بقلم علي باكير
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
على مدار العقد المنصرم، دار الكثير من الجدل حول البنية الأمنية لمنطقة الخليج والتنافس المحتدم عليها بين القوى الدولية والإقليمية التي تضم الولايات المتحدة والصين وإيران.
وأدت العديد من التطورات العميقة (بما في ذلك ثورات الربيع العربي عام 2011، واندلاع حرب اليمن في عام 2014، وحصار قطر عام 2017، واستهداف إيران لمنشآت النفط السعودية في عام 2019) إلى زيادة اعتقاد دول مجلس التعاون الخليجي بأن الضمانات الأمنية الأميركية التقليدية، وقائمة المشتريات المتزايدة للأسلحة، لن تحميها من التهديدات الناشئة.
وأجبر تآكل الدور الأميركي، كضامن أساسي للأمن في المنطقة، دول الخليج على اتباع استراتيجية التنويع القائمة على توسيع التعاون مع مجموعة من الدول لا سيما في المجال الأمني وعدم قصر اعتمادها على مصادر محددة.
لقد أدى توجه الولايات المتحدة نحو آسيا وتراجع قوة واشنطن إلى تغيير البنية الأمنية في الخليج، وأصبحت العديد من البلدان، بما في ذلك الصين والهند وروسيا، تحت الأضواء في هذا السياق.
لكن أغلب النقاشات تجاهلت تركيا كقوة إقليمية وازنة، على الرغم من قيامها بدور اللاعب الوحيد الذي أدى دورًا ملحوظًا ومباشرًا في مجال الأمن الصارم في الخليج وسط محور الولايات المتحدة في آسيا.
عندما صعد حزب العدالة والتنمية (AKP) إلى السلطة في تركيا في عام 2002، سارع إلى إطلاق سياسة خارجية جديدة ومتعددة الأبعاد، مما أدى إلى رفع مكانة الدولة ودورها وتأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتمت صياغة السياسة الخارجية التركية بالرجوع إلى فهم شامل للجغرافيا والتاريخ والوكالة النشطة، واحتل الشرق الأوسط بشكل عام، وبلاد الشام والخليج بشكل خاص، مكانة حرجة في رؤية تركيا الطموحة.
وعلى الرغم من أن هذه الرؤية ظلت ثابتة في التخطيط الاستراتيجي للدولة، فقد تحول نهج السياسة الخارجية لتركيا بعد ثورات الربيع العربي عام 2011 من القوة الناعمة إلى القوة الصلبة، استجابةً لتغير البيئة الأمنية والتهديدات الإقليمية المتزايدة.
وعلى هذا النحو، سعت تركيا إلى لعب دور أمني إقليمي أكبر وإلى زيادة وجودها الأمني المباشر في الخارج.
وخلال العقد الماضي، تم تشكيل دور تركيا الموجه نحو الأمن في الخليج إلى حد كبير من خلال الديناميكيات الداخلية والإقليمية والدولية الهامة.
وساهم انعدام الأمن الإقليمي، ونقاط الضعف البنيوية لدول مجلس التعاون الخليجي، واعتمادها على الحماية الخارجية، وتقليص التزامات واشنطن الأمنية تجاه الخليج، في تعزيز دور أنقرة الأمني في المنطقة.
حفزت الديناميات الداخلية الرغبة التركية في السعي للحصول على دور أمني رفيع لأنقرة في منطقة الخليج، بما في ذلك صعود صناعة الدفاع المحلية ودفعها نحو سياسة خارجية مستقلة.
وتجلى تطلع تركيا إلى لعب دور أمني أكبر في منطقة الخليج في إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط، تحديداً في قطر.
وخلال أزمة الخليج عام 2017، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه اقترح على العاهل السعودي الملك سلمان إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي السعودية قبل عامين على الأقل من الأزمة، حيث تربط أنقرة أمن منطقة الخليج واستقرارها وازدهارها بتركيا.
وفي الفترة بين عامي 2011 و2016، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي أكثر اهتمامًا بتطوير العلاقات الدفاعية والعسكرية مع أنقرة.
بدت المشاركة الدفاعية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي مكملة لبعضها البعض، مع تزايد قدرات صناعة الدفاع المحلية في تركيا وميزانيات الدفاع الكبيرة لدول المجلس.
خلال هذه الفترة، وقعت تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيات دفاعية رئيسية، وزادت أنقرة بشكل كبير من صادراتها من الأسلحة إلى دول الخليج العربي
تبقى أزمة الخليج عام 2017 المؤشر الأكثر وضوحًا وصدقاً لطموحات تركيا للعب دور أمني معزز في الخليج، فقد دافعت أنقرة عن الدوحة عندما ترددت واشنطن.
