اتهم خبراء في مجال العمل الخيري الحكومة الكندية بممارسة حملة استهداف ممنهجة استمرت لعقود ضد المنظمات الخيرية الإسلامية في البلاد.
إذ ينظر إلى قرار مصلحة الدخل القومي الكندية بإغلاق مؤسسة ISNA Islamic Services of Canada، وهي مؤسسة خيرية إسلامية تعمل في أونتاريو، في مارس 2017 بأنه “قرار استهداف غير عادل اتخذ على خلفية التحيز ضد الإسلام”.
وكانت مصلحة الدخل القومي الكندي قد سوغت قرارها بالادعاء أن المنظمة “فشلت في تلبية المتطلبات الضرورية لتكوينها لأغراض خيرية”، واتهمتها بــ”احتمال تمويل جماعة مسلحة باكستانية”.
واتهم مسؤولون في المنظمات الخيرية الإسلامية السلطات الكندية بعدم منح المنظمة ومثيلاتها من المنظمات الإسلامية وقتا كافيا للاعتراض القضائي وتصويب أوضاعها أسوة بغيرها من الجمعيات (غير الإسلامية)، واصفين ذلك بــ “التناقض” والسلوك غير العادل.
وتظهر تقارير صحفية أن السلطات الكندية سمحت لــ 38 مؤسسة ليس بينها أي مؤسسة إسلامية بالاعتراض القضائي وتأجيل الإلغاء من أصل 63 تلقت إشعارات بالإغلاق بين عامي 2015 و2019، فيما حرمت 25 مؤسسة أخرى، تضم كافة المؤسسات الإسلامية التي تلقت إشعارات بالإغلاق، من ذات الفرصة.
وبحسب محامين ومستشارين قانونيين، فإن السلطات الكندية تمنح الجمعيات الخيرية الإسلامية “نوعًا من الخيارات لمعارضة الإغلاق”، لكن الرد النهائي في الغالب يأتي بحتمية إلغاء المؤسسة.
ولفت الخبراء إلى أن مجرد وضع هذه المؤسسات في دائرة النزاع القانوني يضعف قدرتها على تسويق مشاريعها ويسيء إلى علاقاتها بالمتبرعين والمانحين الذين عادة ما يحجمون عن مواصلة تقديم الدعم المالي لها.
الشعور بالاستهداف
قانونياً، يمكن للجمعيات الخيرية تقديم اعتراض إلى فرع الاستئناف التابع للوكالة الكندية في غضون 90 يومًا من تلقي الخطاب بإلغاء وضعها، لكن المؤسسات الخيرية مثل مركز أوتاوا الإسلامي ومسجد السلام والمجلس الإسلامي الشيعي، ومؤسسة الأناضول الثقافية، تلقت جميعها رسائل تفيد بأنه سيتم إلغاء أوضاعهم بعد 30 يومًا، بغض النظر عن أي استئناف أو اعتراض تتقدم به.
وترفض مصلحة الدخل القومي الكندية تفسير أسباب إلغاء جمعيات محددة، لكنها تقول أنها تقدم بالعموم على تصنيفين من الإلغاء، الأول لمدة 90 يومًا والثاني لمدة 30 يوماً، مشيرة إلى أنها تلجأ في العادة إلى التصنيف الأول “ما لم تثبت المنظمة عدم امتثال فاضح”.
وتبين المصلحة أنها لا توقف الإلغاء في التصنيف الثاني إلا إذا تلقت أمرًا بوقف نشر إشعار الإلغاء من المحكمة الفيدرالية، وذلك لفتح المجال أمام الاستئناف في غضون 30 يومًا.
ومع ذلك، فقد أظهرت قواعد بيانات صحفية أن 4 منظمات خيرية إسلامية تلقت رسائل بالإلغاء دون الإشارة إلى خيار إمكانية الحصول على أمر من المحكمة لمنع تنفيذ الإلغاء.
وبحسب تقارير، فإن 75 بالمئة من المنظمات التي الغيت صفتها الخيرية بعد عمليات التدقيق في الفترة من 2008 إلى 2015، كانت جمعيات خيرية إسلامية، رغم نفي مصلحة الدخل القومي ممارستها أي تمييز بين الجمعيات الخيرية على أساس انتمائها الديني.
وتزعم المصلحة في المقابل أنها تقوم “بتقييم جميع المخاوف المتعلقة بالمؤسسات الخيرية المسجلة مقابل إطار تنظيمي واضح قائم على المخاطر مصمم لمنع التحيز في عملية صنع القرار.”
مزاعم الإرهاب
كما تم إجراء العديد من عمليات التدقيق ضد المؤسسات الخيرية الإسلامية من قبل فرع سري خاص داخل مصلحة الدخل القومي الكندية يسمى قسم المراجعة والتحليل (RAD)، الذي يعمل مع وكالات الأمن القومي وهو مكلف بالتحقيق في مزاعم تمويل الإرهاب في القطاع الخيري.
وفي السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كلفت حكومة رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر RAD باستئصال أي شكل من أشكال تمويل الإرهاب في المؤسسات الخيرية الكندية، في إجراء يقول الخبراء إنه “كان يميل إلى التركيز بشدة على المؤسسات الخيرية الإسلامية”.
ويتهم خبراء قانونيون القائمين على مساعي مكافحة تمويل الإرهاب بحصر هذه الأنشطة في المؤسسات الخيرية الإسلامية في الغالب، مشيرين إلى أن مصلحة الدخل القومي الكندية تعاونت مع وكالات الأمن القومي لإجراء عمليات تدقيق تستهدف بشكل غير عادل المؤسسات الخيرية الإسلامية، مع قدر ضئيل من المساءلة.
وعلى الرغم من صدور العديد من قرارات إلغاء الجمعيات الخيرية في عهد الحكومات الليبرالية المتعاقبة بقيادة رئيس الوزراء الحالي جاستن ترودو، لم يتم اتهام أي من المنظمات الخيرية الإسلامية أو الأفراد المرتبطين بها بارتكاب جريمة تمويل الإرهاب.
وعلاوة على ذلك، وجدت دراسة حديثة أجراها أساتذة القانون فيصل كوتي وفيصل بهابا أن المصادر التي تعتمد عليها ادعاءات مصلحة الدخل القومي الكندية ضد الجمعيات الخيرية وردت أساساً من خبراء معروفين بمعاداتهم للإسلام ومن شخصيات تنتمي إلى اليمين المتطرف ومن الداعمين للمشاعر المعادية للمسلمين.
وخلال السنوات القليلة الماضية، بذلت حكومة ترودو محاولات للنظر في شكاوى الخوف من الإسلام في مصلحة الدخل القومي الكندية، بعد أن تم تكليف أمين المظالم لدافعي الضرائب الكنديين بالنظر في المشكلة، لكنه توصل في النهاية إلى ما قال إنه “تقرير غير حاسم”.
ومع ذلك، فإن المعايير المزدوجة المطبقة على المؤسسات الخيرية المختلفة تدل على مشكلة أكبر داخل كندا، تتعلق بكيفية انتقاء واختيار المؤسسات الخيرية التي يتم التدقيق في ملفاتها.