى عكس الأشكناز العلمانيين الذين يتم تقديمهم على أنهم “متنورون” بشأن قضية اليهودية والسلطة الحاخامية فإننا نتعامل مع الرواية القائلة بأن “كل السياسيين من اليهود الشرقيين تقريبًا تنحني عادة لتقبيل أيدي الحاخامات في الأماكن العامة “.
ذكّر بن غفير منتقديه من العلمانيين بأن كل أبطال الجيش الإسرائيلي والميليشيات الصهيونية هم أبطال لأنهم قتلوا الفلسطينيين.
لطالما تنبأ شاحاك بحرب أهلية في إسرائيل لم تتحقق خلال حياته، وتنبأ في كتابه بمعقولية الافتراض أن حركة الاستيطان اليهودية الأصولية غوش إيمونيم، “ستستخدم الأسلحة النووية في الحرب لمحاولة تحقيق هدفها إذا كانت تمتلك القوة والسيطرة”.
يتوافق هذا الافتراض تمامًا مع الدعاية الأمريكية حول الاستعداد المزعوم للإسلاميين والدول الإسلامية “المارقة” لاستخدام الأسلحة النووية، التي لا تملكها، ضد الغرب.
ما يغيب عن الدعاية الأمريكية هو حقيقة أن رئيسي الوزراء الإسرائيليين ليفي إشكول وغولدا مئير، الصهاينة العلمانيون، هم الذين كادوا أن يستخدموا الأسلحة النووية ضد مصر وسوريا في عامي 1967 و1973.
اللافت للنظر أن شاحاك ولوستيك وعنبري لا يرون المستعمر الأمريكي الأصولي اليهودي باروخ غولدشتاين، الذي ذبح الفلسطينيين في المسجد الإبراهيمي في عيد المساخر في عام 1994، في سياق صهيونية علمانية عنصرية واستعمارية ومذابحها التي لا تعد ولا تحصى بحق الفلسطينيين منذ الثلاثينات، ولكن كجزء من الالتزامات الأصولية اليهودية.
ولتأصيل خلفية المذبحة، يتحدث شاحاك، على سبيل المثال، عن “الحالات الموثقة جيدًا لليهود الذين ارتكبوا مذابح ضد المسيحيين وتكرار صوري لصلب المسيح، والتي حدث معظمها إما في أواخر العصر القديم أو في العصور الوسطى “.
وعلى عكس تلك الحوادث، فإن المذابح العلمانية الصهيونية والإسرائيلية للفلسطينيين هي أحداث معاصرة ومستمرة.
وباستحضار بعض الأمثلة اليهودية القديمة لقتل المسيحيين في عيد المساخر، فإن شاحاك المناهض للصهيونية يترك الإشارة إلى الصهيونية العلمانية عن غير قصد.
وإلى الآن، لم تترك الصهيونية العلمانية دعوة أو فعلا للأصوليين اليهود الصهاينة دون أن ترتكبه أو تدعو إليه، وربما كانت أقوال وزير الأمن القومي اليهودي إيتامار بن غفير عندما كان شابًا في عام 1994 أفضل تعبير عن ذلك.
ففي إحدى المقابلات، انتقد الشاب بن غفير محاوريه اليهود اليساريين العلمانيين المنافقين الذين اتهموه بدعم القتل بسبب دفاعه عن غولدشتاين.
أما بالنسبة للحملة الدعائية المستمرة بأن الأصوليين اليهود أكثر خطورة أو عنفًا أو دموية من العلمانيين، فاسأل ضحايا العلمانية الصهيونية من الفلسطينيين الباقين على قيد الحياة وسيرددون بسهولة رواية بن غفير الدقيقة.
للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)