وساهم نشر القوات التركية في الدوحة، على الرغم من طابعها الرمزي، في ردع دول الحصار عن عسكرة الأزمة، وأدى إلى إحباط أي خطط غزو محتملة.
وسرّعت أزمة الخليج المكون الجغرافي الاستراتيجي لسياسة أنقرة الخليجية، حيث أصبحت تركيا لاعباً رئيسياً في أمن منطقة الخليج لأول مرة منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية قبل قرن من الزمان.
وعلى الرغم من أن علاقات تركيا مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي واجهت صعوبات وانتكاسات وحتى أزمات بين عامي 2017 و2020، فإن اتفاقية العلا لعام 2021 بين الكتلة التي تقودها السعودية وقطر، والتي أنهت الأزمة الخليجية، مهدت الطريق لتطبيع علاقات تركيا بكل من الإمارات والسعودية.
أظهر هذا التطور أن خطوط الصدع والخلافات بين تركيا وبعض دول مجلس التعاون الخليجي أقل أهمية من المصالح المشتركة والضرورات الاستراتيجية الإقليمية، الأمر الذي يستدعي التعاون والتنسيق.
أما فيما يتعلق بإيران، ففي حين دفعت الأزمة الخليجية أنقرة إلى الاقتراب من طهران بهدف مساعدة قطر في تجاوز الحصار، لم يكن الإيرانيون مسرورين من قيام تركيا بتطوير دور اقتصادي وأمني أكبر لها في الخليج.
وخلال الأيام الأولى من الحصار، أعاقت السلطات الإيرانية مرور الشاحنات التركية التي تنقل المواد الغذائية والبضائع إلى قطر، بحجة الإجراءات البيروقراطية.
وبالمثل، لم يكن الإيرانيون سعداء بالوجود العسكري التركي المباشر في الخليج عبر قطر، معربين عن مخاوفهم من الانتشار الدائم المحتمل للطائرات التركية في الدوحة.
التحديات المقبلة
يمكن أن تشكل الجهات الفاعلة خارج المنطقة، مثل الصين وروسيا وحتى الهند، تحديًا لدور تركيا الأمني المُحسَّن في الخليج في المستقبل، فهذه الدول لديها مفهومها الخاص للأمن في الخليج، والذي يتجلى غالبًا في مفاهيم وأوراق سياسية جديدة، إلى جانب علاقات سياسية واقتصادية وأمنية أعمق مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي.
كما أن هذه الدول لديها اقتصادات وصناعات دفاعية أكبر من تركيا، وبالتالي لديها قدرة أكبر على تحمل التكاليف المرتبطة بتأمين منطقة الخليج.
ولدى الهند والصين على وجه الخصوص دوافع أقوى للعب دور أكبر في الخليج كي تصبحا جزءًا من الترتيبات الأمنية في هذه المنطقة.
وترى دول مجلس التعاون الخليجي هذه الجهات الفاعلة من خارج المنطقة كشركاء فاعلين في مواجهة دور الولايات المتحدة المتضعضع، لا سيما في حالة الصين.
ففي منطقة شديدة التقلب، يصعب معالجة مسألة المستقبل، خاصة مع وجود متغيرات لا حصر لها، إذ توجد حاليًا فجوة كبيرة بين قدرات تركيا وقدرات منافسيها خارج المنطقة، على المستويين الاقتصادي والعسكري.
ومع ذلك، فإن القرب الجغرافي لتركيا، واستعدادها لمشاركة التكنولوجيا الدفاعية وسمعتها كشريك موثوق به وملتزم وذي مصداقية، يمكن أن يوفر لها تفوقا على منافسيها، مما يمكّنها من لعب دور أمني متقدم في الخليج.
إذا استمر الاتجاه الحالي للانفصال الأميركي عن المنطقة، واستمر الموقف الإقليمي الصاعد لتركيا في التقدم، فقد يكون لدى أنقرة فرصة لتعزيز موقعها في الخليج.
ومع ذلك، يجب دائمًا أخذ الديناميات الداخلية والإقليمية والدولية في الاعتبار، حيث إن لديها القدرة على إعاقة طموحات أنقرة في هذا الصدد.
كما يجب على تركيا تحقيق الاستقرار في سياساتها الداخلية، وتعزيز قوتها الاقتصادية، وزيادة تفاعلاتها التجارية مع دول الخليج بشكل كبير من أجل التنافس مع الجهات الفاعلة خارج المنطقة وتسهيل دور أمني محتمل لها في المستقبل.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)