لا يلبث كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية أن يلتزما بهدنة مؤقتة، حتى يتهم كل منهما الآخر بخرقها، ويستأنفا القتال، ثم يوافقان على تمديد الهدنة مجدداً أو على إبرام اتفاق جديد. وخلال وقف أطلاق النار النظري المتكرر، سقط العديد من السودانيين من بين أكثر من 500 فقدوا حياتهم منذ اندلاع القتال قبل ثلاثة أسابيع على خلفية خطط دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.
دخلت أحدث الهدنات حيز التنفيذ يوم الخميس، وهذه المرة أعلن وقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام بوساطة جنوب السودان، لكن الهدنة سرعان ما كسرت بالفعل، وعادت الغارات الجوية إلى الخرطوم.
ظل زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، يلقيان باللوم على بعضهما البعض في شأن خرق الهدنات.
وبالكاد تمر دقائق إثر سريان الهدنة حتى تسمع أصوات طلقات الرصاص والغارات الجوية.
فلماذا يستمر الخصمان في الموافقة على وقف إطلاق النار، وهما يدركان أنهما لا يلتزمان به؟
قال كاميرون هدسون، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكبير المنتسبين في برنامج CSIS Africa إن الكثير من هذه الموافقات تتعلق بالعلاقات العامة، حيث يسعى كل طرف إلى “خلق انطباع لدى المجتمع الدولي بأنه يتعاون مع دعوات وقف إطلاق النار ويتصرف بمسؤولية”.
نظرية النضج
ويلاحظ هدسون أن العديد من بيانات قوات الدعم السريع، مثل تلك المتعلقة باتفاقيات الهدنة، تصدر باللغة الإنجليزية فقط، مرجحا أن يكون في ذلك “إشارة بأن هذه القرارات تتخذ لإرضاء المجتمع الدولي.”
“سينعكس الموقف في ساحة المعركة على طاولة المفاوضات”- كاميرون هدسون، محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية.
وبالنسبة لأندرياس كريج، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كينجز كوليدج لندن، فإن الفشل في وقف إطلاق النار الأخير محسوب، لأن الطرفين:” ما زالا يعتقدن أنهما قادران على كسب الأرض وتحقيق الأهداف من خلال القتال بدلاً من التفاوض”.
ويشير كريج إلى “نظرية النضج” في العلاقات الدولية التي تفترض أنه بمجرد أن يدرك طرفا النزاع عدم إمكانية تحقيق الفوز من خلال المزيد من التصعيد، فإنهما يبحثان عن حل سياسي.
ووفقا لكريج فإن الوقت مازال “غير مناسب لكلا الجانبين للجلوس فعليًا على طاولة المفاوضات”.
وأضاف:” كلا الجانبين في وضع جيد للغاية، إنهما مسلحان ومجهزان جيدًا ولديهما حوافز كبيرة لمواصلة القتال “.
بدوره يؤكد الدكتور جهاد مشامون، الباحث والمحلل السوداني في شؤون القرن الأفريقي أن الجيش وقوات الدعم السريع يركزان على أهدافهما العسكرية المباشرة، حيث تستدعي قوات الدعم السريع تعزيزات من دارفور، فيما تقوم القوات الجوية بمهاجمتها.
“يركز الجيش على قطع خطوط الإمداد بتعزيزات قوات الدعم السريع”. الدكتور جهاد مشامون، الباحث والمحلل السوداني في شؤون القرن الأفريقي
ويضيف مشامون أن قوات الدعم السريع لا تملك قيادة مركزية للسيطرة على قواتها، مما يزيد من تعقيد محاولات تنفيذ الهدنة المؤقتة.
وكان الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيريتس، قد أعلن خلال عطلة نهاية الأسبوع، إن الجانبين رشحا ممثلين عنهما لمحادثات محتملة تعقد إما في المملكة العربية السعودية أو جنوب السودان.
وقال هدسون:” هذه الوتيرة العالية من القتال تشير إلى أنهما ربما يستعدان في النهاية لنوع من المحادثات السياسية.”
الجهات الخارجية
وغالبًا ما تضطر أطراف النزاع إلى وقف الأعمال القتالية عن طريق الحلفاء الدوليين، لكن هذا لم يحدث في السودان حتى الآن.
وتفضل مصر البرهان، بينما يتمتع حميدتي بدعم في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث قال كريج:” الرعاة الخارجيون لديهم مصلحة في التأكد من فوز وكلاءهم”.
وأضاف:” المصريون مصممون تمامًا على مواصلة دعم البرهان، لا توجد ظروف تقبل فيها مصر بانتصار قوات الدعم السريع”.
ولا ترى مصر في حميدتي وقوات الدعم السريع أكثر من مجرد مرتزقة، حيث قال مشامون أن المصريين “يحترمون الجيش السوداني باعتباره محاكياً للجيش المصري”.
في غضون ذلك، تستورد الإمارات التي تدعم حميدتي، ذهباً بقيمة 16 مليار دولار من السودان كل عام، وقد وقعت اتفاقية مبدئية بقيمة 6 مليارات دولار لبناء وتشغيل ميناء أبو عمامة والمنطقة الاقتصادية في بورتسودان.
وقال مشامون إن مصر والإمارات لديهما نفوذ في السودان، لكنهما متشككان في استعدادهما لتحقيق وقف لإطلاق النار.
وينظر البعض إلى المملكة العربية السعودية على أنها مفاوض أكثر توازناً في السودان من بعض حلفائها الإقليميين، لكن نفوذها ضئيل للغاية في السودان وهي غير قادرة على جلب الجانبين إلى طاولة المفاوضات، بحسب كريج.
أما إخفاق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في تحقيق السلام في السودان فيعزوه مشامون إلى الافتقار إلى التخطيط والبصيرة.
وقال “ليس لدى بايدن خطة متماسكة للسودان، وليس لدى الولايات المتحدة أي رؤية لدعم انتقال السودان إلى الديمقراطية”.